يقول السائل: حديث: « عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادًا لا نراهم»، وعمل به بعض أهل العلم كالإمام أحمد والنووي، نرجو توضيح صحة ومعنى الحديث، ولا يجوز العمل به؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: هذا الحديث من جهة صحته فهو ضعيف، ولم أرَ له إسنادًا صحيحًا، وقد رواه غير واحد من الصحابة، لكنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللعلامة الألباني بحث نفيس في هذا الحديث كما في “السلسلة الضعيفة”، وبحثه في موضعين متتاليين، وبيَّن أن الحديث لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقل عن غير واحد تضعيفه، وأنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحديث ضعيف من جهة إسناده، إلا أن أقوى ما رُوِي فيه ما رواه البيهقي في “شعب الإيمان” عن ابن عباس موقوفًا، لكنه مع ذلك أيضًا لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه.
فلذلك لم أرَ للحديث إسنادًا صحيحًا، فإن في إسناد ابن عباس أسامة بن زيد الليثي، وهو متكلَّم فيه، وضعَّفه الإمام أحمد وغيره، وهو أقوى ما رأيت؛ لكن مع ذلك يظهر – والله أعلم- عدم صحته، وأنه لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه، فلم أرَ للحديث إسنادًا صحيحًا، لا مرفوعًا، ولا موقوفًا.
ومن لطيف ما ذكره الهروي أن ابن المبارك-رحمه الله- احتاج أن يعمل بهذا الحديث، فتوقف يبحث في إسناده، ويتطلبه هل يصح أو لا يصح، وهذا من فقه عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى.
فإنه لم يتساهل في هذه الأدعية بمجرد أنها رويت، أو أن التجربة تدل عليها، بل أراد أن يتطلب لها إسنادًا؛ لأنه من المعلوم أن التجارب لا تجوِّز شيئًا من شرع الله، والعبادات مبناها على التوقيف.
فرق بين الرقية، وهي القراءة على المريض، فإن مثل هذه من التداوي كما قرره ابن تيمية وابن القيم، فمثلها يرجع إلى التجارب، كما جعلته الشريعة كذلك، فقد أخرج مسلم من حديث عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا».
والصحابة كانوا يرقون في الجاهلية فأسلموا، فقال لهم هذا الكلام صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن الرقى من باب التداوي والطب، فمثل هذه يُرجَع فيها إلى التجارب.
أما ما كان من باب الأدعية فإنها عبادات، والعبادات مبناها على التوقيف، وقد أجمع السلف على أن العبادات مبناها على التوقيف، حكى الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ويدل لذلك قول الله –عز وجل- : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، فقد استدل بهذه الآية ابن جرير وأئمة السنة كأحمد وغيره، وابن تيمية على أن الأصل في العبادات الحظر والمنع.
ومنه ما أخرج الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
فالمقصود: أن العبادات مبناها على التوقيف والحظر والمنع، فلا يصح التعبد بدعاء إلا إذا ثبت الدليل بذلك، فجعلُ هذا الدعاء سببًا ليدعى به عندما يضل الرجل، هذا يحتاج إلى دليل؛ لأنه جعل ذلك سببًا.
فإذًا التجارب لا تكفي، والحديث لم يصح في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أثر ابن عباس، ولو صح شيء لعُمِل به.
ثم مما ينبغي أن يعلم أن هذا الحديث لا يدل على جواز الدعاء لغير الله، كما بين ذلك العلماء، وممن بين ذلك العلامة حمد بن معمر رحمه الله تعالى كما في “الدرر السنية”، والعلامة عبد العزيز الحصين كما في “الدرر السنية”، وبين غير واحد من أهل العلم كالعلامة الألباني رحمه الله تعالى في “السلسلة”، وذلك أنه قال في الحديث: «إن لله عبادًا، لا نراهم»إلى آخره، يعني هناك عباد قد جعلهم الله، وهيأهم رب العالمين – على صحة الحديث- يجيبون دعوة من ضل الطريق، وقد يكون من الملائكة، وقد يكون من الجن.
لكن في أثر ابن عباس -لو صح- أنهم من الملائكة.
فإذًا، هذا دعاء لقوم سخَّرهم الله لمثل هذا، فهو دعاء حاضر قادر، ففرق بين هذا الدعاء الجائز، لو صح الحديث أو الأثر، وبين دعاء الأموات، فإن هؤلاء ليسوا موجودين، ولا حاضرين، وهم أموات غير أحياء، ولا يستطيعون.
كما قال –عز وجل- : {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13-14].
فالمقصود: والله أعلم أن هذا الحديث لا يصح، وكذلك لا يصح أثرًا عن عبدالله بن عباس، ثم لو صح، فإنه لا محظور فيه، ولا ممسك فيه لدعاة الشرك من الصوفية وغيرهم؛ لأنه دعاء حي حاضر قادر، قد هيأه الله لذلك.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.