بل الاختلاط محرم و إليك الدليل
اطلعت على ما كتبه الكاتب محمد آل الشيخ في العدد (13233) وتاريخ 23-12- 1429هـ والذي ذكر فيه رأي الدكتور القرضاوي بأنه لا يوجد دليل على تحريم الاختلاط، وأنه أمر حدث في العصور المتأخرة، والذي هو في الحقيقة رأي الكاتب كما في العدد (12505) حيث قال: (بأن مسألة الاختلاط ليس لها أصل من التحريم مستقل) وحيث إن الكاتب تناول موضوع الاختلاط في أكثر
من مقال كتبه في هذا الموضوع وما كنت أن أرد على الكاتب بعد رد الشيخ صالح العصيمي حيث بين أن الاختلاط محرم وأنه ليس أمرا حادثا، لكن بعد رد الكاتب على الشيخ وقوله إن المسألة خلافية. أردت الرد وأرجو أن يفسح له المجال لينشر. فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: إن الإسلام جاء بحفظ الضروريات الخمس (الدين والعقل والنفس والمال والعرض) والتي تعد من القواعد الشرعية.
ثانياً: إن الإسلام هو الحاكم على الناس وليس الناس هم الذين يحكمون على الإسلام. وأن الحق لا يعرف بالرجال وإنما أعرف الحق تعرف أهله.
ثالثاً: إن ما في الكتاب والسنة من أحكام هي لجميع الأمة إلى يوم القيامة إلا ما ورد الدليل بتخصيصه.
رابعاً: إن الصحابة رضي الله عنهم هم أعلم وأفقه الأمة بالكتاب والسنة ومقصودهما وكذلك بلغة العرب.
خامساً: إن من أصول الدين وقواعد الكلية قاعدة: سد الذرائع.
سادساً: إن الشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ووسائل المقاصد الموصلة إليها لها حكمها.
سابعاً: يقول الكاتب بأن من يفتي بتحريم الاختلاط بأنهم متشددون، فهل نعتهم بالتشدد هو من احترام الرأي الذي يدعو له الكاتب أو هو عدم احترام للرأي الآخر؟
ثامناً: يفهم من جعل الكاتب الدكتور القرضاوي في مقابل من يتهمهم بالتشدد بأن الدكتور القرضاوي من المتساهلين في الفتوى، وفي هذا ذم للدكتور القرضاوي.
تاسعاً: ليت الكاتب وهو يدعي بأن المسألة خلافية أن يبين من قال بالمنع ومن قال بالجواز وأدلة القولين لكي نطلع على أدلة الفريقين ونعرف قوة دليل كل الفريقين. وأن يبين متى تكون المسألة خلافية؟ وهل يعتبر الخلاف مع وجود النص؟
عاشراً: يعلم الجميع أن الجهة المخولة بالفتوى في بلادنا حرسها الله هي (اللجنة الدائمة للإفتاء)، وكذلك سماحة المفتي، والذين يتم تعيينهم بأمر ملكي كريم من قبل ولي الأمر – حفظه الله – والذي رضي بهم وبعلمهم وبما يفتون به. فقد أفتى بحرمة الاختلاط سماحة الوالد مفتي عام المملكة محمد بن إبراهيم وله رسالة في ذلك، وسماحة الوالد مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمهما الله – وسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ – حفظه الله -، وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء.
الحادي عشر: الأدلة على تحريم الاختلاط كثيرة منها:
1- قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(33) } سورة القصص، فهذا دليل على منع الاختلاط في الأمم السابقة وليس في العصور المتأخرة.
2- قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (53) سورة الأحزاب، وهذا خطاب لجميع نساء الأمة.
3- قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) رواه البخاري ومسلم. فوصفهن بأنهن فتنة فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون.
4- قال صلى الله عليه وسلم: (.. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم. فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتقاء النساء وهو يقتضي الوجوب. فكيف تحصل طاعة الله وطاعة رسوله وامتثال الأمر باتقاء فتنة النساء مع وجود الاختلاط والدعوة إليه؟.
5- إن النساء كن يحضرن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يختلطن بالرجال بل كن معزولات عن الرجال عن عبدالرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة. رواه البخاري. قال ابن حجر: قوله: (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم.
6- عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (أي تتوسطن) الطريق عليكن بحافات الطريق..) رواه أبوداود.
7- قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد وعدم اختلاط ذكوراً أو إناثاً أو ذكورا وإناثا مع أنهم أبناء عشر سنين فكيف بمن هم أكبر منهم. وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى.
8- قال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) رواه البخاري.
9- لقد فقه الصحابة رضي الله عنهم هذه الأدلة الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها فاجتنبوه ومنعوه. ومن ذلك ما روي أنه دخلت على أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها مولاة لها فقالت لها: (يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً فقالت لها عائشة: لا آجرك الله خيراً لا آجرك الله خيراً تدافعين الرجال؟! ألا كبرت ومررت)، وعائشة رضي الله عنها تعد من الفقيهات بل إن الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليها في الأمور التي تشكل عليهم.
10- وعن ابن جريج أنه قال أخبرني عطاء أن عائشة رضي الله عنها كانت تطوف بالبيت حجرة من الرجال لا تخالطهم.
11- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه) فهذه حال الصحابيات مع الفقيهة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم أجمعين الابتعاد عن الرجال وعدم الاختلاط بهم.
12- روى البخاري في التاريخ الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا المسجد من باب النساء) فإذا منع من دخول الرجال من باب النساء في مكان العبادة – وقد لا يكون هناك امرأة تختلط معه في الدخول والخروج – منعا للاختلاط فغيره من باب أولى.
13- قال الحافظ ابن حجر: روى الفكهاني من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة.
14- وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال مستنكراً اختلاط النساء بالرجال: ألا تستحون ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟ فإني بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج.
هذه بعض الأدلة الدالة على تحريم الاختلاط وهي كثيرة فقد أوصلها ابن القيم في (إعلام الموقعين) إلى ما يقرب من المائة دليل.
15- وإذا سلمنا جدلاً بأنه لا يوجد دليل على تحريم الاختلاط فإن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، فقد صدر أمر ملكي كريم بمنع الاختلاط رقم 11651 وتاريخ 16-5-1403هـ يتضمن (أن السماح للمرأة بالاختلاط أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرم شرعاً لما يفضي إليه من شر وفتنة وفوضى أخلاقية).
الثاني عشر: قال العلامة محمد العثيمين: (إن من طاعة ولاة الأمر التي أمر الله بها أن يتمشى المؤمن على أنظمة حكومته المرسومة إذا لم تخالف الشريعة فمتى تمشى على ذلك كان مطيعا لله ورسوله ومثابا على عمله ومن خالف ذلك كان عاصيا لله ورسوله وآثما بذلك).
وقال الشيخ صالح الفوزان: (تجب طاعة ولي الأمر في النظام الذي لا يخالف الشريعة ولا يجوز الاحتيال عليه ومخالفته) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }إلى أن قال: كما أن الخروج على الأنظمة قد يكون ناتجا عن بعض الأفكار السيئة المستوردة والدخيلة على دين الإسلام.
الثالث عشر: التحذير من الاختلاط ممن عاش ونشأ وتربى على الاختلاط حيث اعترفوا بمضار ومفاسد الاختلاط واكتووا بناره، تقول الصحيفة الأمريكية (هيليان ستانبري) (امنعوا الاختلاط فقد عانينا منه في أمريكا الكثير لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً مليئاً بكل صور الإباحية والخلاعة إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق) وتقول الكاتبة الإنجليزية (اللدي كوك): (إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وهاهنا البلاء العظيم على المرأة. إلى أن قالت: علموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد) وتقول الكاتبة الشهيرة (آتي رود): (إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجل سلامة لشرفها).
وكل ذلك يبين فضل ما جاءت به الشريعة وأن الواجب هو الالتزام بأحكامها في جميع الأمور وفي كل زمان ومكان والحذر من خلافها، فالسعيد من وعظ بغيره.
بل إن من عاش في الاختلاط بدؤوا الآن في منع الاختلاط لما ذاقوا العذاب بسببه فلماذا يريد البعض أن نترك أحكام ديننا ونذوق ما ذاقوا؟؟!
منار بنت عبدالعزيز التركي
عن الجزيرة