بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ على نِعَمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، الحمدُ للهِ ما رَزَقنا وأعطانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ.

وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

أمَّا بعدُ:

فإنَّ البيتَ والمَسْكَنَ نِعمةٌ عُظمَى، وعَطَايا كُبرَى، ففي البيتِ المأكَلُ والمَشرَبُ، والمنامُ والمَنْكَحُ، وفيهِ اجتماعُ الأُسرَةِ، وفيهِ الخصوصيَّةُ، وفيهِ الأُنْسُ، وفيهِ اتِّقاءُ الحَرِّ الشديدِ، والبردِ القارِسِ، إلى غيرِ ذلكَ مِن المنافِعِ، لِذا عَدَّ اللهُ في سورةِ النِّعَمِ: سورةِ النَّحْلِ، نِعمة المسكنِ والبيتِ، فقالَ سبحانهُ: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ [النحل: 80].

ولمَّا أرادَ اللهُ أنْ يُنزِلَ عقوبَتَهُ ببني قُرَيْضةِ؛ لأنَّهم نَقَضُوا العهدَ والميثاقَ، قالَ سبحانهُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ إلى قولِه: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ [الحشر: 2].

وإنَّ النِّعَمَ -كنِعمةِ المَسكنِ والبيتِ- تَثبُتُ بالشُّكْرِ، وتَفِرُّ بالمَعاصِي والكُفْرِ، كَمَا قالَ سبحانهُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

وإنَّ هناكَ مُنكراتٍ شاعَتْ في بيوتِ بعضِ المسلمينَ، أُنبِّهُ على ما تيَسَّرَ مِنها تذكيرًا للغافِلينَ، وتحذيرًا للمُهملينَ، فإنَّ المؤمنينَ ينتفِعونَ بالذِّكْرى، كما قالَ سبحانهُ: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].

المنكرُ الأولُ: وضعُ التَّماثيلِ في البيوتِ، إنَّ وضعَ تماثيلِ ذواتِ الأرواحِ، كالإنسانِ والحيوانِ في البيوتِ مِن كبائرِ الذنوبِ، روَى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي طلحةَ الأنصاريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ».

وثبتَ في صحيحِ مسلمٍ عَن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ لأبي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ: “: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ “.

فَوَضْعُ التَمَاثيلِ في البيوتِ، أو المَطاعِمِ، أو الفَنَادِقِ، أو غيرِ ذلكَ، مِن الكبائِرِ المُحرَّماتِ، فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ.

المنكرُ الثاني: استِعمالُ الذهبِ والفِضَّةِ، كاستِعمالِهما في الصُّنبورِ -وهو المُسمَّى بالبزبوز- أو في مَمْسَكِ البابِ، أو غيرِ ذلكَ، فإنَّه مُحرَّمٌ وكبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوبِ؛ لِما ثبتَ في الصحيحينِ عن حُذَيفةَ بنِ اليمانِ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ».

وثبتَ في الصحيحينِ عن أُمِّ سلمةَ -رضي الله عنها- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ».

فدلَّ هذا الحديثُ وغيرُه على أنَّ استعمالَ الذهبِ والفِضَّةِ فيما تقدَّمَ ذِكرُهُ مِن الكبائرِ التي يجبُ أنْ تُتَّقَى.

المنكرُ الثالثُ: وضعُ القنواتِ المُحرَّمةِ في البيوتِ، بأنْ تَبُثَّ ما حرَّمَ اللهُ مِن صورِ نساءٍ عارياتٍ، أو للرؤوسِ كاشفاتٍ، أو غيرِ ذلكَ مِمَّا حرَّمَ اللهُ.

ومَن يقِفُ أمامَ هذهِ الشَّاشاتِ فأقَلُّ أحوالِهِ أنهُ ينظرُ إلى ما حرَّمَ اللهُ، ومَنْ نَظَرَ إلى ما حرَّمَ اللهُ فإنَّ عينَهُ تزنِي، كمَا ثبتَ في البخاريِّ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ».

المنكرُ الرابعُ: اتِّخاذُ الكلابِ، إنَّ اتَّخاذَ الكلابِ مُحرَّمٌ إلَّا فيما استَثْنَتهُ الشريعةُ؛ لِما روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ زَرْعٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ صَيْدٍ، يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ».

وقَدْ جاءَ في أحاديثَ أُخرَى ذِكرُ القيراطِ، وأنَّ القيراطَ مِثلُ جَبَلِ أُحُدٍ مِن الحَسَناتِ، فاتَّقوا اللهَ، واعلمُوا خطورةَ اتِّخاذِ الكلابِ في البيوتِ، فإنَّ بعضَ الآباءِ يتساهَلُ في اتِّخاذِ أولادِهِ للكلابِ، وما يدرِي أنَّ هذا مُنقِصٌ لأجورِهِ، ومُذهِبٌ لكثيرٍ مِن حَسَناتِهِ، فكونُوا حَذِرِينَ وللهِ مُتَّقينَ، حتَّى تكونُوا مِن النَّاجينَ.

المنكرُ الخامِسُ: الغِناءُ المصحوبُ بالمعَازِفِ، فإنَّ بعضَ الناسِ يَبُثُّ في بيتِهِ الأغانيَ المصحوبَةِ بالمعَازِفِ، بَلْ إنَّ بعضَهُم لا ينامُ إلَّا على أغانٍ مصحوبةٍ بالمعازِفِ، وهذا مِن المُحرَّماتِ، وقَدْ دَلَّ على حُرمَتِهِ الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ.

قالَ تعالى: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [لقمان: 6] ثبتَ عِندَ ابنِ جريرٍ عَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: “ واللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هوَ إنهُ الغناءُ “، يُكرِّرُ ذلكَ ثلاثًا -رضي الله عنه وأرضاهُ-.

وروَى البخاريُّ عن أبي مالكٍ الأشعريِّ أو أبي عامرٍ الأشعريِّ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ»، فقولُهُ: «يَسْتَحِلُّونَ» يدُلُّ على حُرمتِهِ.

فاتَّقوا اللهَ واحذَرُوا سماعَ ما حرَّمَ اللهُ، فإنَّ الأُذُنَ تزنِي، وزِنَا الأُذُنِ سماعُ ما حرَّمَ اللهُ، فاتَّقوا اللهَ وَلَا تجعلوا بيوتَكُم أماكِنَ لِسماعِ الغناءِ المصحوبِ بالمعازِفِ.

المنكرُ السادسُ: اتِّخاذُ الخادِماتِ المتبرِّجاتِ السافِرَاتِ، إنَّ اتِّخاذَ الخادِمَةِ بشروطِها الشرعيَّةِ مِن النِّعَمِ العظيمةِ، قالَ اللهُ سبحانُه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: 20] قالَ جَمْعٌ مِن المفسرينَ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ أي: آتاكُم مَسْكَنًا وخادِمًا.

فتوفرُ الخادِمَةِ بشروطِها الشَّرعيَّةِ نِعمةٌ عظيمةٌ، وإنَّما المحرَّمُ -وهو مِن مُنكراتِ البيوتِ- أنْ تُجعَلَ الخادِمةُ مُتبرِّجَةً سافِرَةً، مُخرِجَةً لشعرِها، بَلْ لبعضِ نَحْرِها وسواعِدِ يديْهَا، إلى غيرِ ذلكَ، وهذا مِن المُحرَّمِ في الشريعةِ، فإنهُ لا يجوزُ النَّظرُ إلى شعرِ المرأةِ الأجنبيَّةِ بإجماعِ أهلِ العلمِ، فضلًا عمَّا زادَ عَن ذلكَ مِن نحرٍ أو ساعدٍ أو غيرِهِ، وهذهِ مِن المنكراتِ العظيمةِ، التي شاعَتْ في بيوتِ بعضِ المسلمينَ.

بَلْ إنَّ بعضَ النساءِ تتباهَى بالخادِماتِ الجميلاتِ عندَ صواحِبها، وهي مُفرِّطةٌ، وعن مُراقَبَةِ اللهِ غافِلَةٌ، وإلَّا فكيفَ ترضى بمثلِ ذلكَ وفيهِ معصيةٌ للهِ، بَلْ فيهِ أضرارٌ وأخطارٌ، قفَدْ يُبتلَى زوجُها أو أحدُ أولادِها بهذهِ الخادِمةِ.

وقَدْ تساهَلَ الناسُ فيما هو أشدُّ مِن ذلكَ، حتَّى صارَ بعضُ الرِّجالِ إذا أضافَ رِجالًا جعلَ الخادِمَةَ تقومُ على خِدمتهِم، وتُقرِّبُ طعامَهُم وغداءَهُم وعشاءَهُم، إلى غيرِ ذلكَ.

فاتَّقوا اللهَ -إخوةَ الإيمانِ-، إنَّهُ لا يجوزُ التَّساهُلُ في أمرِ الرجالِ والنساءِ، وإنَّ التساهُلَ في اختلاطِ الرجالِ والنساءِ مُصيبةٌ عظيمةٌ، وطامَّةٌ كُبرَى، وسببٌ لبلاءٍ عظيمٍ، وفسادٍ كبيرٍ.

ثبتَ في البخاريِّ ومسلمٍ عن أسامةَ بنِ زيدٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله تعالى- في كتابِهِ (الاستقامةُ): واختلاطُ الرجالِ الأجانِبِ بالنساءِ الأجانِبِ كالنارِ والحَطَبِ.

فَمَا بالُكُم باجتماعِ النارِ والحَطَبِ؟

المنكرُ السابعُ: اتِّخاذُ السائقِ على وجهٍ غيرِ شرعيٍّ، إنَّ اتَّخاذَ السائقِ واتَّخاذَ الخادِمِ نِعمةٌ مِن النِّعَمِ كما تقدَّمَ، إلَّا أنهُ قَدْ تساهَلَ كثيرونَ، فصارَتْ كثيرٌ مِن النساءِ لا تتستَّر مِن السائقِ ولَا الخادِمِ، بَلْ قَدْ يدخلُ الخادِمُ في قعرِ البيوتِ والنساءُ كاشِفاتٌ متبرِّجاتٌ لا يُبالينَ بسائقٍ ولا خادِمٍ!

وهذا ضررٌ عظيمٌ، ومُنكرٌ جسيمٌ، فيهِ معصيةٌ للهِ العظيمِ، فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ.

بَلْ يتساهَلُ بعضُ المسلمينَ في اختِلاطِ السائقِ الأجنبيِّ بالخادِمةِ الأجنبيَّةِ، وهذا شرٌّ عظيمٌ، فإنهُ مِن جملةِ الاختلاطِ المُحرَّمِ.

واعلَمْ يا رَبَّ المنزِلِ أنهُ إنْ وقعَتْ آثامٌ أو مُحرَّماتٌ فأنتَ المسؤولُ عَن ذلكَ، فاتَّقِ اللهَ وكُنْ حَذِرًا، فإنَّكَ بينَ يدَي اللهِ موقوفٌ، وعَن أعمالِكَ مسؤولٌ.

المنكرُ الثامِنُ: إقامةُ الأعيادِ المُحرَّمةِ في المنازِلِ والبيوتِ، كأنْ يُقامَ الاحتفالُ بعيدِ الميلادِ، أو عيدِ الزواجِ، أو غيرِ ذلكَ مِن الأعيادِ، وكلُّ هذهِ الأعيادُ مُحرَّمةٌ؛ لِما ثبتَ عندَ النسائيِّ وأبي داودَ مِن حديثِ أنسٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ».

فلَيس عِندَ المسلمينَ عيدٌ ولَوْ على وجهِ اللعبِ، إلَّا الأعيادُ التي أجازَتها الشريعةُ، أمَّا الاحتفالُ بعيدِ الميلادِ، أو عيدِ الحُبِّ، أو عيدِ الزواجِ، إلى غيرِ ذلكَ … فإنَّها مِن المُنكراتِ.

أيَّها المؤمنونَ، إنَّ ما نَعيشُهُ مِن نِعمةِ البيوتِ يجبُ أنْ تُقابَلَ بالشُّكْرِ حتَّى لا تُبدَّلَ هذهِ النِّعمةُ، فنُشرَّدَ مِن بيوتِنا ونُطرَدَ مِن مساكِنِنا بمعصيةِ ربِّنَا.

اللهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ مُهتَدِينَ، وفي بيوتِنا طائعينَ.

أقولُ ما قُلتُ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكُمْ فاستغفِروهُ، إنَّهُ هوَ الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ للذنوبِ شُؤمًا عظيمًا، فَكَمْ مِن صحيحٍ أمرَضَتْهُ، وَكَم مِن غنيٍّ أفقَرَتْهُ، وكَم مِن جَمعٍ فرَّقتهُ، وكَم مِن أُلفَةٍ ومَحَبَّةٍ بَدَّلَتْهُ بِعَدَاوَةٍ وبَغْضَاءَ، إلى غيرِ ذلكَ.

وَقَدْ دَلَّتْ الأدِلَّةُ الشَّرعيَّةُ والآياتُ القرآنيَّةُ على خطورَةِ الذنوبِ والمعاصي، قالَ تعالى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [نوح: 25] قوله: ﴿أُغْرِقُوا﴾ هذا شُؤْمٌ للذَّنبِ في الدُّنيا، وقولُه: ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ هذا شُؤمٌ للذَّنبِ في الآخِرَةِ.

وقالَ تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165] وقالَ سبحانهُ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41] وقالَ سبحانهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِ﴾ [الرعد: 11] وقالَ سبحانهُ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: 49] إلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ.

فاتَّقوا اللهَ واحذَرُوا خطَرَ الذنوبِ، فَكَم قَلَبَتْ نِعمةً إلى نقمَةٍ، أَمَا نَخْشَى أن يَسْلُبَ اللهُ نِعمةَ البيتِ ونِعمةَ المَسْكَنِ وأنْ نُشرَّدَ كَمَا شُرِّدَ غَيْرُنَا بأنْ نتوسَّدَ الأرضَ، وأنْ نَلْتَحِفَ السماءَ، وأنْ نتفرَّقَ في أُسَرِنَا بعدَ اجتماعِنا؟

اتَّقوا اللهَ واحذَرُوا هذهِ الذنوبَ، وثَبِّتوا النِّعَمَ بالشُّكرِ، وإنَّ مِن شُكرِ اللهِ في البيتِ أنْ يُعمَّرَ بطاعةِ اللهِ، قالَ اللهُ سبحانهُ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: 87] قالَ ابنُ عباسٍ وغيرُهُ: اجْعَلوهَا مكانًا للصلاةِ، مَكانًا للذِّكْرِ، مكانًا لعِبَادَةِ اللهِ، أنْ تُجعَلَ البيوتُ مكانًا لصلاةِ النافِلَةِ، والتطوُّعِ للهِ.

ثبتَ في الصحيحينِ عن زيدِ بنِ ثابتٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ».

وثبتَ في صحيحِ مسلمٍ عَن أبي موسى الأشعريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ».

فَعَمِّرُوا بيوتَكُم بذِكرِ اللهِ، عَمِّروا بيوتَكُم بطاعةِ اللهِ، جَنِّبوا بيوتَكُم معصيةَ اللهِ، طَهِّروا بيوتَكُم عمَّا يُسخِطُ اللهَ.

ثبتَ في البخاريِّ ومسلمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

أيُّها الأبُ، إنَّكَ مسؤولٌ عَن كُلِّ معصيةٍ سَهَّلْتَها في البيوتِ، وأَذِنْتَ بِها للأولادِ والأزواجِ، وعَلِمْتَهَا وَلَم تُنكِرْها مع استِطاعَتِكَ وقُدرَتِكَ، فاتَّقِ اللهَ، إنَّكَ غدًا مَيِّتٌ، إنَّكَ غدًا في القبرِ مدفونٌ، وفي الظُّلمَةِ وحدَكَ مقبورٌ، فكُنْ حَذِرًا يا عبدَ اللهِ.

قالَ اللهُ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185] وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].