الوليُّ في الإسلام
الحمدُ للَّه ربِّ العالَمين ٬ والصَّلاةُ والسَّلامُ على النَّبيِّ الأمين ٬ وعلى آله وصحبه والتَّابعين ٬ أمَّا بعدُ ؛ فقد قال النَّبيُّ ﷺ : إنَّ اللَّهَ قال : مَن عادَى لي وليُّا فقد آذنتُهُ بالحرب ، وما تقرَّب إليَّ عَبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّهُ ؛ فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَهُ الَّذي يَسمع به ، وبَصرَه الَّذي يُبصر به ، ويدَه الَّتي يَبطِشُ بها ، ورِجله الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نَفْسِ المؤمن ؛ يَكرهُ الموتَ ، وأنا أكرهُ مَساءتَه .
[ صحيح البخاري (٦٥٠٢) ]
هذا الحديث أصلٌ في معرفة الطَّريق إلى اللَّهِ ، وسبيل ارتقاء ولاية اللَّهِ وثمرتِها .. ومن فوائد هذا الحديث :
١) فيه أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يُحدِّثُ عن ربِّه غير القرآن ، وكلُّ ما نطقَ به النَّبيُّ ﷺ في دين اللَّهِ فهو وَحيٌ من اللَّهِ .
🔹 قال تعالى : { وما يَنطقُ عن الهوى * إن هو إلَّا وحيٌ يُوحَى }
ولا يخرجُ هذا الوحيُ عن ثلاثةٍ :
١- : القرآنُ ٬ وهو كلامُ اللَّهِ ، المحفوظُ في الصُّدور ، المتلوُّ بالألسن ، الموجودُ في سطور المصحف .
٢- : الحديث الإلهيُّ ٬ وهو ما أضافَه النَّبيُّ ﷺ إلى اللَّهِ جلَّ وعلا سِوى القرآن .
٣- : الحديث النَّبويُّ ٬ وهو ما قالَه ﷺ سوى ما سبق .
💡 والفَرق بين القرآن والحديث الإلهيِّ أنَّ القرآنَ مُتعَبَّدٌ بتلاوته لذاتها ، وتجبُ تلاوتُه بحروفه ، وأمَّا الحديثُ الإلهيُّ فلا يُتعبَّدُ بتلاوته ؛ بل ولا تُجزئ الصَّلاةُ به ، وتجوزُ روايتُه بالمعنى ( لمَن يَعرف المعاني ) .
💡 والفَرق بين الحديث الإلهيِّ والحديث النَّبويِّ أنَّ الأوَّلَ وَحيٌ من اللَّهِ لفظًا ومعنًى ، وأمَّا الثَّاني فهو وحيٌ بمعناه دونَ لفظِه .
٢) فيه بيان صفةِ الوليِّ على الحقيقة فالوليُّ هو مَن نَصرَ اللَّهَ بإيمان صحيح ، وصدَّق إيمانَه بصلاح عمله .
🔹 وقد وصفَ اللَّهُ تعالى أوليائَه فقال في كتابه : { ألا إنَّ أولياءَ اللَّهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُم يَحزنون * الَّذين آمنوا وكانوا يَتَّقون }
🔸 قال ابن زيد رحمه اللَّه: أَبَى أن يتقبَّلَ الإيمانَ إلَّا بالتَّقوى .
[ تفسير الطبري (١٥/١٢٣) ]
وليس ثمَّةَ تقوى إلَّا بفعل المأمورِ ٬ وتَرك المحذور .
🔸 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : فكلُّ مَن كان مُؤمنًا تقيًّا ؛ كان للَّهِ وليًّا .
[ الفتاوى (٢/٢٢٤) ]
🔸 وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : المرادُ بوليِّ اللَّهِ : العالمُ باللَّهِ ، المواظبُ على طاعتِه ، المخلِصُ في عبادتِه .
