الحركيُّون الإسلاميون هم قوم يعملون للإسلام فيما يظهر، ويرون أن الفقه في الدين غير كاف للقيام بذلك، حتى ينتمي كلُّ فرد إلى تنظيم دعويِّ، يؤمرُ فيه ويُنهى، ويسمعُ ويُطيع، والغالبُ أن ذلك يصحبه بيعة وعهدٌ ولو كان في دولة عليها سلطانٌ مسلم، ولهذا نفهم سبب تسميتهم بالحركيِّين؛ إذ سوء ظنِّهم بالفقه في الدين جعلهم يتصورون أنه لا يحرك، أي لا يحرك نحو الانقضاض على عروش السلاطين، وأن الفقهاء أشبه بالدراويش ما لم تنتظمهم الحركة؛ لأنهم يصبحون – في زعمهم – أدوات في أيدي حكَّامهم وهم لا يدرون.
وأما الحركة فإنها تُبصِّرهم بتخطيطات الحكام وعيوب الأنظمة، وتفتح أعينهم على فقه هم في عماية عنه، ألا وهو “فقه الواقع”، هؤلاء هم الحركيون أينما اتَّجهت، فهم إذاً يتحركون باسم الإسلام لإسقاط عروش الأمراء والسلاطين الذين يرونهم غير عادلين، فهم في ظواهرهم للإسلام يتحركون، وفي بواطنهم على السلطة يتحرَّقون؛ بدليل أنَّهم لا يُراعُون حدود الله في حركتهم هذه، وإذا تعارضت عواطفهم مع الضوابط الشرعية قدموا عواطفهم، ألا ترى أنَّهم يرفضون رفضاً باتَّاً حُكم الله في تحريم الخروج على الوالي المسلم الجائر، ويُوهمون الناس أن ذلك إذلالٌ للشعوب !!، وقد تجد منهم من هو مستعدٌّ لقبول كل شيء من عقيدة السلف إلاّ هذه المسألة، فإن قلوبهم تغلُّ عليها، مع أن النبي قد أخبر أن المؤمن قد طهر قلبه من هذا النوع من الغلّ لولاة الأمر، فقال: ” ثلاث خصالِ لا يَغِلُّ عليهنَّ قلب مسلم أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ دعوتهم تُحيط بهم من ورائهم )). رواه الترمذي (2582) وغيره وهو صحيح، وأصله عند مسلم (1715).
قال ابن القيم في “مفتاح دار السعادة” (ص79): ” أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه مع هذه الخصال، فإنها تنفي الغل والغش ومفسدات القلب وسخائمة. فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيلة جملة، لأن قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش.
وقوله: (لزوم جماعتهم) هذا -أيضاً- مما يطهر القلب من الغل والغش؛ فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم. وهذا بخلاف من انحاز عنهم، واشتغل بالطعن عليهم، والعيب والذم لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم؛ فإن قلوبهم ممتلئة غلاًّ وعشّاً، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشًّهم للأئمة والأمة، وأشدّهم بعداً عن جماعة المسلمين “.
ومن عرف دعوة الحركيِّين عرف عشَّهم لهذه الثلاث:
فأما غشهم للتوحيد، فلأنَّهم من أبعد الناس عن الاعتناء به، حتى إنهم لينهون عنه إذا توهموا أنه سبب في تفريق الجماهير عنهم، بل إنك لتجدُ من رءوسهم من لا يفرِّق بين الشرك والتوحيد.
وأما غشُّهم لولاة الأمور فهم أنشط الناس في العمل للإنقضاض على سلطانهم، بل ما قامت حركتهم إلا لذلك.
وأما غشهم لجماعة المسلمين، فجميع الاضرابات التي تحصل لبلاد الإسلام هم وراءها، بل السِّمة الغالبة عليهم أنّهم لا يُجمِّعون الجماهير إلا “لتوعيتهم!” ضدَّ السلطان، ولا يكادون يتراجعون ولو رأوا الشعوب تتقلب ما بين سجن وقتل ونهب؛ لأن من أصولهم التي يغشون بها الشعوب أنه لا بأس بل لا بد من حرق جيل للتَّمكين لمن بعده !!
هذه المسألة تغل قلوبهم عليها، وكذا ما تفرَّع عنها من مسائل الفقه والأحكام العملية التي تخدم هذا الهدف الحركيَّ، كالبيعة والعمل السياسي والتحزب بشقيه الدعوي والبرلماني، والتمثيل والمسرح والأناشيد وغيرها …
وتزهقُ روح الحركي ولا يحرم هذه التي هي روح دعوته، لذا فإن مناقشته فيها تعدُّ من قبيل مناقشة عجائز المسلمين في أصول الدين.
والحركي سهل التميُّز بشاراته المعروفة، وذلك في أيِّ بلد وجد؛ فإنك تراه محترقاً في التكتيل، ولو على غير سبيل، شديد الاهتمام بواقع الحكومات، نَهماً في مطاردة أخبارها، مولعاً بتصديق أيِّ خبر في مثالبها، حريصاً على بثها، سريعاً في تزكية من يقوم بمواجهتها، غير عابئ بمسائل التوحيد إلا ما كان من قبيل توحيد “الحاكمية!!”، والسنة عنده قشور، والفقه في الدين علمٌ أكل عليه دهور !!
المرجع: كتاب: “خرافة حركي” للشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري صاحب كتاب مدارك النظر في السياسة بتقريض الألباني والعباد وثناء العثيمين والفوزان.