الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ، صاحب الغرة والتحجيل ، المؤيد بجبريل ، المذكور في التوراة والإنجيل، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي ، وعلى آله وصحبه ما تنفس حي ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان .
اما بعد أحباب محمد صلى الله عليه وسلم اتقوا الله فعلامة محبته سبحانه طاعة رسوله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
عباد الله لقد منّ الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
وهو دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، قال سبحانه {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
عباد الله :إن المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، وذلك بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد اللَّه إلا بما شرع ، ومن كان كذلك فليبشر بمحبة الله جل وعلا ومغفرة الذنوب .
معشر المسلمين إن أمة الإسلام مضت قرونها الثلاثة الأولى لم تعرف بدعة ما يسمى باحتفال المولد ، وهي القرون التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه .
ولم يقل بمشروعيته أحد من أئمة المذاهب الأربعة ، بل إن أول من أحدثه العبيديون وهم المسمون بالفاطميين – كذباً وزوراً – في القرن الرابع الهجري، والذي أحسن أحوالهم أنهم رافضة مكفرون للصحابة ومتهمون أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- بالزنا.
وذلكم عباد الله أنه لما لم يرتض المسلمون في مصر والشام سيرتهم في الحكم، وطريقتهم في إدارة شؤون الناس ؛ خاف بنو عبيد من ثورة الناس عليهم، فحاولوا استمالة قلوبهم ، وكسب عواطفهم بإحداث الاحتفالات البدعية، فاخترع حاكمهم آنذاك المعز لدين الله العبيدي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم وموالد لفاطمة وعلي والحسن والحسين .
ومع تأخر ابتداعه فقد كان ظهوره تشبها بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام ،
ومع هذا وذاك قرروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أو روحه الشريفة تحضر هذه الاحتفالات ، فكأن الذي يتحكم في خروج النبي صلى الله عليه وسلم من قبره، أو إهباط روحه الشريفة من أعلى عليين إلى الدنيا هم الذين يقيمون الاحتفالات بيوم مولده.
زد عليه ما يصحب هذه البدعة من بدع أخرى بل وشركيات مثل الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من البدع كاعتقاد الحضرة .
واما احتجاج مجوزيه بكثرة من يفعله أو أن الآباء
والأجداد كانوا يفعلونه، فهذا ليس عذرا عند الله؛ اذ أن
كثيراً من الباطل إنما يروج بالكثرة ، والشريعة أمرت باتباع الكتاب والسنة وعدم الالتفات إلى غيرهما كما قال سبحانه { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ فإن المعصية يتاب منها،والبدعة لا يتاب منها
قال سعيد بن عنبسة: ما ابتدع رجل بدعة إلا غلّ صدره على المسلمين واختلجت منه الأمانة.
اللهم إنا نسألك حبك ، وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يسقينا من حوضه ، ، ونسأله سبحانه أن يشفع فينا نبينا محمداً إنه سميع الدعاء .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ. أَمّا بَعْدُ:
في مثل هذه الأيام من كل عام تعرض بعض الفضائيات المشاهد البدعية للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم . ومع خطورة ذلك وأثره على جهلة المسلمين المقلدين فإن كثيرًا من الدعاة إليها لم يكتفوا بذلك ؛ بل حاولوا الاستدلال لهذه البدعة النكراء ، واخترعوا مسوغاتٍ لفعلها ، وأضفوا عليها شيئاً من الشرعية التي تخدع المتلقي الجاهل ، وحجبوا الرأي الآخر في القضية، وهاجموا كل من ينكر هذه البدعة.
عليه يجب أن يكون الموقف من هذه البدع وأهلها موقف
الحزم نصحا وبعدا وتحذيرا ، قال ابن عون: كان محمد
بن سيرين – رحمه الله تعالى 🙁 يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى أن هذه الآية أُنزلت فيهم: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم﴾ قال ابن تيمية: ” والأمر بالسنّة والنّهي عن البدعة هو أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة
و أهلُ الأهواء متناقضون ،ومن تلك الأبواب التي يتناقضون فيها: باب الولاءِ والبراءِ، وإنكارِ المنكرِ، والمقالاتِ الفاسدة (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ومناط ذلك كلِّه معبودُهُم وطاغوتُهُم الأكبر وهو: الهوى! (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) فإن كانت مقالة الكفر لا تضرّ حزبَهم وما إليه يذهبون، جاءوا بخيلهم ورجلهم من كلّ حدبٍ وصوب، يتظاهرون بالديانة والأمانة، والغيرة على الدِّين، والانتصارِ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولثوابت الشريعة، وما ذاك منهم إلا مناكفة لنظام، أو مشاغبة على عالم، أو كسباً لرضى الجماهير!
وليس هذا القول من اقتحام أسوار النيّات، ولا من التجاوز على دفائن الصدور الخفيات، وإنما هو الواقع الذي يُكْشَفُ بكلِّ وضوحٍ عندما يتكلم أحدُ أئمة حزبهم بما هو أخبثُ وأخطرُ وأبشعُ وأشنعُ وأفظعُ ثم لا تثور في قلوبهم دماء الغيرة، ولا تنطلق أفواههم بعبارات الإنكار، فهذا إمام حزبهم حزب الإخوان كان ممن يحضر الإحتفال بالمولد ، بل ويهتف بالشرك الصراح
هذا النبي مع الأحباب قد حضرا وسامح الكل فيما قد مضى وجرا
ولا نكير منهم ، أما صاحبُ التوحيد والسنة؛ فعلى هدىً
وصراطٍ مستقيم، لا يُداري ولا يُماري، ولا يُداهن ولا يُجاري، يحكم بالعدل، ويقضي بالشرع .
ولعل بعضكم شاهد وسيشاهد في تلكم القنوات المتأسلمة شيئا من ذلك ، حتى ظهر فيها من يتقفر العلم ويحدث الناس بأن عورة الرجل أمام الرجل كعورة المرأة عند المرأة ، وأن ذراعي الرجل وصدره عورة ، عافاني الله واياكم من ذلك ، بل ويرمز فيها دعاة بكلام ساقط ماجن لا يجاهر به الا عاهر .
وفيهم يقول الحافظ أبو شامة: ” وأكثر ما أُتي الناس في البدع بهذا السبب؛ يُظَنُّ في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فيَرْمقون أقواله وأفعاله، فيَتَّبِعونه في ذلك، فتفسد أمورهم؛ ففي الحديث عن ثوبان – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إنّ مما أتخوَّف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين ) أخرجه ابن ماجه والترمذي قال مالك: بكى ربيعةُ يوماً بكاءً شديداً، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: ( لا! ولكن استُفتي مَن لا عِلم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم )
عباد الله:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه امهات المؤمنين والصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، وفرج عن اخواننا المستضعفين في سائر بلاد المسلمين ، وارفع الفتن والقتل عنهم ، وولي عليهم من يقيم شرعك
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْغَلاءَ وَالْمِحَنَ، وَالزَّلازِلَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ،وانصر به دينك واقهربه عدوك يا رب العالمين ، اللهم مجري السحاب هازم الأحزاب اجعل الدائرة لعبادك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين , اللهم انصر جنودنا عسكر الإسلام والسنة ، اللهم قوِّ عزائمهم , وصوِّب رميهم , وأمدهم بمدد من عندك , اللهم اشف مريضهم , واجبر كسيرهم, ويسِّر عسيرهم , ومنَّ عليهم بفتح مبين .
اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً، وعطاء مشفوعاً برضى، اللهم وزدنا بغيثك المدرار ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام
وقوموا الى صلاتكم .