هذا سائل له عدة أسأله يقول :
فضيلة الشيخ عبد المالك رمضاني – حفظكم الله تعالى – نريد منكم تفصيلاًً طيبًا لمسألة اشتراط القدرة لجهاد الدفع باليد ؟
جواب الشيخ -حفظه الله- :
لا ريب أن الفقهاء اشترطوا قدرة لذلك ، بمعنى أن جهاد الدفع أو جهاد الطلب يشترط لكلٍ منهما القدرة ، لأن الله تبارك وتعالى قد أعطانا القاعدة العظيمة في ذلك ، فقال سبحانه : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا) [البقرة : 286] ، وقال : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) [الطلاق : 7] ، وقال : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن : 16] ، فربنا عزَّ وجلَّ رحيم بنا ، لا يكلفنا مالا طاقة لنا به ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
نُهي عن مقابلة العدو ، ومواجهته أيام الاستضعاف ، وذلك قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ) [النساء : 77] ، فأمر الله عزَّ وجلَّ بكف الأيدي عن الجهاد ؛ أي عن الجهاد باليد ، ولا ريب أن هذه الآية نزلت أيام العدوان على المسلمين ، وطردهم من ديارهم ، وحرمانهم من حقوقهم ، فهو جهاد دفعٍ ، وليس جهاد طلب ، فلا بد من القدرة ، وربنا عزَّ وجلَّ حين قال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : 60] ، ما فصل بين جهاد طلب ، وجهاد الدفع ؛ لأن الإنسان إذا كان عاجزًا عن الدفع كيف يقال له ارم بنفسك ، أو القي بيديك إلى التهلكة ، وربنا يقول : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : 195] ، ما يمكن أن يحصل ذلك ، وقد استدل الإمام مالك – رحمه الله – بهذه الآية وغيره من الفقهاء على أن القدرة مشترطةٌ عند الجهاد ، والآن أسوغ عليكم آية ، وهي جزء من قصة في سورة البقرة ، وهي قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة : 246] ، قولهم : (وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) ، دليلٌ واضحٌ على أن قتالهم كان قتال دفع ، مع ذلك اشترطوا واشترط الله عليهم أن لا يقاتلوا إلا وراء إمام ، فلو كان لا يشترط ، بمعنى لو كان الإمام لا يدخل تحت القدرة واشترط ذلك ، لقالوا ومالنا ألا نقاتل ولسنا بحاجة إلى إمام ، نقاتل ندفع هكذا ، فهذا في الحقيقة آية وهي نص في هذا الباب ، كما ذكر القرطبي وغيره رحمة الله على جميع فقهاء المسلمين ، ذكروا عن هذه الآية هذا الباب .
والقدرة في حقيقة الأمر قد جاء تفصيلها في قوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) ، ذكر الله تعالى أمرين : القوة ، ورباط الخيل ؛ ثم ذكر التعليل قال: ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ، فلابد أن نقف ثلاث وقفات عند هذه الآية :
القوة فسهرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
، فلم يبقى لأحد أن يدخل تفسيره في ذلك ، كما جاء في صحيح مسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) الرمي بالرماح ، كان في حقيقة الأمر هي أقوى سلاح يقاتلون به يوم إِذْ .
والوقفة الثانية : ( وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ )، الله عزَّ وجلَّ ذكر رباط الخيل لأن المقاتلة على الخيل كان يوم إِذٍا أحسن شيء يقاتل عليه ، إذًا فذكر ربنا عزَّ وجلَّ
الأمرين : ذكر الرمي ، وذكر المقاتل عليه الوسيلة التي يقاتل عليها ، وفي كل منهما ذكر ربنا عزَّ وجلَّ أحسن شيء ، مما يدلكم على أن القدرة منوطةٌ بأحسن ما يمكن استحضاره في العصر ، بمعنى أحدث الأسلحة الموجودة في العصر ، يجب على المسلمين أن يتمكنوا منها ، لأن ربنا عزَّ وجلَّ اشترط هذا في هذه الآية ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ما كان بحاجة على أن يقول : ( القوة الرمي ) ، لأن الناس يعرفون أن في الرمي قوة ، لكنه قال : ( ألا إن القوة الرمي ) ، وهذا معروف عند أهل البلاغة ، أنه يحصرُ القوة في الرمي ، مع أن القوة موجودة في غير الرمي ، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أراد أن يقول إن أكبر قوة ، هي ما كان في الرمي ، للدلالة على إيجاب استحضار أحسن ما يكون في العصر من قوة لدى المسلمين ، هذا ينبغي أن يعرف ، وقد استفدت هذا من شيخي الله يرحمه حماد الأنصاري ، بين هذا في بعض الجلسات التي كنا نجلسها عنده – رحمة الله عليه – وكان عنده عناية بالقران الكريم ، عناية فائقة ، وله طبعًا دراية كبيرة بالحديث ، حتى كان يقال أنه محدث المدينة – رحمة الله عليه – ، فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ما عين الرمي هنا سبهللاً ، هكذا بلا فائدة ، إنما لنستفيد نحن من هذه الفائدة ، لا أن نواجه الدبابات بالعصي ، ونواجه النفاثات بالحجارة ، ونبارك لأطفال الحجارة هكذا ، كأن رجال الأمة قد اختفوا ، ما بقي إلا صبيانهم يواجهون الدبابات ، والنفاثات بالحجارة ،
حتى يصير المسلمون أضحوكة عند أعدائهم ؛ ثم التعليل ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ،
فقال العلماء : أيمُا سلاح يواجه به العدو ولا يرهبه ؛ فليس بسلاح ، لأن الله هنا حدد ، فلا يأتينّ بعض السفهاء من الشباب اليوم المساكين يقولون الله يقول ما استطعتم نقول ما استطعنا من ماذا ؟ ما استطعنا كما أم كيفا ؟ الكيف وضح ، إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يخرجون يواجهون الدبابات بالحجارة ، لماذا يتأخرون ؟
لأنهم في قرارت أنفسهم ، وفي فطرهم أن هذا لا يمكن أن يكون هذا إلقاء بالأيدي إلى التهلكة ، وهذا نوع من الانتحار يمكن يحصل ،
لأن هذه القدرة المشترطة ، والقدرة أيضًا الأخرى قدرة بشرية ، وهو أن ربنا عزَّ وجلَّ كان قد اشترط على المسلمين في آخر أمريّهم اشترط عليهم أنه لو كان عدوهم ضعفهم وجب عليهم أن يثبتوا ، فإذا زاد على الضعف ، جاز لهم النفور عن الحرب والتخلف ، قال تعالى : ( الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 66] ، فاستدل الفقهاء بهذه الآية ، وقالوا : لو كان العدو أكثر من ضعفنا ، جاز لنا أن لا ندخل الحرب ، فلماذا يأتي اليوم المسلمون وهؤلاء الشباب المتحمسون ، ويلومون أهل العلم إذا قالوا : لا جهاد في المنطقة الفولانية لأن المسلمين أقل ، لأنهم أضعف ، لأنهم لا يملكون كذا ، ويظنون بأن هذه الفتوى فتوة خوار ، أو جبان ، أو فتوى رجل راكن إلى الذين ظلموا ، راكنٍ إلى الكفار ، هذا كله ما يسوغ ، وهذه ألقاب لا يجوز ( إطلاقها ) … ” 14:44 ” على أهل العلم ، ولديهم البرهان الدليل ، وليس لدى شبابنا هؤلاء المنتقدين سوى حماسة زائدة ما عندهم فقه ، فهذه القدرة التي يناط بها الجهاد مع أشياء أخرى ، لكن ما دام السؤال في هذا نكتفي به.
جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم ،،،