الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عباد الله: اتقوا اللهَ ، وقوموا بما أمركم به واجتنبوا ما نهاكم عنه تفلحوا .
عباد الله : لقد جاءت الشريعة الاسلامية بالعناية بالخلق،فجعله صلى الله عليه وسلم المقصد من بعثته؛حيث قال : «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق »رواه أحمد وصححه الألباني
وجعلت أكثر ما يدخل الناس الجنة؟: تقوى الله وحسنُ الخلقِ” كما روى الترمذي وصححه الألباني ، بل وتحرم على المسلم صاحب الخلق الحسن النار، لما رواه ابن حبان وصححه الألباني عنه صلى اللّه عليه وسلم-، قَالَ: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ“؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ)
ولا يكمل إيمانه إلا بحسن الخلق ؛ روى الترمذي وصححه الألباني عنه صلى الله عليه وسلم قال : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً » بل ( إن خير ما أعطي الإنسان خلقٌ حسن) كما روى البخاري في الأدب وصححه الألباني،
لأجله كان ( أثقلُ شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة) كما روى الترمذي وابي داود وصححه الألباني
فبالخلق الحسن يدرك ويبلغ المسلم درجة الصائم القائم) كما روى أبو داود وصححه الألباني
وبالأخلاق الحسنة عُرِف صدق الأنبياء والمرسلين وبضدِّها عُرف كذب الأدعياء والمفترين . روى الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن سلام : لما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة انجفل الناس قِبَلَه (أي ذهبوا مسرعين) فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب . قال : فكان أول ما سمعته يقول : « يا أيها الناس ! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ».
وحسن الخلق عرفه ابن المبارك رحمه الله كما روى الترمذي بقوله: هُو طلاقةُ الوجه، وبذلُ المعروف. وكف الأذى.
كف الأذى بألا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بجوارحه، وبذل المعروف والندى يعني العطاء من مال وعلم وجاه وغير ذلك، وطلاقة الوجه بأن يلاقي الناس بوجه منطلق، ليس بعبوس، ولا مصعّرٍ خده.
عباد الله :أعظم الناس خلقا نبينا وهو من قال فيه رب العالمين (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) أعظم قومه حفظًا للأمانة، وخيرهم جوارًا، وأصدقهم حديثًا، يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، ويغيث ذا الحاجة الملهوف .
عباد الله : من حسن الخلق معاشرة الناس بالمعروف ، الحفاوة والوفاء، وترك التنكر لهم والجفاء، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والنصيحة لهم وأولاهم أهلك الأقربون ( فخيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وصححه الألباني
نسأل الله أن يرزقنا حسن الأخلاق، وأن يجنبنا سفسافها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي الأمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء المرسلين وآله وصحبه أجمعين، أما بعد :
عباد الله : لاكتساب الأخلاق الحسنة أسباب يتوصل بها اليه .
أولها: العناية بالعقيدة وسلامتها ؛ فالعقيدة هي الإيمان و : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ».
استشعار فضل الخلق الحسن ومذمة ضده ، روى الطبراني وصححه الألباني «إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكرمَ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ، ويكرَهُ سَفْسافَها)وفي رواية عند الضياء وصححه الألباني: «إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ، ويكرَهُ سَفْسافَها»
ثاني الاسباب : الإلحاح بالدعاء ؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم كثير الضراعة إلى ربه ليرزقه حسن الخلق ويصرف عنه سيئه وكان يقول في دعاء الاستفتاح : « اللهم ! اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت » .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وصححه الألباني :« اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من منكراتِ الأَخلاقِ والأعمالِ والأَهْواءِ
وثالث الاسباب: المجاهدة الدائمة المستمرة ، فالخلق الحسن نوع من الهدايةوالله سبحانه يقول:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) .
ورابع الاسباب: التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق والنظر في عواقب سوء الخلق .
ومما يعين على اكتساب حسن الخلق : أن يضع المرء
نفسه موضع الآخرين ، ففي صحيح مسلم 🙁 فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) قال الحافظ النووي(وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يلزم أن لا يَفْعَلَ مَعَ النَّاسِ ، إِلَّا مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ ” قال الشيخ ابن عثيمين: (يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به ، فينصح للناس كما ينصح لنفسه ، ويكره للناس ما يكره لنفسه )وفي الصحيحين 🙁 لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ومن الاسباب المعينة على التحلي بحسن الخلق : مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة .
ومنها : إدامة النظر في السيرة النبوية الشريفة ثم النظر في سيرة الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – وقراءة سِيَر أهل الفضل والصلاح .
وأخيرا (إنكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعهم منكم بَسْطُ الوجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ)
اللهم اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهْدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أصلِح أحوالَ إخوانِنا المسلمين في كلِّ مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج همَّهم، اللهم فرِّج همَّهم، ونفِّس كربَهم، اللهم احقِن دماءَهم، واحفَظ أعراضَهم، واشفِ مرضاهم.
اللهم عليك بعدوِّك وعدوِّهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم شتِّت شملَه، وفرِّ جمعَه، واجعَل دائِرةَ السَّوء عليه بقوَّتِك وجبَرُوتِك يا قويُّ يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ بلادَ الحرمَين، اللهم احفَظها بحفظِك، واكلأها برعايتِك وعنايتِك يا أرحم الراحمين، اللهم أدِم أمنَها ورخاءَها واستِقرارَها، اللهم زِدها خيرًا ونماءً وبركةً، برحمتِك وفضلِك يا أرحم الراحمين. اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز،
اللهم وفِّق ولي أمرنا خادمَ الحرمين وولي عهده ووزراءهم وبطانتهم لما تُحبُّ وترضَى، وأصلح بهم البلاد والعباد ، جميعَ وُلاةِ أمور المسلمين.
اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدودِ بلادِنا، اللهم أيِّدهم بتأيِيدك، واحفَظهم بحفظِك، اللهم سدِّد رميَهم، وثبِّت أقدامَهم، وقوِّ عزائِمَهم، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، لا إله إلا أنت سبحانك .. اللهم أغثنا …
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ..