بُلوغُ الأَرَب في ترك الغَضَب
الحمدُ لله ربِّ العالَمين ٬ والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرف الأنبياء والمُرسَلين ٬ ومَن تبعهم مِنَ المُحسنين ٬ وتخلَّق بأخلاقهم إلى يوم الدِّين ٬ امَّا بعدُ ؛ فإنَّ الأخلاق الفاضلةَ مصانعُ الرِّجال ٬ وإنَّ دينَ المرء لا يتمُّ إلَّا بتَمامها ٬ ” وقد بُعثَ النَّبيُّ ﷺ ليتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ ” .
[ صحيح الأدب المفرد (٢٠٧) ]
وإنَّ من جُملة هذه الأخلاق : كَظْمُ الغيظِ ٬ وهو إسكاتُ النَّفْس ساعةَ الغَضبِ ٬ وإلجامُها بلِجام الحِلْم والأناة ؛ فإن أعقبَها عفوًا فإحسانًا ٬ صار من عبادِ الله المتَّقين ٬ وأهلِ الجِنان المُسعَدين .
🔹 قالَ اللهُ تعالى : { وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ أُعدَّتْ للمتَّقين * الَّذين يُنفقون في السَّراءِ والضَّراءِ والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النَّاس واللهُ يُحبُّ المُحسنين }
🔸 قال المُبرِّد رحمه الله : لا شكَّ أنَّ أقوى القُوى تأثيرًا على النَّفس القوَّة الغَاضِبةُ ، فتَشتهي إظهارَ آثارِ الغَضَبِ ، فإذا استطاعَ إمْسَاكَ مَظاهرِها ، معَ الامتلاءِ منها ، دَلَّ ذلك على عزيمةٍ راسخةٍ في النَّفس ، وقَهرِ الإرادةِ للشَّهوة ، وهذا من أكبر قُوى الأخلاقِ الفاضلة .
[ التحرير والتنوير (٤/٩١) ]
🔸 وقال الطِّيْبيُّ رحمه الله : وإنَّما حُمِدَ الكَظْمُ ؛ لأنَّه قَهْرٌ للنَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوء .
🔸 وقال رحمه الله : ومَن نَهى النَّفسَ عن هواها ، فإنَّ الجنَّةَ مأواها ، والحُورَ العِينَ جزاءها .
🔸 وقال علي القاري رحمه الله : وهذا الثَّناءُ الجميلُ ، والجزاءُ الجزيلُ ٬ إذا ترتَّب على مُجرَّد كَظْم الغَيْظ ، فكيف إذا انضَمَّ العَفو إليه ، أو زادَ بالإحسان عليه ؟!
[ مرقاة المفاتيح (٨/٣١٨١) ]
🔹 قال رسول الله ﷺ : ما مِنْ جَرْعَةٍ أعظمُ أجرًا عند اللهِ ، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمها عبدٌ ابتغاءَ وجه الله .
[ صحيح سنن ابن ماجه (٣٣٩٦) ]
🔸 قال المناويُّ رحمه الله : شَبَّهَ جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء ، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد ، وأعظمها ثوابًا ، وأرفعها درجةً ؛ لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي .
[ فيض القدير (٥/٤٧٦) ]
🔹 وقال ﷺ : مَنْ كظم غيظًا ، وهو يستطيع أن يُنفذه ، دعاه اللهُ يومَ القيامة على رُءوس الخلائق ، حتَّى يُخيِّرُه في أيِّ الحور شاء .
[ صحيح سنن الترمذي (٢٠٢١) ]
🔸 قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه : مَنْ خاف اللهَ لَم يَشْفِ غَيْظه ، ومَنْ اتَّقى اللهَ لم يَصنع ما يُريد ، ولولا يومَ القيامة لكان غير ما ترون .
[ أحكام القرآن للجصاص (٢/٤٨) ]
🔸 وقال ابن عبد البر رحمه الله : مَن كَظَم غَيْظَه ٬ وردَّ غَضَبه ، أخزى شيطانه ، وسَلِمت مروءته ودينه ..
[ التمهيد (٧/٢٥٠) ]
🔸 وقال رحمه الله : “وكان يُقال : أوَّلُ الغضب جنون ، وآخره ندم ٬ ولا يقوم عزُّ الغضب ٬ بذُلِّ الاعتذار .
[ بهجة المجالس (٨١) ]
🔸 وقال عبد الرزاق رحمه الله : سَكَبتْ جاريةٌ لعليِّ بن الحُسين عليه ماءً ليتوضأ ؛ فسقط الأبريق من يدها على وجهه فشجه ؛ فرفع رأسه إليها .
فقالت الجارية : إنَّ اللهَ يقولُ : { والكاظمينَ الغيظَ } فقال : قد كظمتُ غيظي .
قالت : { والعافينَ عن النَّاس } فقالَ : عفا اللهُ عنك .
فقالت { والله يُحبُّ المحسنين } قال : : أنتِ حُرَّة لوجه الله تعالى .
[ البداية والنهاية (٩/١٢٥) ]
🔸 وإذا غَضِبتَ فكن وقورًا كاظمًا
للغيظ تُبصر ما تقول وتَسمعُ
🔸 فكفَى به شرفًا تصبُّر ساعةٍ
يَرضى بها عنك الإله وتُرفعُ
وقال آخر :
🔹 إذا كنتَ مُختصًّا لنفسك صاحبًا
فمِن قَبلِ أن تلقاهُ بالودّ أغضبْهُ
🔹 فإن كان في حالِ القطيعةِ مُنصفًا
وإلَّا فقد جرَّبتَه فتجنَّبْهُ
فراس الرفاعي
٥ رجب ١٤٤٤هـ