إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرَح به الصدور، وأنار به العقول، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ )
عبادَ الله: يوم يُقلِّب المرء صفحات الماضي المجيد، ويتدبر القرآن الكريم، ثم ينظر لواقعنا، يجد التاريخ هو هو، وأعظم التأريخ تأريخ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم
فما أعظمَ سِيْرَته، وما أعْذَبَ دراسَتَها ، وما أجْمَلَ
أحْداثَها ، وأطيبَ حديثها ، عِبرٌ ، ودُرُوسٌ ، وقَصَصٌ تشتاقوا لها النُّفوسُ ، فإنه بدراسِةِ السِّيرَةِ يَتَجَدَّدُ الإيمانُ ، وبمعْرِفَةِ أخْبارِها يَسْتَرْجِعُ المرءُ الزمانَ ، لنطابق أحداث الماضي بواقع اليوم .
وإنَّ مِن أعظمِ أحداثِ السيرةِ غزوةً مَيَّز الله بها بين الصادقين والمنافقينَ ، بين الخبيث والطيب ) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيثَ من الطيبِ ( غزوة خرج النبي إليها بنفسه ، فكانت آخرَ غزوة غزاها النبي ومعه ثلاثون ألفاً من أصحابه ، وذلك في رجب من صيفِ السنةِ التاسعةِ من الهجرة ، قد آن أوان الرطب وظلال الأشجار، وقد طابت الثمار .
ومع شدة الحر وبعد المسافة وقلة الظهر وجدب الأرض وشدة العطش وقلة المال ، فالأعداء محيطون من كل جهة
أمر النبي الناس بالجهاز، فتميزت المواقفُ، وتجلت طوايا
النفوسِ وبليت السرائرُ، فظهر مكنونُ الضمائر، وانقسم الناسُ، وظهر المنافقون في اجلى صورة ، فبينما يجيء الأغنياء كعثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار ، فيقلبها صلى الله عليه وسلم في حجره ويقول: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) وعبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب ، يجيء رجل من الأنصار بصاع من طعام، فيقول أهل النفاق: إن كان الله ورسولُه لَغنِيّيْنِ عن هذا الصاع ، ومن جاء بالمالِ الكثيرِ قالوا: ما أرادَ هذا إلا الفخرَ والرياءَ، فانطلقت ألسنتُهم في أهلِ الإيمانِ همزاُ ولمزاً، سُخريةً وطعناً، ، يقول اللهُ تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ،وهكذا هُم في كلِّ زمانٍ
ومكانٍ، فهم اليوم مع من يلزم جماعة المسلمين وإمامهم
نصحا وتأليفا بوصف الانبطاحية وغلاة الطاعة ، لا
يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمةٍ.
وبينما يجتمع المسلمون مع إمامهم صلى الله عليه وسلم فـ (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ) فالكل هب حماية لدينهم وعقيدتهم ودفاعا عن بلادهم ، إلا وتجد أهل التخذيل يتلمسون الأعذار المبينة عن دخائل نفوسهم ، وهذه حالُ المنافقين ليثبطوا المجتمع وينخروا فيه ، وينشرون دعايةَ الشر في أوساطه (وقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)، وكان من تخذيلهم أن أكثروا المعاذير لرسول الله والاستئذان للتخلف ، فها هو أحد المنافقين يقول له صلى الله عليه وسلم : هل لك في جلاد بني الأصفر؟ -أي: الروم- فيقول: يا رسول الله!! ائذن لي ولا تفتني؛ فو الله! لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجباً بالنساء منِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر ، إنه الورع البارد (فر من الموت وفي الموت وقع).(ومِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي ولاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) كما هو حال الصامتين اليوم ، نيران الثورات بالأمس ، وما سموه بالربيع العربي .
هذه الحوادث وأشباهها المقياس الصادق والمناسبة المواتية لكشف النوايا وإظهار النفوس، وإبراز المواقف على حقيقتها دون ما غش أو خداع، فقد تعلل المنافقون من المسلمين بعلل هزيلة، وانكشفت أثناء الاستعداد والتجهيز نماذج من النفاق، كشفها الله ، ومن ذلكم بث الشائعات الكاذبة، ومحاولة خلخلة الصفوف ، فلا يترك المنافقون دسائسهم وإرجافهم على مر الأيام ، يأتون إلى علي رضي
الله عنه ويقولون: ما خلفك رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا استثقالاً لك؟ حتى كاد يصدق قالتهم لبروزهم
وظهورها فأخذ سلاحه ثم خرج حتى أتى النبي بالجرف
قرب المدينة ليتأكد من الأمر .
فاحذروا اليوم في ظل هذه الأحداث من نقل شائعة أو نشرها حتى يتأكد منهاويتبين صحتها .
وفي طريقه صلى الله عليه وسلم يمر بديار ثَمُود ؟! ديار غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، فيدخلها وقد غطَّى وجهه وهو يبكي، ويقول لجيشه: {لا تدخلوها إلا باكين أو مُتباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم}. هذه أرض سكنها الظَلَمَة، فقولوا لي بالله في من يجالس الظَلَمَة ممن يمد حباله بالرافضة ويؤي الإرهابيين من الخوارج ، ويركَن إلى هؤلاء الظَلَمَة، ويكون لهم داعما ولساناً وصاحباً؛ كيف يكون حاله؟! ألا يخاف أن يغضب
الله عليه ؛ فيأخذه أخذ عزيز مقتدر( وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )
لا يشكُّ متأملٌ عارفٌ، ولا مراقبٌ منصفٌ، لتاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ العريقِ أن الأمةَ اليومَ تعاني أشدَّ أحوالها، وتمرُّ بأصعبِ أيامِها، فإنه وإن كان قد نزلت بالأمةِ نكَباتٌ كِبارٌ، وحلَّت بها كوارثُ جِسامُ، إلا أن الأعظم والأدهى اليومَ أنها مغزوَّةٌ من داخلِها ، وهو أشد ما يكون خطرا ، وذلك بجحافلِ المنافقين المخذلين المتربصين بها .
فالواجب علينا في هذه البلاد المسلمة تحت ولاة موحدين أن نكون عونا لهم ولا تتشبه بأهل النفاق الذين إذا عقد الإمام راية ثبطوا الناس واوضعوا خلالهم الفتنه وهونوا من شأن الإمام ومن رايته .
ولتعلموا عباد الله : أن الأئمة نواب عن الرعية فيما رأوه من الحرب و السلم و الواجب على الرعية أن تكون تابعه لإمامها في حربه وسلمه وفي منشطه و مكرهه وفي العسر و اليسر ( ولو ردوه الى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ).
ومن النفاق ان يوجد من هو مع الرعية وفي احضانها ولكن قلبه مع حاكم آخر ، يصوب خطأه ، وينتصر لقوله ويثني عليه ويصور مساوئه محاسن ، ولا شك أن هذا من الغش والخديعة لولي أمره ومن النفاق كما ذكر ابن عمر .
واحذروا عباد الله : من النظر في بعض المواقع وبعض الفضائيات التي تلعب بقلوب الناس من اجل إفساد ما رآه إمامهم واللعب بالعقول ومن اجل تحويل القضايا من قضايا شرعية إلى قضايا سياسيه ، فإن بلادكم مستهدفه من أعداء كثيرين في الداخل و الخارج و السهام موجهه لأهل التوحيد والسنة .
الهمنا الله الصواب وفقهنا في السنة والكتاب .
اقول ما سمعتم واستغفر الله .
الخطبة الثانية :
الحمد لله ولي الصالحين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله والتابعين : أما بعد
عباد الله : لقد علم القاصي والداني والمحب والمبغض أن هذه البلاد ، بسعتها وكبر مدنها وتباعد قراها بحمد الله تَعَالَى آمنة مطمئنة؛ الأمن بحمد الله عَمَّ الأمن الحاضر والباد، وغمر أرجاء البلاد ، وضُيقت الجريمة فيها كل تضييق ، ووُقف لها بالمرصاد في كل طريق ، يتنعم الواحد منا بما يشاء من النعم ، والناس تأتي إلينا طلبا للرزق .
فقولوا لي بربكم: ما الذي خَصَّنا بهذه النعمة دون أكثر العباد؟
إنه توحيد الله وإفراده بالعبادة ، والطهارة من الشرك ووسائله وسبله وأنداده ، فبلادنا بحمد الله من مظاهر الشرك سالمة ، ولمنائره هادمة ، ولتحقيق التوحيد داعمة ، فاستحقت – بفضل من الله – مـا وعد الله في آياته الباهرة ، فقال : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ).
ومن آثار ذلك التوحيد : تطبيق الحدود بين العباد ، وإقامةُ شرع الله في البلاد ؛ ومن ذلكم ما كان من حكم القتل تعزيرا بالأربعة الإرهابيين بالقطيف .
ولا عزاء لمن ينتقد إقامة ذلك من المتأثرين بدعايات الغرب وأعداء الدين ، ممن يعتبرون الحدود قسوة ووحشية ، وتناسوا أن ما فعله الجاني من قتل البريء وبث الرعب والإفساد بأنه هو الوحشية ، فهؤلاء يرحمون المعتدي ولا يرحمون البريء؛ فتبا لعقولهم، وتبّا لقصورهم ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .
هذا وصلُّوا – رحمكم الله – على محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بذلكم، فقال – جل وعلا -:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم عليك بالخوارج والتنظيمات الإرهابية التي تسعى بالفساد في بلادنا وبلاد المسلمين اللهم رد كيدهم في نحورهم ، اللهم من أراد بأمة محمد صلى الله عليه و سلم سوء اللهم رد كيده في نحره و اجعل تدبيره تدميرا عليه ، اللهم لا تفرح علينا عدوا ولا تشمت بنا حاسدا ولا تسلط علينا حاقداً .
اللهم من أرادنا و علمائنا و ولاة أمرنا و جنودنا بسوء اللهم اهتك ستره ، واقطع ظهره .
اللهم من حارب دينك، بماله أو قلمه أو لسانه، وسخر فضائياته في حرب الإسلام والمسلمين، ودعم الثورات ، اللهم أزل سلطانه وأقطع لسانه واجعل الفقر ضجيعه والموت يتمنا ولا يجده .
اللهم سلّط عليه ما نزل من سمائك، وما خرج من أرضك، اللهم اقذف الرعب في قلبه، وزلزل الأرض من تحت قدمه، اللهم سلّط عليهم يداً من الحق حاصدة يا رب العالمين .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد …