تـحريـم فاحشة الزنا
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور أحمده سبحانه و أشكره و أثني عليه الخير كله و و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معقب لحكمه و لا مبدل لكلماته و هو سريع الحساب و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ابتثعه الله تعالى بالهدى و الدين المرتضي فأقام شريعة الله في أرضه وأخرج الناس من الظلمات إلى النور و هداهم إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه و على آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه و تمسكوا بدينه و شعائره و راقبوه فإنه يعلم السر و أخفى و يجزي كل نفسً بما تسعى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) يا أيها المؤمنون بالله و لقائه و بمحمد صلى الله عليه و سلم و رسالته , لقد جاءت شريعة الإسلام بحماية المجتمع من كل فسادٍ و رذيلة و رغبت شريعة الإسلام و أمرت بكل صلاحٍ و فضيلة و رغبت شريعة الإسلام في العفاف و الطهر و الترفع عن كل نقيصة و التنزه عن كل فاحشه , فواجبٌ على كل مؤمنٍ أن يسعى دائماً في تقوية إيمانه بفعل ما استطاع مما أمر الله تعالى به و اجتناب ما نهى الله تعالى عنه و إن من أقبح ما نهى الله عنه صراحة في كتابه المبين و بأسلوب في غاية الشدة و الزجر و بعبارات تقشعر منها جلود الين يخشون ربهم و يخافون يوماً كان شره مستطيرا. من أقبح ما نهى الله عنه مقارفة الزنا و مقدماته معللاً ربنا جل و علا ذلك و مخبراً عنه بأنه عملٌ إجراميٌ فاحش متناهيٍ في القبح و الفحش فقال جل ذكره ( و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلا)فالزنا جريمة من أبشع الجرائم و فاحشة من أكبر الفواحش و موبقة من أكبر الموبقات و هذه حقيقة واضحة ينقاد لها المؤمن و يسلم لها من تأمل في هذا الدين الحنيف ففي هذه الآية الكريمة نهى الله عن قربان الزنا , ويشمل هذا النهي فعل الفاحشة الشنعاء حقيقةً و يشمل مقدماته التي هي و سائله و طرقه المؤدية إليه منة أجل ذلك حرم الله الزنا تحيرماً قاطعاً و حرم أسبابه و دواعيه ,لأنه فاحشةٌ كبرى و جريمةٌ نكرى تفقد الشهامة و تذهب المروءة ومفسدٌ للدين و الدنيا فيه هدمٌ للأخلاق وفسادٌ للمجتمعات و قتلٌ للمعنويات و محقٌ للخير و البركات و مجلبةٌ للمصائب , إنه معول خرابٍ و دمار و سببٌ للذل والخزي العار , إن شهوات النفس كثيرةً و متنوعة و إن من أعنفها و أبلغها تخريباً للمجتمع إذا سارت في غير طريقها الصحيح هي الغريزة الجنسية.
و لذلك فإن الله تعالى نهى عن اقتراب الزنا و علل ذلك بأمرين : أنه فاحشه و أنه أسوء طريقٍ لإشباع الغريزة ,فهذا تعليلٌ عام لا يقتصر على ظرفٍ زمني ولا يتحدد بحدود المعرفة الزمنية ,فإن العلم الحديث قد كشف و مازال يكشف عن آثار ها الانحراف الخطير الذي بات مرض المجتمعات الغربية و الحضارة المادية المعاصرة ,و أصيبت المدنية المسيطرة على العقول و الأبدان بانحراف خطير في المبادئ و التصورات و نادت بالحرية الشخصية و أن الإنسان حرٌ في بدنه حرٌ في غرائزه حرٌ في تصرفاته لا يتسلط عليه ما يقيد حريته فتجاوزت بذلك حدود الله و انتهكت حرمات الله ( ومن يتعد حدود الله فؤلئك هم الظالمون ) فنتج عن ذلك تفكك الرابطة الأسرية و تعريضها للضياع و التشتت و منها كذلك كثرة جرائم الاغتصاب و ما يزال عددها ينمو و يتكاثر و منها أن أصيبت تلك المجتمعات بأمراضٍ نفسيه و مشاكل اجتماعيه و عقوبات بدنيه فظهرت فيهم أمراضٌ بدنيه لا علاج لها و كلما ظن الأطباء أنهم استطاعوا التغلب على داءٍ إلا و برز داءٌ جديد أشد خطراً و أقل ضرراً .لقد أعلن أؤلئك القوم بالفواحش و جاهروا بها وخصصوا لذلك أماكن و فرضوا عليها الضرائب و جعلوا لها وقاياتٍ طبية و إشرافاً صحياً و قد نزل بهم عقاب الله بهذه الأمراض المستعصية , إنها عقوبة من الله تنتظر كل منحرفٍ عن السبيل و كل منتهكٍ لحدود الله و كل مخالفٍ لشريعة الله ( ومن يهن الله فماله من مكرم ) .
