توْضيحٌ مُوجزٌ
لِحَقيقَةِ العِلمَانيّةِ وما تَفرَّعَ مِنها
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا توضيح موجز ومختصر لحقيقة العلمانية وبيان ما تحمله من الأفكار المنحرفة وما تحمله من خطور على المجتمعات الإسلامية.
هي فصل الدين عن الحكم، وبمعنى أوسع هي إقامة الحياة على غير الدين، وفصل الدين عن شُئُون الدولة إنما هو بعض صورها.
والعلمانية في قاموس “أكسفورد”: (مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني).
ومعنى العلمانية أن تبقى الدولة تتعامل بقوانين يختارها المجتمع، فلا تكون هناك أدنى علاقة لأي دين بها، فالأديان كلها – في نظرها – متساوية، وسكان المجتمع كلهم – في نظرها – مواطنون، لا فرق بين ذكر وأنثى ولا بين دين وآخر، وتسقط الحدود ويُلغى الجهاد، ويُقام الاقتصاد على الربا، وتُقام المجتمعات على الحرية الشخصية في كل شيء، فلا فساد أخلاقي قبيح عندهم إلا ما كان قسرا وإكراها، فإذا كان كذلك فهو الرذيلة، وأما ما كان باختيارٍ ورضًا فلا محذور فيه.
وخلاصة الكلام أن المقصود من العلمانية هو فصل الدين عن الحياة العامة، وإبقاء الدين في نفس الإنسان فقط، وفي دُورِ العبادة فقط.
ولاشك أن هدف العلمانية – في العالم الإسلامي – من هذه الدعوة هو إبعاد المسلمين عن دينهم؛ لأنه مصدر قوتهم وكرامتهم، ثم جعل الأمة الإسلامية تابعة للغرب سياسيا وثقافيا وأخلاقيا واقتصاديا.
والعلمانية بهذا المفهوم – مفهوم فصل الدين عن حياة الناس – تعتبر في ميزان الإسلام حكماً جاهلياً؛ وذلك لأن الإسلام دين شامل ونظام متكامل لجميع نواحي الحياة، جاء لما فيه سعادة الناس في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾[يوسف: 40] وقال تعالى: ﴿ وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾[الرعد: 41] وقال تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة: 50] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾[المائدة: 44] وقال: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْظّالِمُون ﴾[المائدة: 45] وقال: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ﴾[المائدة: 47] وقال: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾[النساء: 65] وقال: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوْكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ﴾[المائدة: 49] وقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾[الأحزاب: 36] وقال: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[النساء: 59].
وقال صلى الله عليه وسلم: “تركتُ فيكم ما لن تضِلُّوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله). رواه مسلم في “صحيحه”[برقم 3009 عن جابر بن عبدالله مرفوعاً في خطبة الوداع].
- أسباب ظهور العلمانية وظروف نشأتها في الغرب:
من المهم أن يعرف المسلم لماذا برزت مثل هذه الانحرافات الفكرية إلى سطح الواقع الأوروبي وغيره، فذلك يساعده على فهم أشياء كثيرة، منها أن الدعوة إلى العلمنة في المجتمعات الإسلامية ليس لها أي مبرر؛ لأن ظهورها في المجتمعات الغربية كان له أسباب خاصة غير موجودة اليوم في مجتمعاتنا.
فظهور العلمانية في الغرب كانت له أسباب وداوفع منها:
أولا غياب الدين الصحيح عن المجتمعات:
فالدين الصحيح كان غائبا في المجتمعات الأوروبية، ولم يعش النصارى وغيرهم إلا دينا منسوخا ومحرفا، ومع هذا فليس له حضور إلا في واقع الكنيسة فقط دون أن يكون له أثر الحياة العامة.
