النبي صلى الله عليه وسلم بين الدنمرك وفرنسا
بقلم عبدالعزيز بن محمد السعيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
أما بعد ؛ فمن نحو أربعة أعوام رسم أحد الرسامين الدنمركيين – بتره الله – رسومات مسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فانبرى المسلمون دفاعا عنه صلى الله عليه وسلم في مشاهد دالة على عظيم محبتهم له ، وإن كانت ثمة مخالفات شرعية في بعضها .
وكان منها الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية وسحب السفراء من قبل بعض الرموز الدعوية والعلمية والفكرية في ذلك الوقت ( وإن كان هناك تحفظ عليها لأدلة شرعية كثيرة مما جعل كبار العلماء يتوقفون عن الإفتاء بذلك ) فمنهم من أفتى بذلك باجتهاد توصل إليه من الأدلة ، ومنهم من كانت له مآرب أخرى .
ومن حكمة الله البالغة مانشرته إحدى المجلات الفرنسية في الأسابيع القريبة بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم رئيسا لتحريرها وتوابع ذلك ، مع تأييد الحكومة الفرنسية لها بدعوى الحرية ، دون اعتبار لمشاعر المسلمين قاطبة ، أو احترام للمواثيق الدولية .
فقارنت بين أثر الواقعتين على هؤلاء الرموز فإذا صمت مطبق عن حادثة فرنسا إلا من رحم الله وقليل ماهم ، ولاعذر فالخبر مكرر على عدة أيام في القنوات العربية والعالمية ، فتواردت على ذهني احتمالات ، فقلت :
أسكوت لأجل أن فرنسا ناصرت الحريات الموهومة كما يزعمون ؟
أوهو اختبار من فرنسا لمدى تأثير هذه الثورات ( العقيمة ) على المسلمين ؟
أو هو اختبار من فرنسا _ بل ودول الغرب الكافر _ لتنظر في تقبل هؤلاء لمبادئها العلمانية الماسونية التي تنشرها باسم ( الديمقراطية ) ، ومنها : الحرية وحقوق الإنسان التي تضرب بالكتاب والسنة عرض الحائط في العقائد والأحكام والأخلاق والسلوك ، لاسيما وأن بعضهم قاب قوسين أو أدنى من رئاسة دولة أو وزارة أو برلمان مع وعده بنبذ الشريعة وإرساء العلمانية وتحكيم الطاغوت في رقاب المسلمين ، وبعضهم يمنّي نفسه بذلك ، وثالث شهر سيفه في وجوه أهل السنة ، وألان جانبه لأهل الرفض والإلحاد والعلمنة ، ترقبا لأن يكون إماما للمسلمين ؟
أوهو قياس لمدى ولاءات هؤلاء لهذه الدول _ بعد وقوفها مع المسلمين أو العرب لإزالة الاستبداد ، ونشر الحريات ولو كانت كفرا ، أوعهرا ؟
أو أن تلك الدعوات والحملات لم تكن انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاعا عنه ، بل كانت لحشد الجماهير لأشخاصهم وأحزابهم لحيازة أصواتهم في الانتخابات ، أو لإثبات الوجود ؟
أو أنها مجرد عواطف بعث عليها الشارع الإسلامي الذي امتلأ غضبا للنبي صلى الله عليه وسلم ؟
أو أن هذا الصمت من مقتضيات الحريات التي يدعون إليها ويجعلونها مقدمة على تطبيق الشريعة فمن أنكر عليهم فإنما ينكر على نفسه ؟
أو أن هذا التباين من مقتضيات النفعية ( الجاهلية ) المحضة التي تطرح كل مبادئها في سبيل تحقيق مآربها ؟
ولست هنا في صدد الجواب عن هذه الأسئلة ، وتقريب الأقرب منها ، ولكن لأشعر المؤمن الكريم بأن : التفريق بين ماجرى في الدنمرك وبين ماجرى في فرنسا أثر من آثار الركون إلى الكفار ؛
وأثر من آثار تقديم مصلحة الأحزاب والوصول إلى السلطة على حق الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ؛
وأثر من آثار تقديم النظم الوضعية والقوانين الطاغوتية على الكتاب والسنة ، باسم حرية الإعلام والصحافة والرأي الذي يدعو إليه المغفلون أو المؤدلجون من مفتوني الدعاة والمفكرين.
وأخيرا أذكر المسلمين بقوله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين )
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ومصطفاك محمد وآله وصحبه .
الخميس 28 / 12 / 1432 هـ