السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …………………. أما بعد ،،،
فإن من واجبات الحكومات الإسلامية أن توجد من يحتسبون على الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الأمة قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) وقال ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وثبت في مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ »
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28 / 66) : وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى : مثل نيابة السلطنة والصغرى مثل ولاية الشرطة : وولاية الحكم ؛ أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية ؛ وولاية الحسبة ا.هـ
وإن مما اختصت به دولة التوحيد والسنة السعودية – أعزها الله بالتوحيد والسنة – في هذا العصر أن أحيت هذه الشعيرة، وأوكلت هذا الواجب إلى رجال سموهم بـ ” رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” ، وأوجدت لها رئاسة .
وكم غاض أعداء الدين من الكفار والمنافقين لوجود مثل هذا في دولة التوحيد والسنة السعودية – حرسها الله – ،
فكم تكلم الأمريكان والأوربيون على هذه الدولة المباركة لوجود رجال الهيئة فيها ويسمونهم بالشرط الدينية .
وهذا ليس غريباً فليس بعد الكفر ذنب ، ولا يتوقع من الكفار إلا مثل هذا وزيادة . بل وليس هذا غريباً من المنافقين من العلمانيين والليبراليين، فإنهم أعداء الشريعة كالكفار ، إلا أن هؤلاء أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر فكان خطرهم أشد، وقد أخبر الله سبحانه أننا نعرفهم في لحن القول قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول )
لكن الغريب حقاً والمدهش صدقاً أن يستجيب لنداءات الكفار والمنافقين أناس طيبون يحبون الله ورسوله ، ويضمون صوتهم إلى أصواتهم في نقد رجال الهيئة النقد غير البناء الذي يراد من ورائه إلغاء هذا القطاع، أو تهميشه مع وجوده بألا يبقى منه إلا رسمه واسمه.
وإن أكثر ما يتحجج به هؤلاء أن رجال الهيئة قد ارتكبوا أخطاء ، إما بتهمة بريء مظلوم، أو بتصرف خطأ مع من كان ذا تهمة وجرم ، وهكذا … ووجود مثل هذا لا ينكر، لكن هناك مبالغات ومزايدات يجب التثبت منها ، فإن الله بالمرصاد .
وإن الدعوة إلى إلغاء الهيئة أو تهميشها بمثل هذه الحجج يلزم منه الدعوة إلى إلغاء الشرط، لأنه قد وقع منهم أخطاء كثيرة ، بل ويلزم منه إلغاء القضاء والتعليم في المدارس ؛ لأنه وقد وقعت من القضاء والمعلمين أخطاء، وهكذا يقال في كل الوزارات والدوائر الحكومية . وهل يلتزم هذا عاقل ؟!.
وإنما الواجب إصلاح الخطأ لا معالجة الخطأ بخطأ أكبر فعليه تقوى الهيئة ، وتصلح أكثر من ذي قبل لتبقى لهم هيبتهم وقوتهم مع استمرارهم في الإصلاح العظيم.
فلا يعلم إلا الله كم قبضوا على ساحر دمر حياة أشخاص وأضعف تدينهم، وكم حفظوا من أعراض كانت ستنتهك ، وكم قبضوا على مروجين كانوا سيصطادون أبناءنا ، وكم تسببوا في هداية ضالين اشتكى منهم أهلوهم وأزواجهم ، ولو لم يكن من وجودهم إلا هيبة الناس لهم بأن ردعوا أصحاب الفساد عن إظهار فسادهم ومنكرهم.
ووالله لو علم الناس حقيقة نفع هذه الهيئة لما قابلوا الجارحين لها والداعين إلى إغلاقها أو تهميشها إلا بالرفض والشجب والإنكار .
فكم تبتهج نفوس أهل الإيمان إذا رأوا رجال الحسبة يجولون الطرق والأسواق يأمرون بما أمر الله به من الصلاة، وترك التبرج، والاختلاط بين الجنسين وغير ذلك.
وقد سمعت جمعاً من الوافدين ممن ظاهرهم الصلاح، بل وممن ليس كذلك يغبطوننا على هذه النعمة التي أسال الله أن يثبتها ويقويها ويعمها على جميع بلاد المسلمين .
ويا لفرحة الشيطان وحزبه من ضعف هذا القطاع أو إلغائه – لا أفرحهم الله بذلك-
والواجب علينا تجاه هذا القطاع الشرعي العظيم ما يلي:
أولاً/ الدعاء لهم بالتوفيق والسداد فهم قائمون بشعيرة هي سبب خير للأمة وخلاصها .
ثانياً / توقع الخطأ منهم فإن الذي يعمل يخطئ كما تحصل الأخطاء في القطاعات الأخرى ، بل أن الأب المشفق على ولده المصلح له يخطئ في طريقة إصلاحه أحياناً ، والله يقول: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
فإذا كان كذلك فإن إصلاح خطئهم بأن يستر أولاً ، وأن يناصحوا ثانياً ، وأن يرفع أمرهم إلى المسئولين عنهم ثالثاً ، مع العلم أنه ليس كل من ادعى أنه مظلوم وقد أخطئ عليه فهو كذلك .
ثالثاً / الدفاع عنهم في المجالس والتجمعات مع بيان أنهم غير معصومين، وأن الخطأ وارد، وأن كثيراً مما يذكر عنهم كذب إما في أصله أو فيما زيد فيه .
رابعاً / ينبغي أن يعلم أن رجال الهيئة يواجهون أهواء وشهوات من أزاغه الشيطان، فلابد أن تنشحن نفوس أهل الشهوات بغضاً لرجال الحسبة لأنهم سد منيع دونهم ودون شهواتهم، وأصحاب الشهوات أصناف؛
صنفٌ وإن كانت شهوته تسيره لما يسخط الله ، إلا أن له عقلاً وديناً، فإذا تكلم بمنظور العقل والدين رأيته يقر بخطئه ويعترف للهيئة بالفضل ، وما أكثر هؤلاء في المجتمع، وقد جالست طائفة منهم وسمعت إقرارهم بالثناء الجميل على رجال الهيئة وإن كانوا قطعوا السبيل عليهم في تحصيل شهواتهم، بل إن بعض هؤلاء يدعي أنه ظلم على يد الهيئة ومع ذلك يعترف لها بالفضل .
وصنفٌ من شدة تعلقه بشهوته غطت عقله، أو كان في الأصل ضعيف العقل والدين، فتراه يذم الهيئات في كل وسيلة تتاح له في المجالس والمجامع والإعلام وغيره . ومثل هذا الموقف من مثل هذا لا يستغرب لما تقدم من بيان حاله .
وقبل ختم هذا المقال أوجه نصائح وتوجيهات إلى رجال الحسبة من ميدانيين وإداريين، وإن كان مثلي ليس أهلاً لذلك لكن كرمهم وتواضعهم وقبولهم النصح من كل أحد يشجع أمثالي للإقدام على مثل هذا :
1/ أدعوهم إلى أن يستشعروا ما هم فيه من قيام بشعيرة عظيمة ، فيتذكروا الإخلاص في عملهم لله ما بين حين وآخر، ويتشجعوا للقيام بالعمل أتم قيام، فهم سبب رفع اللعنة عن أمتنا كما قال تعالى ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) وهم سبب خيريتها وفلاحها ، فأسأل الله لهم السداد والتوفيق والرشاد .
2/ أن حسن النية لا يكفي بل لابد من حسن المتابعة ، فإياكم أن تغلبكم عاطفتكم أو حماستكم على فعل أمر يخالف شرع الله ، أو فيه مخالفة للأنظمة التي أتيحت لكم من ولاة الأمر فإننا وإياكم مأمورون بالسمع والطاعة في غير معصية الله ، وقد ذكر الإمام ابن القيم أصناف الناس في الإخلاص والمتابعة ، وذكر صنفاً عنده إخلاص لكن ليس عنده متابعة ، وإن هذا الصنف مخطئ مخالف لما جاءت به الشريعة ، وأعوذ بالله أن يكون في رجال هيئتنا وحسبتنا من تغلب عاطفته وحماسته متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن القيم في مدارج السالكين (1 / 85): الضرب الثالث من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر كجهال العباد والمنتسبين إلى طريق الزهد والفقر وكل من عبد الله بغير أمره واعتقد عبادته هذه قربة إلى الله فهذا حاله كمن يظن أن سماع المكاء والتصدية قربة وأن الخلوة التي يترك فيها الجمعة والجماعة قربة وأن مواصلة صوم النهار بالليل قربة وأن صيام يوم فطر الناس كلهم قربة وأمثال ذلك ا.هـ
3/ الاجتهاد كل الاجتهاد في القيام بما خول لكم القيام به كالتذكير بالصلوات في المجامع العامة والطرقات ، فإني أرى مؤخراً ضعفاً في هذا بحجة أن بعض رجال الحسبة أئمة ومؤذنون ، وأظن الأمر لو رتب وقسم ، واجتهد فيه لما كان هذا مانعاً .
4/ عدم الالتفات إلى كل ما يذكره الإعلاميون في الصحف وغيرها إلا ما كان حقاً، فإنه كلما أُلتِفت إلى مقالاتهم وكتاباتهم ازدادوا الطعن والتحريش على الهيئة والحسبة بحق أو بباطل ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ) أي زادوهم تسلطاً عليهم . وهذا خطاب للإداريين وفي مقدمهم الرئيس العام -وفقه الله لكل خير- .
5/ المرجو من الرئيس العام -وفقه الله لكل خير- السعي كل السعي لتشجيع رجال الحسبة، والوقوف معهم في الحق، وغض الطرف عن العثرة مع محاولة الإصلاح لئلا تتكرر في المستقبل ، والسعي لتسهيل أمور الدنيا لهم من ترقيات وغير ذلك ، والسعي الحثيث للتأليف بينهم وإشعارهم أنهم على ثغر عظيم ، والأعداء يتربصون بهم الدوائر ، والحزم كل الحزم مع المتلاعب وألا يصده عن ذلك وجاهة وجيه أو غير ذلك .
6/ تقوية الجانب الإعلامي في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء عن طريق الصحف أو التلفاز أو المواقع الإلكترونية بعرض إنجازاتهم بطرق ملفتة للنظر، ويصاحب ذلك بيان قوة إمكانياتهم وصلاحياتهم وحزمهم تجاه من أصر على معصيته الشبهاتية والشهوانية.
وهذا مما يرجى من الرئيس العام تفعيله أكثر وتقويته
وإني لأشكر ولاة أمرنا في هذه البلد المباركة وفي مقدمهم ملكنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن الإمام المصلح عبد العزيز على جهودهم المباركة في إبقاء هذا القطاع الديني الذي هو سبب التمكين للدول والأفراد كما قال ربنا وإلهنا ومن إليه مصيرنا ونحن لحكمه خاضعون ذليلون (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
وشكر الله للنائب الثاني وزير الداخلية سمو الأمير نايف بن الإمام عبد العزيز مواقفه التي لا يتوقع منه إلا هي في الدفاع عن رجال الحسبة بحق، ورد كيد من تلاعب بهم الشيطان من الإعلاميين .
أسأل الله أن يوفق رجال الحسبة لكل خير وأن يقويهم ويشد من أزرهم ، وأن يمن علينا وعليهم بالمتابعة والإخلاص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن يخرس لسان ويكسر قلم كل عدو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .