حديث ((من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله… ))إلى آخره، وآخر الحديث فيه: ((كتب له أجر حج وعمرة تامة تامة تامة))، هل يشرط أن يكون الجلوس في المسجد؟ هل جائز أن تصلي في جماعة، وتعود للبيت تجلس حتى تطلع الشمس، وبذلك تكون طبقت الحديث، وأخذت أجره؟
يقال: تنازع العلماء في هذا: مِن العلماء من ذهب أنه لو صلى في جماعة في المسجد، ثم رجع إلى بيته، واستمر في ذكر الله؛ فإنه يفوز بالفضل المذكور في هذا الحديث، وهذا هو قول علي القاري في كتابه “مرقاة المفاتيح”، وخالف ابن حجر الهيثمي، وذهب إلى أن هذا الفضل إنما يكون لمن جلس في المسجد، وينبغي أن يعلم ما يلي:-
الأمر الأول: أن الجلوس في المسجد لا شك أفضل، وهو الذي يدل عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر، جلس في مصلاه، وظل يذكر الله، حتى ترتفع الشمس، أو حتى تطلع الشمس».
الأمر الثاني الذي ينبغي أن يعلم: أن الذكر في هذا الوقت له فضل، سَوَاء كان في البيت أو في المسجد وإن كان المسجد أفضل، ويدل لذلك ما ثبت عند الطبراني وابن السني، وصححه الحافظ ابن حجر في “نتائج الأفكار” أن أبا وائل زار ابنَ مسعود –رضي الله عنه- وأرضاه، بعد أن صلى أبو وائل صلاة الغداة أي الفجر، فدخل، فلما أراد أن يدخل على ابن مسعود، ذكر أنه انتظر هنية، لعل بعض أهل الدار له حاجة، قال: ((فأقبل يسبح، ثم قال: لقد ظننت بآل عبد الله غفلة، ثم قال: يا جارية! انظري أي ابن مسعود، يا جارية انظري هل طلعت الشمس؟ قالت: لا، ثم قال لها ثانية: انظري هل طلعت الشمس؟ قالت: لا، ثم قال لها الثالثة: انظري هل طلعت الشمس؟ قالت: نعم، قال: ((الحمد لله الذي وهب لنا هذا اليوم، وأقالنا فيه عثراتنا، ولم يعذبنا بالنار)).
هذا الأثر يدل على أن ابن مسعود قد استغل هذا الوقت للذكر، وقد يكون ابن مسعود صلى في المسجد، ثم دخل البيت، وقد يكون أنه لم يصلِّ في المسجد لعلة أو مرض، وعلى أي حال فهو يدل على فضل الذكر في هذا الوقت، فإن كان في المسجد فهو أكمل، وإن لم يكن في المسجد فقد فاز بفضيلة الذكر في هذا الوقت.
أما هذا الحديث لو صح مع أن العلماء متنازعون في صحته، لكن لو صح فلعل حديث جابر بن سمرة يفسره، وهو أنه كان يذكر الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه، فيحمل على الذكر في المصلى. والله أعلم.