النفاق وعلاماته
الحمد لله الذي نور بجميل هدايته قلوب أهل السعادة، فكانت لطلب رضاه مقبلة منقادة ، نحمده على ما أولى من فضل وأفاده، ونشكره معترفين بان الشكر منه نعمة مستفاده ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أقام به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به البهتان ودفع عناده ، وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
ثم أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين )
عباد الله : ليس ثم خطر أعظم من عدو يتخلل صفوف المسلمين ويتظاهر بأنه منهم ومعهم ، وهو خنجر في رقابهم ، ذاكم عباد الله هو النفاق .
لقد كان صحابة رسول الله رضوان الله عليهم من أشد
الناس خوفاً من هذا المرض يقول ابن رجب رحمه الله: “كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه، وسئل أبو رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ فقال: نعم، إني أدركت منهم بحمد الله صدراً حسناً، نعم شديداً، نعم شديداً، وقال البخاري في صحيحه: وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه”
والمنافق هو الذي يسرٌ الشر ويظهر الخير ويخالف ظاهره باطنه .
جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خُلَّة منهن كانت فيه خُلَّة من نفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا وعَدَ أخلف، وإذا خاصم فَجَر) رواه البخاري ومسلم .
وفي لفظ البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) رواه مسلم
فتحصل من مجموع الروايات خمس خصال الكذب. والغدر . والخيانة . والفجور في الخصومة . وإخلاف الوعد .
اما الكذب ، فهو من أقبح الذنوب التي يرتكبها بنو آدم ، بل هو داخل في هذه الخصال كلها فمن: كذب الأقوال (إذا حدث كذب)، (وإذا خاصم فجر)، ومن كذب الأحوال (وإذا وعد أخلف)، ومن كذب الأفعال (إذا ائتمن خان)، (وإذا عاهد غدر).جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذاباً) رواه البخاري ومسلم .
“وأما إخلاف الوعد ” فقال ابن عثيمين رحمه الله: حرام، يجب الوفاء بالوعد سواء وعدته مالاً، أو وعدته إعانة تعينه في شيء، أو أي أمر من الأمور، إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد )
فمن وعد ونيته أن لا يوفي بوعده، فهذا أشر الخلق كما قال ابن رجب ، ولو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، ومن نيته أن لا يفعل كان كذباً وخلفاً ، قاله الأوزاعي. ويخرج من ذلك من وعد فأخلف وهو لم ينو الإخلاف، وعنده عذر قاهر يمنعه من الوفاء بالوعد .
والمراد بالفجور عند المخاصمة وهي الخصلة الثالثة : فهي
كما يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :” أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب … وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) ، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل ، كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق ، وفي سنن أبي داود وصححه الألباني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) .
والخصلة الرابعة قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا عاهد
غدر) وهي قريب من قوله: (إذا وعد أخلف)
الوفاء بالعهود من صفات العقلاء أولي الألباب قال تعالى:
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} والوفاء بالعهد أدب ربَّاني جعل الله صاحبه مسؤولاً عنه يوم القيامة: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).
وتوعد الله تعالى الناقضين عهودهم فقال عزّ وجلّ { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}. ولشناعة الغدر وقبحه فإن الله يفضح الغادر يوم القيامة على رؤوس الأشهاد قال صلى الله عليه وسلم «إذا جمَع الله الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القِيامَة يُرفَعُ لِكُل غادرٍ لِواءٌ،فقيلَ:هذه غَدْرَة فلانِ ابْنِ فلانٍ» رواه مسلم. والغادر لعهده ، يكون الرب -تبارك وتعالى- خصمه يوم القيامة فقد جاء في الحديث الصحيح عند البخاري ( قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر منهم : رجل أعطى بي ثم غدر )
فأول العهود والعقود ما كان بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال سبحانه: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
فالواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية هي عهود بينكم وبين الله ، فقوموا بالواجب واجتنبوا المحرم .
وكل ما يحصل بين الناس من العقود بشرط أن لا تكون على محرم تكون عقود مباحه وعلى أمر مباح فإنه يجب الوفاء بها ولا تجوز الخيانة، وأول ذلك عقد الزوجية بين الزوجين، فعقد الزوجية يوجب على كل من الزوجين القيام بحق الآخر عليه، فالزوج يقوم بحقوق زوجته والزوجة تقوم بحقوق زوجها ، والله جلَّ وعلا سمى عقد الزوجية (مِيثَاقاً غَلِيظاً) سماه (مِيثَاقاً غَلِيظاً) (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) فيجب بهذا الميثاق أن يوفى به من كل من الطرفين الزوج والزوجة، وكذلك عقود البيع يجب الوفاء بها وعدم الخيانة وعدم الغش والخداع والغرر .
اقول ما سمعتم وأستغفر الله تعالى لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.
عباد الله :ومن خصال النفاق خيانة الأمانة خصلة ، وهي تشمل كل ما أؤتمن عليه الإنسان فلم يؤده لأصحابه، ومن الأمانة أن تؤدّي عملك كاملاً، وإذا استودعت سرًا فليس من الأمانة أن تذيعه بين الناس، وليس من الأمانة إن كنت طبيبًا ، أو موظّفا أوبائعا اومزارعا ا وطبيبا او مهندسا أن لا تخلص في عملك ، وجميع الناس عليهم أداء حقّ العباد كاملاً بعيدًا عن الرشوة والتعذيب، حيث تعطل مصالح الناس بدون سبب، ورسولنا يقول كما عند مسلم: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس).
فالخائن لا يحبه الله، قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} .
ألا وإن أعظم خيانة في الأمة خيانتها في دينها ، افلا ترون أن اظهار المنكر بل وجلب الناس إليه خيانة ، والسكوت عن انكاره خيانة ، فأعظم من هذا كله التبرير لتلك المنكرات وتمحل الأعذار دون التوبة والاستغفار ، واشد منه جرما وأقبح مسلكا ابرازها بمسمى اسلامي ، أو الزعم أنها في ظاهرها أخف من غيرها ، وهي وأيم الله دركات يسهل بعضها للهبوط للأسفل ، وإلا فما الذي هون مزامير الشيطان عند الناس إلا بالهبوط لدركة الأناشيد ذات المؤثرات الصوتية ، ثم ما يسمى ب ( الشيلات ) ذات الطبول الفاضحة وهكذا حتى رأينا لا أقول من عوامنا ، لا بل من دعاتنا من ينكر انكار العزف والموسيقى ، بل ويدعو إليها باسم اليسر والترفيه عافانا الله وإياكم .
وإلا أقناة تعج بالنساء السافرات المتعريات ، وفيها رقص النساء والإختلاط والغناء الصراح ثم يزعم أنها تدعو سبعمائة مليون الى الإسلام ، فيا أهل العقول أي دين تدعو إليه ؟! سوى دين التجارة والتكسب ، نسأل الله العافية .
إن مصلحة الدعوة في زعمهم أصبحت مبررا لاستباحة ما حرم الله ، ومن ينكر ذلك المحرم منافق معلوم النفاق ، وحرب على الدعوة ، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم .
والمجتمع لا يمكن الزج به في المنكرات عن طريق الليبراليين الصرحاء ، فهو يرفضهم ويمجهم ، فتطبيعه على المنكرات ، بدعاة إسلاميين ، طريق وخيم ، فلنا توجيه ربنا {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} فلا تكن مخاصما لصالح الخونة، أو مدافعا عنهم .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يبعد عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن .
عباد الله:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه امهات المؤمنين والصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم احفظ هذا البلد وأهله وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم لا تشمت بأهل الإسلام عدواً ولا حاسداً .
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم كن لهم عونا ونصيرا، اللهم انصرهم على القوم الظالمين.
اللهم نصرك المؤزر لجندك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين ، اللهم اكبت عدوهم واجعله في سفال .
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،
أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ،اللهم إنا رفعنا اليك أكف الضراعة ، مفتقرين لرحمتك وفضلك ، اللهم فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أحمد آل عبد الله