بعض المشايخ والدعاة يقرِّرون مسائل أهل السنة، ولكن لا يردون على المخالفين، فلو سئل مثلاً عن سيد قطب لا يجيب، ويقول: اتركونا من هذا، فما حال هذا الرجل؟ هل يؤخذ عنه العلم؟
يقال: إن من لا يرُدُّ على المخالفين، وأيضًا لا يجيب على الأسئلة إذا سُئل، هذا له أحوال:
الحال الأولى: أن يُعرَف أنَّ الرَّجل سلفيٌّ ببطانته، وأصحابه، ومدخله، ومخرجه، وبأصوله، وبما يدعو إليه، لكنه لا يرُدُّ على المخالفين، فعدم ردِّه على المخالفين إما لمصلحةٍ دينِيَّةٍ رآها، وهذا يُسَمَّى بالمداراة، ومثل هذا جائز، وهو أن يُترك شيءٌ من الدين للمصلحةِ الرَّاجِحَةِ.
وإمَّا لمَصلِحَة دنيويَّة فهذا آثم، لا يجوز تركُ دين الله لمصالح الدنيا، قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾ [النحل:107].
أسأل الله أن يُعيذَنا وإياكم من فِتَن الدنيا، ومن الفِتَن كلِّها ما ظهر منها وما بطن.
الحال الثانية: أن هذا الرجل الذي لا يرُدُّ على المخالفين، ولا يجيب إذا سئل، لا يُعرَف بأنه سلفي، بل يُعرَف بأنه من المخالفين مِن أهل البدع، سواء كان من الحَرَكِيِّين أو غيرهم، وذلك بمعرفة بطانته ومن يجالس، ومن هم مدخله ومخرجه، إلى غير ذلك، فإن السلَّف جعلوا هذا علامةً على ضلال الرجل، قال ابن مسعود فيما ثبت عنه: ((المرء بخدنه))، وقال عبد الله بن المبارك، والأوزاعي: ((من ستر عنا بدعتَه لم تخْفَ علينا إلفته )).
والسلف كانوا يضلِّلون الرجل بمجالسة أهل البدع بأن يجعلهم بطانته، ومدخله، ومخرجه، وقد بسط هذا ابن بطة في كتابه “الإبانة الكبرى” بكلامٍ نفيسٍ، ونقل عليه إجماعَ السلف.
ومما نقل: ((لما قدم سفيان الثوري البصرة: جعل ينظر إلى أمر الربيع يعني ابن صبيح , وقدره عند الناس , سأل: أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر قال: هو قدري.)).
لاحِظُوا! لما رأى أن جلساءه القدرية، جعله قدريًا مثلهم، وإن كان على اعتقادٍ مخالفٍ لاعتقادهم.
إذًا، إذا لم يُعرف من الرجل نصر السنة، وعرف من بطانته ما تقدمت الإشارة إليه في الحالة الثانية، فمثل هذا دليلٌ على ضلاله، ولا يؤخذ عنه العلم، إلا في حالة ضيِّقة، وهو أن لا يوجد هذا العلم إلا عنده، وهو رجل لا يدعو إلى بدعته، فإنه بهذين القيدين يجوز أخذ العلم عنه؛ لأن أهل السُّنَّة سيكونون محتاجين لما عنده من العلم، والدِّين قائمٌ على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسِدِ وتقْلِيلِها.