[ الفتح (١١/٣٤٢) ]
فمَنِ ادَّعى ولايةَ اللَّهِ وليس مُؤمنًا تقيًّا = فهو كاذبٌ ؛ بل هو وليٌّ للشَّيطان ٬ { ومَن يتَّخذِ الشَّيطانَ وليُّا مِن دون اللَّهِ فقد خسر خُسرانًا مُبينا } .
🔸 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : فمَن لم يكنْ له مُصدِّقًا فيما أخبرَ ، مُلتزمًا طاعتَه فيما أوجبَ وأمر به ٬ في الأمور الباطنة الَّتي في القلوب ، والأعمال الظاهرة التي على الأبدان = لم يكن مُؤمنًا ٬ فضلًا عن أن يكونَ وليًّا للَّه .
[ الفتاوى (١٠/٤٣١) ]
٣) فيه فضيلةُ أولياء اللَّهِ تعالى ، وأنَّ اللَّهَ يُحبُّهم ويُدافعُ عنهم ويَنصرُهم …
🔹 قال تعالى : { إنَّ اللَّهَ يُدافعُ عنِ الَّذين آمنوا }
🔸 قال العلَّامة ابن سِعدي رحمه اللَّه : كلُّ مُؤمنٍ له مِن هذه المدافعةِ والفضيلة بحسَبِ إيمانِه ؛ فمُستقلٌّ ومُستكثر .
[ تفسير السعدي (٥٣٩) ]
🔸 وقال أبو الفضل بن عطاء رحمه اللَّه : في هذا الحديث عِظَمُ قَدْر الوليِّ ٬ لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربِّه ، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار اللَّهِ له .
[ فتح الباري (١١/٣٤٦) ]
٤) فيه البِشارةُِ لأولياءِ اللَّهِ بخَيرَيِّ الدُّنيا والآخرة .
🔹 قال تعالى : { إنَّ الَّذين قالوا ربُّنا اللُّهُ ثمَّ استقاموا تتنزَّلُ عليهمُ الملائكةُ ألَّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنَّةِ الَّتي كنتم تُوعدون * نحنُ أولياؤُكم في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة }
🔹 وقال جلَّ وعلا : { الَّذين آمنوا ولم يَلْبِسوا إيمانَهم بظُلمٍ أولئك لهم الأمنُ وهم مُهتدون }
فاللَّهُ جلَّ وعلا يتولَّى الصَّالحين ٬ فلا يَسمعونَ ولا يُبصرون ولا يَبطِشون ولا يَمشون إلَّا على مُقتضى ما يُحبُّ اللَّهُ ويرضى به عنهم ٬ وليس بعد هذه الكرامةِ كرامة .
🔹 قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : إنَّما غايةُ الكرامة لُزومُ الاستقامة ٬ فلم يُكرِم اللَّهُ عبدًا بمثل أن يُعينه على ما يُحبُّه ويرضاه ، ويزيدُه ممَّا يُقرِّبُه إليه ، ويرفع به درجتَه .
[ الفتاوى (١/٢٩٨) ]
🔸 وقال العلَّامة ابن عثيمين رحمه اللَّه : يحصل له المطلوب في قوله : “ولئن سألني لأعطينَّه” ، ويزول المرهوب في قوله : “ولئن استعاذني لأعيذنَّه” .
[ شرح الأربعين (٣٨١) ]
٥) فيه التَّرهيب من أذيَّة أولياء اللَّهِ ؛ وأنَّ العقوبةَ هي الحربُ مع اللَّهِ .. ويا ضَيعةَ مَن بارز اللَّهَ وحاربَه .
🔸 قال العلَّامة الفاكهانيُّ رحمه اللَّه : في هذا تهديدٌ شديدٌ ؛ لأنَّ مَن حاربُه اللَّهُ أهلكَه .
[ فتح الباري (١١/٣٤٢) ]
٦) فيه إشارةٌ إلى ما تقوله العربُ في أمثالها : وقد أعذَرَ مَن أنذَر .
🔸 قال ابن هبيرة رحمه اللَّه : ويُستفاد من هذا الحديث تقديم الإعذار على الإنذار .
[ فتح الباري (١١/٣٤٢) ]
٧) فيه فضيلةُ أن يكون الإنسان عبدًا للَّه ؛ فقوله : “وما تقرَّب إليَّ عبدي” ، “وما يزالُ عبدي” ٬ هذه الإضافةُ إلى اللَّهِ جلَّ وعلا هي إضافة تشريف للعبد .
🔸 قال الشَّاعر :
وممَّا زادني شرفًا وتيها
وكدتُ بأخمصي أطَأُ الثُريّا
دُخولي تحتَ قولك : يا عبادي
وأنْ صيَّرتَ أحمدَ لي نبيّا
🔹 وقد وصف اللَّهُ رسولَه ﷺ بالعبوديَّة في أشرف المقامات فقال تعالى : { سُبحان الَّذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى }
🔸 قال العلَّامة ابن سعدي رحمه اللَّه : وذَكَره هنا -وفي مقام الإنزال للقرآن ، ومقام التَّحدي- بصفة العبوديَّة ؛ لأنَّه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبوديَّة ربِّه .
[ تفسير السعدي (٤٥٣) ]
٨) فيه أنَّ أجر الفريضة أعظمُ من النَّافلة ٬ فكلاهُما ممَّا يُقرِّبُ العبدَ إلى اللَّه ؛ إلَّا أنَّ الفريضةَ أحبُّ إلى اللَّهِ من النَّافلة .
🔸 قال ابن هبيرة رحمه اللَّه : النَّافلةُ لا تُقدَّم على الفريضة ؛ لأنَّ النَّافلةَ إنَّما سُمِّيت نافلةّ لأنَّها تأتي زائدًة على الفريضة ؛ فما لم تُؤدَّ الفريضة لا تحصل النَّافلة ، ومَن أدَّى الفرضَ ، ثمَّ زاد عليه النَّفلَ ، وأدامَ ذلك = تحقَّقتْ منه إرادةُ التَّقرُّب .
ثمَّ قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه اللَّه : فتبيَّن أنَّ المرادَ من التَّقرُّب بالنَّوافل أن تقع ممَّن أدَّى الفرائضَ ، لا مَن أخلَّ بها ٬ كما قال بعض الأكابر : “مَن شغلَهُ الفرضُ عن النفل فهو معذور ، ومَن شغله النَّفلُ عن الفرض فهو مغرور” .
[ فتح الباري (١١/٣٤٣) ]
٩) فيه إثباتُ صفة الكُره ، وصفة المحبَّة للَّهِ سبحانه وتعالى ؛ فاللَّهُ يُحبُّ أولياءَه ، ويكرهُ ما يَسوؤُهم .
💡 وقاعدة أهل السُّنَّة والجماعة في هذا الباب : أنَّهم يُثبتونَ ما وصفَ اللَّهُ به نفسَه في الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة إثباتًا حقيقيًّا دون تمثيل ، وتنزيهًا عن مشابهة خَلْقه دون تعطيل لصفاته ٬ على وَِفق قوله تعالى : { ليس كمثلِه شيءٌ وهو السَّميع البصير }
فأثبتَ السَّمع والبصر لذاته العليَّة ، ونفى عنها مماثلة شيءٍ ممَّا خَلَق وبَرَأ .
قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : ففي قوله : { ليس كمثله شيء } ردٌّ للتَّشبيه والتَّمثيل ، وقوله : { وهو السَّميعُ البصير } ردٌّ للإلحاد والتَّعطيل .
[ التدمرية (٨) ]
١٠) فيه الإشارة إلى أنَّ أصلَ الولاءِ والبراءِ مبنيٌّ على الطَّاعة والمعصية ؛ فمَن كان وليًّا للَّه = فتجبُ محبتُهُ وموالاتُه ٬ وتكون هذه المحبَّة على قَدْر الولاية ، والعكسُ بالعكس .
١١) فيه أنَّ الاستقامةَ على دِين اللَّهِ من مَظانِّ إجابة الدُّعاء ، وهي في قوله عن الوليِّ : “ولئن سألني لأعطينَّه” .
١٢) فيه لطيفةٌ ، وهي كونُ العبد الَّذي وصلَ إلى أعلى مقاماتِ العبوديَّة بفعل الفرائضِ والنَّوافل ؛ فإنَّه لا غِنى له عن التَّضرُّع إلى اللَّهِ ٬ والالتجاءِ إليه ٬ ولذلك جاء في الحديث : “وإن سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه” ؛ فتأمَّل .
١٣) فيه الإشارةُ إلى كرامةٍ للوليِّ عند موته .
🔸 قال الكلاباذيُّ رحمه اللَّه : وقد يُحدِثُ اللَّهُ في قلب عبدِه من الرَّغبة فيما عنده ، والشَّوق إليه ، والمحبًَة للقائِه ، ما يَشتاقُ معه إلى الموت ؛ فضلًا عن إزالة الكراهة عنه ؛ فأخبر أنَّه يَكره الموتَ ويَسوءُه ، ويكرهُ اللَّهُ مساءَتَه ؛ فيُزيلُ عنه ه اهية الموت لما يُورده عليه من الأحوال ؛ فيأتيه الموتُ وهو له مُؤثِر ، وإليه مُشتاق .
[ فتح الباري (١١/٣٦٤) ]
وهذا مِصداق قول النَّبيِّ ﷺ : مَن أحبَّ لقاء اللَّهِ ؛ أحبَّ اللَّهُ لقاءَه ، ومَن كره لقاءَ للَّهِ ؛ كره اللَّهُ لقاءَه .
فقالت عائشةُ -أو بعض أزواجه- : إنَّا لنَكرهُ الموتَ ؟
قال : ليس ذاك ، ولكنَّ المؤمنَ إذا حضرَهُ الموتُ بُشِّرَ برضوان اللَّهِ وكرامتِه ٬ فليس شيءٌ أحبَّ إليه ممَّا أمامَه ؛ فأحبَّ لقاءَ اللَّهِ ، وأحبَّ اللَّهُ لقاءَه .
[ صحيح البخاري (٦٥٠٧) ]
١٤) فيه ردٌّ على غُلاة الصُّوفيَّة الَّذين يَرون أنَّ التَّكاليف الشَّرعيَّة تسقط عمَّن وصل إلى الدَّرجة الَّتي يُسمُّونها بـ : “اليقين” ٬ وذكروا عن بعض أوليائهم أنَّه كان لا يُصلِّي ولا يصوم ٬ وآخرُ كان لا يستحمُّ إلَّا مرَّة في العام !
فلو كانتِ التَّكاليفُ الشَّرعيَّة تسقطُ عن أحدٍ من عباد اللَّه ٬ لكان النَّبيُّ ﷺ أولى مِن كلِّ أحدٍ بهذا ؛ فقد كان أعبدَ النَّاسِ للَّه ، وأتقاهُم له ، وأخشاهُم منه ، وأعلمُهم به ٬ ومعَ ذلك كان ﷺ كما قالت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي اللَّه عنها أنَّه *: كان يقومُ من اللَّيل حتَّى تتفطَّر قدماهُ ، ويقول : أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكورًا ؟!”
[ متفق عليه (٤٨٣٧) (٢٨٢٠) ]
✊ إيقاظ : إن وجدتَ بعض غُلاة المتصوِّفة يستدلُّون بهذا الحديث على عقيدتهم بأنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى حلَّ في خَلْقه ، وصار الاتحادُ ٬ وفي الحديث أنَّ اللَّهَ يكونُ للوليِّ سمعُه الَّذي يسمعُ به ، وبصرُه الَّذي يُبصر به ، ويدُه الَّتي يَبطش بها ، ورِجلُه الَّتي يَمشي بها = فاعلم أنَّ هذه عقيدةٌ فاسدةٌ ، واستدلالٌ باطلٌ .
