بسم الله الرحمن الرحيم
[براءة السلفية من الإرهاب]
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
أما بعد:
فإنَّ الدين الإسلامي مرَّ بقرونٍ وقد أخبرَ النبيُّ ﷺ أنه كلما تأخَّر أُدخِلَ فيه ما ليس منه، لذا أخبر أنَّ هناك طائفة ستبقى على الحق متمسكة بالإسلام الصافي الذي أتى به النبي ﷺ، وأنَّ هناك طوائف كثيرين من المسلمين على خلاف الحق الذي أتى به النبي ﷺ.
روى البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أنَّ النبيًّ ﷺ قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «… وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة».
وروى الخمسة إلا النسائي عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «… فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وهذا الإسلام الصافي هو الذي كان عليه النبي ﷺ وصحابته، وهو السلفية؛ لأنَّ السلفية تعني البقاء على الإسلام الذي كان عليه السلف الماضون من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، كما قال سبحانه: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].
وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
فإذَنْ التمسك بالسلفية هو التمسك بالإسلام الصافي من البدع والشوائب، وهو الإسلام الذي كان عليه النبي ﷺ وصحابته الكرام، فليس تمسكًا بحزبٍ بدعيٍّ ولا حركيٍّ ولا سياسيٍّ، وإنما بالإسلام الحقيقي.
وهذا الإسلام الحقيقي له عدة أسماء تُعبِّر عن الفرقة التي نجت دون الفرقة التي هلكت، فيُطلق عليهم أهل السنة، وأهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، وأهل الأثر، والفرقة الناجية.
وليست العبرة بالتسمِّي بهذه الأسماء فحسب، بل العبرة أن يُوافق القول العمل والخبر المَخبَر، وأن يُوافق الاسم المسمى، بأن يكون المنتسب للفرقة الناجية والسلفية متمسكًا بأصولها التي قررها أهل السنة في كتب الاعتقاد عبر أربعمائة وألف سنة.
أيها المسلمون، إذا تبيَّن أنَّ هذه هي السلفية، فيجب على كل مسلمٍ أن يتمسَّك ويعنز بها، ، وأن يعلم أنها الإسلام الحقيقي، فيذود دون حياضها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ” لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق. فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا “.
وسُئل سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: هل صحيح أن الحنابلة هم السلفيون فقط؟ وما حقيقة السلفية، هل هي قرينة التشدد والتزمت كما يروج البعض؟
فقال -رحمه الله تعالى-: “ليس هذا القول بصحيح. وإنما السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة، في باب التوحيد، وباب الأسماء والصفات، وفي جميع أمور الدين، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يوفق جميع المسلمين حكومات وشعوبا في كل مكان للتمسك بكتابه العزيز وسنة رسوله الأمين وتحكيمهما، والتحاكم إليهما، والحذر من كل ما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله ولي التوفيق“.
والسلفية باختصار هي الإسلام النقي الخالص من الشوائب والذي كان عليه النبي ﷺ وصحابته الكرام فالسلفية هي التوحيد، فلا يُعبد إلا الله، وهي الاتباع، فلا يُتعبَّد إلا بطريقة رسول الله ﷺ، وهي الإتلاف والاجتماع لأنها تدعو للسمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله، فهي ضد الثورات والاعتصامات التي لا تُخلف إلا الشر والفساد كما يُرى في العالم كله، والكلام على أصول السلفية يطول لكنه في كتب الاعتقاد مبثوثة، وفي الموروث عن العلماء الماضين عبر قرون مدونة.
إنَّ السلفية هي الدين الحق وهي اتباع الكتاب والسنة بفهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقد عاداها الخصوم من طوائف مختلفة، من رافضة وصوفية ومن ليبرالية وعلمانية ومن يتسمون بالتنويريين، ومن أحزابٍ سياسية منتسبة إلى الإسلام-زورًا- كتنظيم الإخوان الإرهابي وجماعة التبليغ الصوفية وأمثالها.