ومن تأمل نصوص الشريعة الغراء وجد أن الله تعالى حرم الزنا في محكم القرآن و صحيح السنه و إجماع أهل المله و جعل ذلك قرينة لأعظم كبيرتين الشرك بالله و قتل النفس فقال تعالى ( و الذين لا يدعون مع الله إلهاها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) و اقترن حال الزاني بحال المشرك بالله لقول الله تعالي (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زانيٍ أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين ) و قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم ( لاينكح إلا زانية أو مشركه و الزانية لا ينكحها إلا زانيٍ أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين )و قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )متفقٌ على صحته. وعقوبة الزاني عظيمةٌ و كبيرةٌ و مغلظة في دين الله ,روى الحافظ بإسنادٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال (إذا ظهر الزنا و الربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله).
و إذا كان للزنا هذه العاقبة الوخيمة فقد اهتم الإسلام بحماية المجتمع من شروره و آثامه , فأقام في طريق الزنا الحواجز الكثيرة التي تحمل المسلم من الانزلاق إلى وهدته و الوقوع في حمأته , فقد شنع الله جريمة الزنا حيث ثبت في النفوس استقباح الزنا و استنكاره حينما يتلو المسلم قول الله تعالى ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً و ساء سبيلا ) . وفي ميدان الاجتماع و السلوك ترى الإسلام يسد كل منافذ الشر و جميع مسالك الإثم فيأمر بغض الأبصار و حفظ الفروج عما حرم الله سواءً كان ذلك بالمشاهدة المباشرة أو عبر وسائل الإعلام و قنوات الفضاء أو الصور الفاتنة فقال تعالى وهو العليم الخبير قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) وقال آمراً المؤمنات ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن )وحرم الإسلام مصافحة الرجال للنساء الأجنبيات ومن قاعدة النظام الإجتماعي في الإسلام الفصل بين الرجال و النساء و التحذير من الاختلاط حيث حرم الخلوة بغير المحارم, ففي صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم ( لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ) وفي الحديث المتفق على صحته قال النبى صلى الله عليه و آله و سلم (إياكم و الدخول على النساء ) . وحرم الإسلام كذلك كل مظاهر الإثارة التي توقع في الزنا فنهى الله النساء عن إرتداء زينتهن لغير محارمهن في قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن….) الآية . و نهي النساء كلك عن لفت انتباه الرجال إلى زينتهن المخفيه فقال جل ذكره ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) . ونهى عن إلانة القول و التكسر في الكلام من النساء في قول الله تعالى( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)و نهى النساء عن المرور قريباً من الرجال إذا كن متعطرات كما صح الحديث بذلك عند الترمذي و أبي داوود حيث قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم ( كل عينٍ زانية و المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا و كذا يعني زانية ).
وشدد الإسلام في العقوبة على الزاني المتزوج فجعل عقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت و هي عقوبة لم تشرع لأي جرمٍ آخر , وجعل الجلد و التغريب للزاني غير المتزوج. هذا و حرص الإسلام على حماية المجتمع من التحدث في شأن الزنا و تبادل التهم فيه مما يجعله مألوفاً للأسماع أو يسهل الوقوع فيه فشرع الله حد القذف لمن يتهم إنساناً بالزنا, كل ذلك لتبقى جريمة الزنا مستهجنة عند كل مسلمٍ و مسلمه ينفر منها و يستقبح الحديث عنها مما يضمن له الحماية و الوقاية من الوقوع فيها .
فيا أيها المؤمنون بالله و اليوم الآخر وما هذا التحريم للزنا وما هذه العناية بقطع الطرق و الأسباب التي قد توقع فيه إلا رحمة بالبشر وحفاظاً على المجتمعات و صيانةً للأعراض و إبقاءً على الأفراد من مغبة الزنا و وخامته وشر عاقبته, ففيه من الأمراض الخلقية و الإجتماعيه و النفسية و الصحية و الأضرار المحققة ما يكفي أقلها لتحريمه و الإبتعاد عنه, إذ فيه ضياع الأنساب و اشتباهها و فيه غرس للأحقاد و التباغض و التنازع و سفك الدماء و فيه اختلال نظام الأسرة ولاسيما بين الزوجين اللين أراد الله منهما أن يتعاشرا بالحسنى و المعروف , فيه هتك الأعراض و تلويث الأسر كساد النساء فكم من مروءة و فضيلة وئدها الزنا و كم من عفاف و احتشام قضى عليها الزنا ولهذا كان من أضراره الخطيرة و شره المستطير جاءت الحكمة الإلهية بتحريمه من الله تعالى حيث قال في محكم كتابه (وحرم ذلك على المؤمنين ).
فاتقوا الله أيها المسلمون و ابتعدوا عن حمى الله فإن حماه محارمه واحذروا عقابه و سخطه ومن يتقي الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب اقول هذا القول واستغفر الله لي و لكم من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عالم السر و الخفيات المطلع على أحوال النفوس و القلوب و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة و أدى الأمانة و نصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلي الله عليه وعلى آلهو أصحابه وسلم تسليما ًكثيرا .
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى و اعلموا أن المجتمع المسلم الطاهر يمقت الزنا و يمقت مقدماته و ينكر بواعثه و دواعيه, النبي صلى الله عليه و آله و سلم يعد المتعففين بأجرٍ عظيم و كرامة كبرى يوم القيامة فيقول صلى الله عليه و آله وسلم في الحديث المتفق علي صحته ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلً دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ).
و الإسلام لا يحارب دواعي الفطرة ولا يلغي الوظائف التي ركبها الله تعالى في الإنسان ولا يكبت الغرائز النفسية ولا يستقذرها و لكنه يهذبها و ينظمها و يرتبها و يسير بها في مسلك الطهر و العفاف, لأجل ذلك شرع الإسلام للناس الزواج وجعله سبيلا نظيفاً و طريقاً نزيهاً كريما لإرواء غريزتهم و إشباعها بالحلال الذي أحله الله فإن لم تكتفي بواحدة فكما أخبر الله تعالى ( فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ) لأن الإسلام يقصد من وراء ذلك إقامة حياة أسرية كريمة محترمه تتحقق فيها الآمال و الطموحات و يكون فيها الذرية الصالحة و ينشأ منها جيلٌ صالح فيه أبوان حارسان أمينان . وهكذا يتميز الإسلام بآدابه و تعاليمه و يدعوا إلى الإلتزام بآدابه و أحكامه وهذا يجعل جريمة الزنا جريمة شاذةً في المجتمع منبوذة في أفراده لا يقع فيها إلا من ضل سعيه في الحياة الدنيا وساء خلقه وانطمست بصيرته . فاتقوا الله أيها المسلمون وتمسكوا بدينكم و الزموا آدابه و حدوده و قوموا بما أوجب الله عليكم و احفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وراقبوا ربكم واجتهدوا في تربي أبنائكم و بناتكم و نشئوهم على حب الفضيلة و نبذ الرذيلة واحفظوا عقولهم و أبدانهم من الضياع و الزيغ و الهلاك و الضلال و اتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون. هذا وصلوا وسلموا على خاتم النبيين و أمام المرسلين كما أمركم بذلك رب العالمين في كتابه المبين فقال عز من قائل عليما إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما و قال عليه الصلاة و السلام من صلى على صلاة الله له بها عشرا . اللهم صلي و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمد النبي الصادق الأمين و على أهل بيته الطيبين و خلفائه الراشدين أبي بكر و عمر و عثمان و علي و سائر الصحابة و التابعين وعنا معهم بعفوك و كرمك يا أرحم الراحمين , اللهم إنا نتوجه إليك و أنت في عليائك أن تعز الإسلام و تنصر المسلمين و أن تعلي بفضلك كلمة الحق و الدين, اللهم أعز الإسلام و المسلمين و أذل الشرك و المشركين و دمر أعدائك أعداء الدين واحمي حوزة الدين يارب العالمين , اللهم انصر الإسلام و أهله في كل مكان اللهم انصر الإسلام و أهله في العراق و في بلاد المعراج و في كل أرضٍ يارب العالمين الله عليك بأعداء الملة و الدين من اليهود و النصارى و الملحدين الهم سلط بعضهم على بعض اللهم اقذف في قلوبهم الرعب اللهم اقطع دابرهم و اضعف قوتهم و أوهن كيدهم يا قوي يا عزيز , اللهم انصر عبادك المؤمنين الموحدين في كل مكان اللهم ثبت أقدامهم و اربط على قلوبهم و أمنهم في ديارهم واجعلهم ظاهرين على عدوهم يا أرحم الراحمين , اللهم إنا نسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى , اللهم آمنا في أوطاننا و أصلح لنا أئمتنا و ولاة أمورنا و اجعل ولايتنا فيمن خافك و اتقاك واتبع رضاك يارب العالمين , اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب و ترضي وخذ بناصيته للبر و التقوى , اللهم وفقه وولى عهده إلى هداك واجعل عمله في رضاك و هيئ لهم بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير و تعينهم عليه,اللهم اجعلهم ممن قال الله فيهم ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتو الزكاة و أمروا بالمعروف و نهو عن المنكر و لله عاقبة الأمور ) اللهم أرنا الحق حقاً و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه , اللهم اجعلنا هداة مهتدين واقفين عند حدودك لا معتدين متبعين لسنة نبينا لا مبتدعين, اللهم و أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أوليائك و يذل فيه أعدائك و يأمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء , ربنا آتنا في الدنيا حسنة و الآخرة حسنة و قنا عاب النار