ثانيا طغيان رجال الكنيسة:
فقد عاشت أوروبا في القرون الوسطى فترة قاسية تحت طغيان رجال الكنيسة وهيمنتهم، استغل فيها رجال الكنيسة السلطة الدينية لتحقيق أهوائهم، وإرضاء شهواتهم، تحت قناع القداسة التي يُضفونها على أنفسهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فقال سُبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ﴾[التوبة: 34]. فأفسدوا الدين بالصد عن سبيل الله، وأفسدوا الدنيا بأكل الأموال. فكان ذلك من أعظم أسباب تمرد الشعوب الأوروبية على الكنيسة.
وباختصار فإن الفراغ الديني والنفسي في المجتمعات الغربية هو سبب لجوء الغربيين إلى هذه الانحرافات الفكرية، وهم أشبه ما يكونون بمن استغاث من الحر بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وإذا كان ذلك كذلك فمن الغلط العظيم أن تقاس المجتمعات الإسلامية – التي أكرمها الله بشريعة الإسلام – على غيره من المجتمعات التائهة لوجود الفارق الكبير.
وهذا على افتراض أن العلمانية فيها نوع من الحلول لمشاكل المجتمعات الأوروبية، فكيف وهي لا تملك أي حلول، لأنها تنقل المجتمعات من التدين الخاطئ إلى الإلحاد.
وإنما الحل فيما جاءه به الإسلام حيث ينقل المجتمعات من التدين بالدين المحرف المنسوخ، إلى التدين بالدين الصحيح المحفوظ الناسخ لغيره.
- بداية العلمانية في المجتمعات الإسلامية:
لقد كان بروز مجموعة من المفكرين من المبتعثين في الوطن العربي إلى الدول الغربية هو سبب بذور العلمانية في البلاد الإسلامية، حيث رجعوا من هناك يدعون إلى موافقة الحضارة الغربية ومواكبتها، ويَشُنُّون على الدولة العثمانية حربا ضروسا لا هوادة فيها وعلى رأس هؤلاء عبدالرحمن الكواكبي وأمثاله.
ثم بدأت بعض الدول العربية – شيئا فشيئا – بإدخال بعض المواد القليلة من القوانين الفرنسية في محاكمها مثل مصر وتونس والمغرب، وأما الجزائر فقد ألغت فرنسا الحكم بالشريعة مطلقا عام 1883م.
ولكن العلمانية انتقلت من النظرية إلى التطبيق – بصورة عامة في الوطن العربي – مع سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م على يد اليهودي المتستر مصطفى كمال أتاتورك.
كان مصطفى كمال أتاتورك من يهود الدونمة، أظهر الإسلام نفاقا فكان يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملّق للعلماء، وعندما تمكّن انقلب على العثمانيين، ثم قام بثورة كبيرة انتهت بفصل تركيا عن بقية أجزاء الدولة العثمانية.
ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافةَ الإسلامية، وأعلنها علمانية إلحادية صريحة، وأغلق كثيرا من المساجد، وحرم الأذان باللغة العربية، واضطهد العلماء بأبشع أنواع الاضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر، وأجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي، ولبس الزي الأوروبي، وألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع “أيا صوفيا”، وحوّله إلى متحف، وألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية، وقضى على التعليم الإسلامي، ومنع مدارس القرآن الكريم، واستبدل اللاتينية بالعربية، وحرم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث، وألغى استعمال التقويم الهجري، ووضع مكانه التاريخ الميلادي، وشجع الشباب والفتيات على الدعارة والفجور وأباح المنكرات، بل كان قدوة في انحطاط الخلق والفساد وإدمان الخمر.
ولما خرج الاحتلال الأجنبي من الدول العربية الإسلامية كان يحرص أن لا يسلم زمام الحكم إلا لمجموعة من المنسلخين من الدين، والذين لا يحبون أن تتجه البلاد إلى الاتجاه الإسلامي، فقامت هذه المجموعات بالحرب على الإسلام والتدين بجميع صوره.
وكان القوميون والماركسيون من هؤلاء العلمانيين، فقد سعوا إلى القضاء على ما تبقى في المجتمعات من الإسلام، فبعضهم قتل كثيرا من العلماء ونفى كثيرا منهم، وبعضهم فصل علماء الفتوى عن المجتمع، فأدى ذلك إلى تمرد كثير من أبناء المجتمع على الإسلام.[1]
- نتائج ظهور دعاة العلمانية في العالم العربي:
كان لتسرب العلمانية إلى المجتمعات العربية آثار سيئة منها:
أولا: تنحية الشريعة وإقصاؤها عن الحكم، والاستعاضة عنها بالقوانين الوضعية التي لم يجن منها الناس إلا الخراب والدمار والمآسي على جميع المستويات، وكل هذا بسبب تهميش الشريعة، لأن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي تشتمل على العدل والرحمة.
وقد تأثر كثير من الناس بمثل هذه الفكرة المنحرفة حتى صدرت منهم عبارات تدل على ذلك، كقولهم: (إنما الدين لتنظيم علاقة الإنسان بربه)، وقولهم: (الدين مسألة شخصية لا علاقة لها بالحكم) وقولهم: (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) وقولهم: (الدين مكانه في المسجد فهناك حيث يحترم ويوقر). ونحو هذه العبارات.
وثانيا: فصل العلماء والمراجع الدينية عن حياة الناس، وذلك بتهميشهم وتنحيتهم من وسائل الإعلام وغيرها من الأماكن الحساسة وإعطائهم أماكن لا تؤثر كثيرا مثل منابر الخطابة في المساجد ومع هذا فيبقون تحت الرقابة الصارمة.
وثالثا: فصل العلم الشرعي عن التعليم النظامي، وجعل مادة الدين مادة هامشية، لا تؤثر في تقديرات الطلاب، مع انتقاء بعض المواد من الفقه الإسلامي، يرونها أنها لا تخالف أفكارهم، مع زيادة بعض الأفكار في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ في مختلف مراحل التعليم.
ورابعا: تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية على أنها عصور همجية كانت دوافعها مطامع الشخصية، وأن قادتها بدْوٌ همج جاءوا من الصحاري.
خامسا: إذابة الفوارق بين المسلمين والكفار، وصهر الجميع في إطار واحد، وجعلهم جميعا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان.
سادسا: إلغاء التاريخ الهجري واستبداله بالتاريخ الميلادي.
سابعا: تهميش العلماء وتنحيتهم – وهم حملة الشريعة – عن قيادة الأمة فكريا، ونصب رموز حقيرة يناوئون الإسلام، تسلم لهم قيادة المجتمعات فكريا.
ثامنا: الدعوة إلى ما يسمى بتحرير المرأة، ويعنون بذلك تمرد المرأة على دينها وأخلاقها، ومزاحمتها للرجل في الميادين الخاصة بالرجال.
تاسعا: ترك المجتمع يعيش فوضى أخلاقية، ينهدم من وراءه بنيان الأسرة.
عاشرا: إلغاء القتال لأجل الدين واستبداله بالقتال من أجل الوطن والوطنية.
للعلمانية صورتان توجدان في مجتمعات المسلمين:
الصورة الأولى العلمانية الملحدة:
وهي التي تنكر الدين كلية: وتنكر وجود الله الخالق سبحانه، ولا تعترف بشيء من ذلك، وكشف هذه العلمانية أمر ميسور.
الصورة الثانية العلمانية غير الملحدة:
وهي علمانية لا تنكر وجود الله، بل ربما كانوا في الظاهر محسوبين من المسلمين، ولكنهم يصرحون أن الدين لكن لا علاقة له السياسة.
وكونهم مع المسلمين في الظاهر يجعلهم أكثر خفاء على عوام المسلمين.
- رموز العلمانية في هذا العصر:
ومن كبار العلمانيين في المجتمعات الإسلامية: عبدالرحمن الكواكبي – وهو منحدر من أصول إيرانية شيعية -، ورفاعة الطهطاوي، وخير الدين، وعلي عبدالرازق، ومحمد أحمد خلف الله، وإسماعيل مظهر، وطه حسين [2]، ولطفي السيد، وسلامة موسى، وعبدالله عبدالرزاق باذيب، وعبدالفتاح إسماعيل، وفرج فودة، ونصر أبو زيد، وتركي الحمد، وآخرون.
ومن النساء: صفية زغلول، وهدى شعراوي، ونوال سعداوي، وأخريات.
ومن الأحزاب العلمانية: حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي اليمني – والأحزاب الاشتراكية عموما – وحزب الوفد المصري، والأحزاب الناصرية – أتباع جمال عبدالناصر في الوطن العربي -، وغيرها.
- فشل العلمانية ودعاتها في البلاد الإسلامية:
لقد فشلت العلمانية وفشل دعاتها في البلاد الإسلامية والعربية، فشلت في الماضي وستفشل في المستقبل، وستبوء بالانقراض – إن شاء الله تعالى -؛لأن الله تعالى تكفّل بظهور دين الإسلام وبقائه إلى يوم القيامة وتجديده، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة: 32-33].
وقد اختلفوا في تبرير فشلهم، فتارة يعتذرون عن فشلها بأن المدة قصيرة وغيركافية، ومرة يعتذرون بعدم الجدِيّة في التطبيق، ومرة بأن الخطأ في التطبيق لا في النظرية، ومرة اعتذروا بأن الديمقراطية لم يكن لها ديمقراطيون متأهلون، وتارة بغير ذلك.
ويظهر فشلهم فيما يلي:
1 ـ أنهم ينظرون إلى الغالبية الساحقة من الشعوب الإسلامية على أنهم غارقون في التخلف والجهل والظلامية، وأنها بحاجة إلى قرون طويلة ليكونوا على مستوى التثقيف.
2 ـ أنه منذ تمكين دعاة العلمانية – في البلاد الإسلامية – كثرت الأزمات في كل مجال، ووصلت الدول الإسلامية – التي تمكن للعلمانيين – إلى مرحلة اختناق شديد لا تطيقه شعوبهم.
3 ـ بسط الأعداء على كثير من أراضينا دون أن يكون هناك أي استرداد لأي جزء من أراضينا.
وهم لا يحملون أي مشروع يسعى في رد الأمة لبعض ما في أيدي أعدائها من الأراضي المسلوبة، بل كانت مواقفهم سلبية أثناء قتال الأمة لأعدائها الذين اغتصبوا بعض أراضيها، بل كانت لهم هجمات على من يسعى لرد هذه الأراضي المغتصبة، فأثبتوا أنهم الوكلاء الوحيدون لأعداء هذه الأمة. [3]
4 ـ رحل من هذه البلاد كثير من الأطباء والمهندسون وعلماء الفيزياء والكيمياء إلى خارج بلادهم لأنهم لم يجدوا في بلادهم ما يسعف تطلعاتهم، وكل ذلك بعد أن تصدر هؤلاء في بلدانهم وطبقوا بعض مشاريعهم.
وهناك أشياء أخرى.
- دعم الغرب للأحزاب العلمانية:
إن الدول الغربية هي التي تقف وراء هذه الأحزاب العلمانية، وتمدها بالرأي والمال، لأنها المستفيد الوحيد من العلمانية، وهذا وحده يخفف على العلمانيين هذه الغربة الشديدة والشذوذ في الرأي، لأنهم يقفون وحدهم في المجتمعات الإسلامية تجاه الأغلبية الساحقة التي تطالب بالشريعة الإسلامية.
فالعلمانيون في الحقيقة مرتزقة ليس غير.