أسأل الله أن يُحيينا جميعًا على الدين الحق وعلى السلفية وأن يُميتنا على ذلك حتى نلقى الله راضيًا عنا.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا يزال أعداء الدين الحق وأعداء أهل السنة والسلفية مستمرين في أن يُلصقوا بالسلفية تهمًا لا صحة لها، من التكفير بغير حق والتبديع بغير حق، وتفريق الأمة، والتشدد والرجعية، إلى غير ذلك، وأنبه على تنبيهات:
التنبيه الأول: العصمة في الإسلام الحق الذي هو السلفية، أما أفراد المسلمين وأفراد السلفيين فليسوا معصومين، يُخطئون ويُصيبون، والحكم في تخطئتهم وتصويبهم للكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة، فلا يصح أن يُلصق بالإسلام ما ليس منه بحجة أنَّ هناك مسلمين أخطأوا، وكذلك لا يصح أن يُنسب للإسلام الصافي السلفية ما ليس منه بحجة أنَّ هناك سلفيين أخطأوا.
التنبيه الثاني: ليس معنى التمسك بالإسلام الحق السلفية التخلُّف وعدم التطور ولا التقدم ولا التحضُّر، بل الإسلام الحق والإسلام الصافي والسلفية تدعو إلى التقدم والتحضُّر والاستفادة من كل ما يمكن، بشرط الثبات على الأصول، وليس معنى التقدم والتحضر ترك الاعتقاد الذي عليه النبي ﷺ وصحابته الكرام، وليس معنى التقدم والتحضر ترك الفضيلة من الاختلاط والتبرج والسفور، وأمثال ذلك، بل نتقدم بكل ما يمكن ونتحضر بما هو نافع مع الثبات على الأصول وأسس الدين وما جاء من رب العالمين.
التنبيه الثالث: يحاول أعداء الدين من الكفار والمبتدعة أن يُلصقوا بالسلفية التطرف وأنها دعوة تفجير وتكفير بغير حق …وأمثال ذلك، مع أن أُسس السلفية على خلاف ذلك، فعلماء السلفية ودعاتها من أكثر الناس نداءً ودعوةً إلى الاجتماع على الحق وإلى السمع والطاعة للحكام في غير معصية الله، وإلى محاربة الثورات والاعتصامات والإفساد باسم الحرية أو غير ذلك، والواقع خير شاهد، وما موقف السلفيين من العلماء وطلاب العلم في مواجهة ما يسمى بالربيع العربي إلا خير شاهد.
لذا فإن محاولة الليبراليين والتنويريين وغيرهم في بعض القنوات الفضائية أو غيرها من إلصاق التهم بالسلفية محاولة فاشلة ومردودة عند كل ذي بصيرة ومعرفة وعند كل من أراد الحق ومعرفة الحقيقة.
التنبيه الرابع: إنَّ للسلفية أئمةً وأنصارًا ينفون عن دين الله تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، وهؤلاء الأئمة والأعلام يتوارثون جيلًا بعد جيل لأنهم الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي ﷺ، ومنهم الإمام أحمد في بغداد لما وقفَ تجاه فتنة الدعوة إلى خلق القرآن، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الشام الذي وقف ضد الزحف الأشعري الصوفي في تحريف الشريعة وإفساد الاعتقاد، ومنهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية الذي وقفَ تجاه الزحف الصوفي الغالي والشركي في الدعوة إلى عبادة غير الله والتعلق بالأشجار والأضرحة، وأمثال ذلك من الشركيات، ومنها التعصب المذهبي الفقهي، وفي زماننا هذا، قد نصرها وذاد عنها علماء، منهم العلامة عبد العزيز بن باز، والعلامة محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة محمد بن صالح العثيمين، والعلامة مقبل الوادعي، والعلامة تقي الدين الهلالي …رحمهم الله تعالى، والعلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى.
ومن أعظم من نصر الدعوة السلفية ولاةُ دولة التوحيد السعودية في أطوارها الثلاثة حتى إن من كلمات الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسس الدولة السعودية الثالثة: “إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة ويقولون: إننا وهابية والحقيقة أننا سلفيون محافظون على ديننا “([1]).
ثم توارث أبناؤه الملوك على ذلك، في نصرة التوحيد والسنة والعقيدة، السلفية ونصروا علماء أهل السنة ولولا الله ثم هم ما كانت الدعوة السلفية بهذه القوة في بلاد التوحيد السعودية وفي غيرها من بلاد العالم الإسلامي، بل في العالم كله.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأرفع راية التوحيد والسنة وهدي سلف الأمة…
([1])خطاب الملك عبد العزيز الذي ألقاه في منى يوم عيد الأضحى 1365هـ.