تسعة أخطاء في المساجد


 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى: 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: 1].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ، رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا».

وَلَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ كَانَ مِنْ أَوَّلِ أَعْمَالِهِ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ؛ لِمَا لِلْمَسْجِدِ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ.

وَلِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، فَهِيَ بُيُوتُ اللَّهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ».

وَلِمُلَازَمَتِهَا وَكَثْرَةِ الْخُطَا إِلَيْهَا ثَوَابٌ كَرِيمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».

وَيَأْبَى الشَّيْطَانُ إِلَّا أَنْ يُوقِعَ مُحِبِّي الْمَسَاجِدِ وَرُوَّادَهَا فِيمَا يَسْخَطُ الرَّحْمَنَ، فَعَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ شَدِيدَةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فَاطِرٍ: 6]. وَمِنْ أَسْبَابِ الْخِدْعَةِ بِمَكْرِ الشَّيْطَانِ: أَلَّا يَكُونَ الْمُسْلِمُ عَلَى بَيِّنَةٍ وَعِلْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَعْبُدُ اللَّهَ بِالْبُرْهَانِ وَإِنَّمَا بِالتَّقْلِيدِ وَمُتَابَعَةِ الْآخَرِينَ وَبِمَا شَاعَ وَانْتَشَرَ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: 14]. وَقَالَ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزُّمَرِ: 9].

اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا وَفَقِّهْنَا فِي الدِّينِ وَبِمَا يُرْضِيكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فَإِنَّ هُنَاكَ مُخَالَفَاتٍ وَأَخْطَاءً فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ:

الْخَطَأُ الْأَوَّلُ: بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».

بَلْ إِنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْقُبُورِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ “.

وَمَا أَكْثَرَ انْتِشَارَ هَذَا فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ، حَتَّى أَصْبَحَتِ الْقِبَابُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ عَلَامَةً عَلَى أَنَّ تَحْتَهَا قَبْرًا.

 

الْخَطَأُ الثَّانِي: إِدْخَالُ الْقُبُورِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَعَنَ اتِّخَاذَ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: “فَلَا يَجْتَمِعُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَسْجِدٌ وَقَبْرٌ“.

بَلْ مِثْلُ هَذَا الْقَبْرِ يُنْبَشُ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

الْخَطَأُ الثَّالِثُ: زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّ زَخْرَفَةَ المَسَاجِدِ خِلَافُ شَرِيعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﷺ، رَوَى الخُمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ».

وَعَلَّقَ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا: “ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَهُ أَوْ تُصَفِّرَهُ فَتَفْتِنَ النَّاسَ “.

وَعَلَّقَ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: “ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى “.

فَإِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ الْعَوَامُ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ صَارَ الْعَوَامُ يَتَسَابَقُونَ فِيمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ بِأَذْوَاقِهِمْ، وَيُنَافِسُونَ أَمْثَالَهُمْ بِالزَّخْرَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ.

الْخَطَأُ الرَّابِعُ: حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الرَّوَائِحِ الْكَثِيرَةِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: “أَيُّهَا النَّاسُ، تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلُ وَالثُّومُ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا“.

فَمَا أَكْثَرَ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمُ اعْتَادُوا طَهْيَ الطَّعَامِ بِالثُّومِ أَوِ الْأَكْلَ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَقَدِ اشْتَهَرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ أَنْ يُوضَعَ فِيهَا ثَوْمًا، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلِّي وَقَدْ شَرِبَ الدُّخَانَ فَيُؤْذِي الْمَلَائِكَةَ وَالْمُصَلِّينَ بِرَائِحَةِ الدُّخَانِ.

وَإِنَّ المَنْعَ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَشَرِبَ الدُّخَانَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ عُقُوبَةٌ لَهُمْ وَحِرْمَانٌ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ.

الْخَطَأُ الْخَامِسُ: عَدَمُ أَخْذِ الزِّينَةِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، بَلْ يَحْضُرُ فِي ثِيَابِ نَوْمِهِ وَالثِّيَابِ الْمُبْتَذَلَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: 31]. وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّينَ التَّزَيُّنُ لِلصَّلَاةِ وَالتَّطَيُّبُ.

الْخَطَأُ السَّادِسُ: إِنْشَادُ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ، رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُنْشِدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا».

فَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْشِدَ فِي الْمَسْجِدِ جَوَالًا ضَائِعًا أَوْ نُقُودًا مَفْقُودَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.

الْخَطَأُ السَّابِعُ: حَجْزُ الْأَمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ، إِنَّ كُلَّ مَكَانٍ فِي الْمَسْجِدِ مُشَاعٌ لِكُلِّ الْمُصَلِّينَ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْجُزَ مَكَانًا بِحُجَّةِ أَنَّ عَادَتَهُ التَّبْكِيرُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُجَجِ، رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، فَمَنْ كَانَ جَالِسًا ثُمَّ قَامَ لِحَاجَةٍ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ، وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَنْ رَأَى مَكَانًا مَحْجُوزًا بِسَجَّادٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْكَرٌ.

الْخَطَأُ الثَّامِنُ: تَخَطِّي رِقَابِ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ أَنْ يَتَجَاوَزَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنَ الْمُصَلِّينَ بِأَنْ يَفْرُقَ بَيْنَهُمَا، ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَتَخَطَّى الرِّقَابَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ».

فَتَخَطِّي الرِّقَابِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَرَاغٌ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَخَطَّى الرِّقَابَ لِلْجُلُوسِ فِي هَذَا الْفَرَاغِ، أَمَّا مُجَرَّدُ تَخَطِّي الرِّقَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ مَكَانًا يَجْلِسُ فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ، وَالْوَاجِبُ إِنْكَارُهُ.

الْخَطَأُ التَّاسِعُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا يُؤْذِي الْمُصَلِّينَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «… وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ».

وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّحَدُّثِ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَسَاهَلَ كَثِيرُونَ فِي ذَلِكَ تَسَاهُلًا كَبِيرًا، فَلَابُدَّ أَنْ يُنْكَرَ عَلَى النَّاسِ وَأَنْ يُعَلَّمُوا دِينَ اللَّهِ، بَلْ إِنَّ مُجَرَّدَ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلَيْنِ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عُمَرُ: ” لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ “.

فَإِذَا تَبَيَّنَ النَّهْيُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فرَفْعُ الصَّوْتِ بِالْحَدِيثِ، وبالْخُصُومَاتِ وَالِاخْتِلَافَاتِ وَالتَّشَاجُرَاتِ فِي الْمَسْجِدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، رَوَى أَبو دَاوُدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتَ الْأَسْوَاقِ».

هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْأَخْطَاءِ الشَّائِعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْوَاجِبُ اجْتِنَابُهَا وَالتَّنَاصُحُ فِي تَرْكِهَا، فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُسَابِقِينَ إِلَيْهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ نَعْبُدَكَ عَلَى مَا يُرْضِيكَ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُصْطَفَى، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْقُلُوبِ بِالْمَسَاجِدِ عِبَادَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ …».

قَالَ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النُّورِ: 36-37].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، عَلِّقُوا قُلُوبَكُمْ بِالْمَسَاجِدِ، وَعَمِّرُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَحَرِّصُوا أَبْنَاءَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتَعَاهَدُوا جِيرَانَكُمُ الْمُفَرِّطِينَ فِي الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، احْرِصُوا عَلَى نَظَافَةِ مَسْجِدِ حَيِّكُمْ وَتَطْيِيبِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ مَنْ غَارَ عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ طَاعَةً لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ سُبْحَانَهُ.

إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ مَلَائِكَةً يَكْرَهُونَ الرَّوَائِحَ الْخَبِيثَةَ وَيَتَأَذَّوْنَ مِنْهَا، وَفِي الْمُقَابِلِ يُحِبُّونَ الرَّوَائِحَ الزَّكِيَّةَ، فَطَيِّبُوا الْمَسَاجِدَ وَنَظِّفُوهَا خِدْمَةً لِعِبَادِ الرَّحْمَنِ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلِمَلَائِكَتِهِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْمَسَاجِدِ.

وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَخْطَاءِ تَنْتَشِرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِقِلَّةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّنَاصُحِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 104]. وَرَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

فَاجْتَهِدُوا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى التَّنَاصُحِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، حَتَّى يَنْتَشِرَ الْخَيْرُ وَيَعُمَّ، وَيَضْعُفَ الشَّرُّ وَيَضْمَحِلَّ.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ …

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

شارك المحتوى:
0