ومن أقبح تناقضات العلمانية ودعاتها، أن دعاتها إنما هم حفنة قليلة يعيشون بين الشعوب الإسلامية في بلاد المسلمين، ويعلمون أن الأغلبية الساحقة لهذه الشعوب متعطشة للحكم بشريعة الإسلام، ولكنهم مع هذا لا يخجلون من حربهم على هذه الشعوب، ويكيدون لها بمخططات خطيرة يسعون فيها إلى تغيير هوية هذه الشعوب المسكينة، ويهدفون من ورائها إلى الوصول إلى مقاصدهم ولو بعد عقود من السنين.
إن هؤلاء العلمانيين لم يكتفوا بالدعوة إلى فصل الدين عن السياسة – كما يقولون -، بل ينزعجون انزعاجا شديدا حتى من مظاهر التدين في مجتمعاتهم ولو كانت قليلة، ويشنون على هذا التدين حربا شعواء في منابرهم الإعلامية، وينددون بكل مظاهره، ويسمونه هؤلاء إرهابا وتطرفا وتخلفا، فهم لا يسمحون لتدخل الدين في السياسة، ولكن لا يرون بأسا من تدخلهم في الدين، فعرفنا بهذا أنهم حرب على التدين بجميع أشكاله وليس محصورا في فصل الدين عن الحكم.
ومن صور العلمانية الليبرالية، وهو مذهب ينادي بالحرية الشخصية الكاملة لأفراد المجتمع، وهي في الأصل تعني الحرية، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرا في جميع ميادين الحياة المختلفة، تلك الحرية التي لا تقيدها أحكام الدين ولا يرجع إليه، فهي وجه جديد في ميدان العلمانية.[4]
وهي كغيرها من المبادئ ليست وليدة يوم وليلة وإنما تشكلت عبر عقود طويلة.
والدولة المدنية تعني تنحية الدين جانبا، فيقوم المجتمع على أساس غير ديني، فتلغى كل مادة تنادي بأن الإسلام هو دين الدولة، ولا يحق لأحد أن يطالب فيها بالحكم بالشريعة، ويكون المواطنون فيها سواء بدون فرق بين دين وآخر، وهم كلهم مواطنون يستوون في الحقوق والواجبات طالما يحملون جنسية الدولة.
قال وحيد عبد المجيد – أحد أكبر دعاة الدولة المدنية في مصر – عن مفهوم الدولة المدنية:
(هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة، ويقصد به الدولة التي تستقل بشؤونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا تخضع لتدخلات الكنيسة). [5]
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
أبو عمار علي الحذيفي
شوال / 1434 هـ
ــــــــــــــــــــــ
[1] ومع هذا كله فلا أعلم اليوم – في حدود علمي – دولة عربية تتبنى منهج العلمانية صراحة، وتنطلق من مفهومها الغربي، بل أغلب هذه الدول تصرح بأن الإسلام دين الدولة، لكن قد يكون في هذه الدول دعاة للعلمانية لهم منابر إعلامية صحفية أو فضائيات أو غير ذلك.
[2]علماني الفكر والعقل، عاش حياته كلها يحاول إقناع المسلمين والعرب بأن لليهود فضلا على أدب العرب وتاريخهم وتراثهم.
قال في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”: (إن السبيل الى ذلك واحدة وهي أن نسير سير الأوربيين, ونسلك طريقهم؛ لنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها) أ.هـ
وقد زعم علي عبدالرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” بأن الإسلامدين وعبادة فقط، ولا علاقة له بالحكم والسياسة، وعليه فلا أساس لشيء اسمه الحكم الإسلامي حتى في عهد الرسالة؛ حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلغ للدين.
وقد قدم طه حسين لكتاب علي عبدالرازق المذكور فكان ظلمات بعضها فوق بعض.
[3]وقد ذكرنا شيئا من ذلك في “الماركسية” وبينا المواقف المخزية للماركسيين.
[4] انظر: “حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها” تأليف / صالح بن سليمان الخراشي.
[5] “موقع جريدة الغد