الخطبة الأولى :
الحمد لله ذي العز المجيد، والبطش الشديد، المبدأ المعيد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، والمكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد.
فسبحان من قسم خلقه بين شقي وسعيد:
(من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد).
أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفئ ولا عدل ولا ند ولا نديد.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه) صلاة وسلام لا تنفذ ولا تبيد.
يا رب طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء،
وألسنتنا من الكذب.
يا رب، نشكو إليك قسوة قلوبنا، وغفلة نفوسنا، وتقصيرنا في طاعتك، وغفلتنا عن ذكرك.
أما بعد عباد الله:اتقوا الله حق التقوى.
أيها الأخوة في الله، لقد قست القلوب فهي ما بين شواغل الدنيا وصوادفها وملهياتها.
ثم إذا أفاقت فإذا هي تفيق إلى نكبات وهموم وغموم تتجاذبها، فإذا حديث الرقائق والرغائب.
إذا الحديث المخّوف والحديث المرقق غريب عن القلوب،
غريب على الآذان، قل ما تنصت إليه وقل ما تسمعه.
كم كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتعاهد أصحابه بمواعظ توجل منها القلوب، وتذرف منه العيون، وترتعد منها الفرائض.
يقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخطب أصحابه بكلمات قليلات يسيرات مباركات.
فيقول لهم أيها الناس:( أُريت الجنة والنار فلم أرى كاليوم في الخير والشر، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله).
عباد الله : في الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضا ؛ فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ؛ فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد من تجدون من الزمهرير “.. وفي الصحيحين أيضاً : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم “.
لقد حذر الله عباده من عذاب النار فقال المولى جل جلاله وتقدست أسمائه:( فأنذرتكم نارا تلظى ).
أيها المسلمون : الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق.. فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب.. فيها دركاتٌ ومنازل، وهي سوداء مظلمة.. قاتمةٌ معتمة.. لها صوتٌ يسمع من بعيد.. تشهق وتزبر تمور موراً، و ) تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ لِلْمُكَذِبِين) الحزن فيها دائمٌ وطويل، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل.. قلوب أهلها ملئت قنوطًا ويأساً، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام، ( إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)
خوف الرسول بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال : ” أنذرتكم النار. أنذرتكم النار “.. أفبعد هذا يأمن بقية العالمين، بلها المقصرين ؟!.. يقول الحسن البصري – رحمه الله – : ” والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) .
عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم 🙁 يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام.. مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها) رواه مسلم، لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج ) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا(وفي سورة الملك (تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ( وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزءٌ من سبعين جزء من نار جهنم، قالوا : والله إن كانت لكافية، قال : فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها ” رواه البخاري ومسلم (وقودها الناس والحجارة)لا تنطفي نارها)كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (وهم مع ذلك مقيدون) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)وفوق ذلك يضربون ويهانون (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)يلبسون من النار (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار.. فهكذا في جهنم (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ) (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) أما طعامهم: { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } والضريع : شجرة شوكٌ (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيم (والزقوم : شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.. أما شرابهم فالغسلين والغساق، وهو عصارة أهل النار ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ) فإذا أكلوه غلى في بطونهم كغلي الحميم، فيستسقون فيُسقون بماء حميم إذا أدناه إلى وجهه شوى وجهه، فإذا
شربه قطع أمعائه حتى يخرج من دبره: (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم).
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيان حال طعام أهل النار:( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ).
فكيف بمن تكون طعامه؟؟، فكيف بمن تكون طعامه. ؟؟
هذه بعض صور العذاب.. فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا ؟
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغةً ثم يُقال : ياابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيماً قط ؟ فيقول : لا والله يارب ” رواه مسلم.. إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها :(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ)
اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار.. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنبونا وقنا عذاب النار.. نفعنا الله بهدي كتابه وأجرنا من خزيه وعذابه.. أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، الحمد لله معز من أعطاه ومذل من عصاه.. مجير من استجاره ومجيب من ناداه، أحمده – تعالى – وأشكره وأثني عليه وأستغفره، وأسأله النجاة لي ولكم.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
أيها المسلمون : إن من كمال عدل الله عز وجل أن لا يساوي بين المطيع والعاصي والمصلح والمفسد) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ( فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) ومن انتصر برأيه وعقله معارضا أمر الله وشرعه فليسمع قول الله – عز وجل( ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالدًا فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم)
وويلٌ ثم ويلٌ لتارك الصلاة حين يسأل(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) وأكل الربا موجبٌ لدخول النار، وأكل أموال اليتامى ظلمًا (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) وفي صحيح مسلم : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : يقول الله – تعالى – : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري.. فمن نازعني واحدة منهما أدخلته النار “.. وفي القرآن العظيم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار ؛ لذا سميت يمينًا غموسا . وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب .. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم “.. النار موعودٌ بهم مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام ومن اقتطع مال أخيه بيمينٍ فاجرة فليتبوأ مقعده من النار.
ونحن في إقبال شهرٍ عظيم.. شهر العتق من النار ؛ فمن صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا، وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، ولله في كل ليلة عتقاء من النار.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين . اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره.. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين، اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثاني لما تحبه وترضاه ياسميع الدعاء.
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم تذللنا. ، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنعنا بمعاصينا رحمتك، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لما يرضيك من العمل الصالح، وتقبل منا ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم..سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.