▪ أمَّا فسادُ هذه العقيدة فظاهرٌ ؛ بل هو أفسدُ من عقائد اليهود والنَّصارى ٬ فاليهودُ زعموا أنَّ اللَّهَ حلَّ في صورة عُزيرٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلام ٬ والنَّصارى زعموا أنَّ اللَّهَ حلَّ في صورة عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام ٬ فكلاهُما جعل إلهه في صورة رجلٍ صالحٍ ، وأمَّا غُلاةُ الصُّوفيَّة فقد زعموا أنَّ اللَّهَ حلَّ في جميع خَلْقه ٠
قال الشَّيخ الأكبر (بالفاء) مُمحي الدِّين ابن عربي :
الربُّ حقٌّ والعبدُ حقٌّ
يا ليتَ شِعري مَن المكلَّف ؟
إن قلتُ عبدٌ فذاكَ مَيْتٌ
أو قلتُ ربٌّ أنَّى يُكلَّف
[ فصوص الحكم (٩٥) ]
وفي إنكار موسى على هارون عليهما الصلاة والسلام عدم منعه بني إسرائيل عبادة العجل ذكر ابن عربي صواي فعل هارون ٬ واتهم موسى بضيق فهم وحدة الوجود فقال : كان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه ، فانَّ العارفَ مَن يرى الحقَّ في كلِّ شيءٍ ، بل يراهُ عينَ كلِّ شيءٍ .
[ فصوص الحكم (٢٩٥) ]
{ تعالى اللَّهُ عمَّا يُشركون }
▪ وأمَّا فساد استدلالُهم بالحديث ؛ فقد قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب” فأثبتَ ثلاثةً : وليًّا له ، وعدوًّا يُعادي وليَّه ، وميَّزَ بين نفسِه وبين وليِّه .
ثمَّ قال تعالى : “وما تقرَّب إلي عَبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه” ففرَّق بين العبد المتقرِّبِ ، والربِّ المتقرَّبِ إليه .
ثمَّ قال : “فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الَّذي يسمع به ، وبصرَه الَّذي يُبصر به ، ويدَه الَّتي يبطش بها ، ورجلَه الَّتي يمشي بها” وعند أهل الحلول والاتحاد أو الوحدة ٬ هو صدرُه وبطنُه وظهرُه ورأسُه وشعرُه ، وهو كلُّ شيء ، أو في كلِّ شيء ، قبل التَّقرُّب وبعدَه .
ثمَّ قال : “ولئن سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأعيذنَّه” فجعلَ العبدَ سائلًا مُستعيذًا ، والربَّ مَسئولًا مُستعاذًا به ، وهذا يُناقض الاتحاد .
[ الجواب الصحيح (٣/٣٣٥-٣٣٦) باختصار ]
فليس ثمَّة فَهمٌ للحديث أصحُّ ممَّا ذَكَره الخطابيُّ رحمه اللَّه بقوله : والمعنى توفيقُ اللَّهِ لعبدِه في الأعمال الَّتي يُباشرها بهذه الأعضاء ، وتيسير المحبَّة له فيها بأن يحفظَ جوارحَه عليه ٬ ويعصمَه عن مواقعة ما يكرَهُ اللَّهُ من الإصغاء إلى اللَّهو بسمعه ، ومن النَّظر إلى ما نَهى اللَّهُ عنه ببصره ، ومن البَطش فيما لا يَحلُّ له بيده ، ومن السَّعي إلى الباطل برِجله .
[ فتح الباري (١١/٣٤٤) ]
واللَّهُ أعلم ، والحمدُ للَّه ربِّ العالَمين
أخوكم فراس الرفاعي
١٦ شوال ١٤٣٦ هـ