يقول السائل: فيما يتعلق بسؤال سابق عن تحويل السودانيين للسودان، فالصورة أنهم يحولون فيها فعليًّا، وهي مختلفة قليلًا عن الصورة التي أجبتَ عليها.
أولًا: الريال لا يحتاج إلى أن يحول للدولار، ثم للجنيه السوداني، بل يحول مباشرة إلى الجنيه السوداني.
ثانيًا: النظام عندنا في السودان يمنع أن يحول أحد الريالات من هنا، فتسلم هناك ريالات، بل هي تسلمه بالجنيه إجباريًّا، حتى لو حولنا بالدولار فيستلم هناك بالجنيه، فلا سبيل لنا إلا أن نرسل الأموال بالريال، فتسلم بنفس العملة إلى السودان، والسعر الذي يحول به البنك الريال إلى الجنيه قليل جدًا، مقارنة بما يعرف بالسوق السوداء، حيث قد تصل إلى قرابة ثلاثة أضعاف من سعر البنك، فمثلًا ألف ريال سعر البنك ألف وسبعمائة جنيه، أما بالسوق السوداء فخمسة آلاف جنيه.
وطريقة التحويل بالسوق السوداء أنه يوجد بعض السودانيين هنا يكون عندهم كالمندوبين بالسودان، فإذا أردنا أن نحول أعطانا حسابًا لمؤسسة (ما) هنا نحول عليها المبلغ بالريال، ثم نرسل لهم بيانات من سيستلم بالسودان، فيتصل هو على مندوبه ليسلم المبلغ هناك بالجنيه بسعر السوق السوداء.
فما حكم التحويل بهذا الشكل؟ علمًا أنَّ الغالبية العظمى من السودانيين هنا تركت الحوالة الرسمية واتجهت للسوق السوداء بسبب قانون الدولة عندنا وفرق السعر.
الجواب:
خلاصة السؤال: أن السائل يقول: إن المال إذا حُوِّل إلى السودان بأي عملة كانت فإنه لا يقبض في السودان إلا بعملة السودان، وهي الجنيه، وكذلك أن كثيرًا من السودانيين، بل الغالبية صاروا يحولون عن طريق السوق التي يقال عنها السوداء، لا عن طريق البنوك الرسمية للفارق في المبلغ.
أما الأمر الأول الذي ذكره السائل فالمفترض في مسألة الصرف أن يكون هناك تقابض، فإذا حولت ريالًا سعوديًا فيصل إلى السودان سعوديًا.
أو قبل أن تحول تعطيه الريال السعودي ويعطيك قيمته بالجنيه السوداني، ثم بعد ذلك تعطيه الجنيه السوداني وتقول له حول هذا، ليحصل التقابض، فإن الصرف بين العملات يجب فيه التقابض، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عُبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة» إلى أن قال: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف ما شئتم إذا كان يدًا بيد»، فيشترط التقابض.
وأما الأمر الثاني وهو تحويل المال بما ذكره السائل مما هو شائع عند السودانيين، وهو الغالب عندهم، فيعطي المال رجلًا في السعودية، وذاك يعطي بدله في السودان، وهذا يسمى عند أهل العلم بمسألة السُّفْتَجَة.
ومسألة السُّفْتَجَة على أصح أقوال أهل العلم محرمة، وقد ذهب إلى حرمتها الإمام مالك والشافعي وأحمد في رواية، والدليل على حرمة السُّفْتَجَة، أنها صورة من صور القاعدة المحرمة في الشرع، وهي: كل قرض جر منفعة فهو ربا.
لأنه إذا أعطاه المال هنا ثم سدده هناك فحقيقته قرض جر منفعة، والمنتفع بهذا أيضًا المحوِّل نفسه من جهة أنه لم يشترط التسليم في السودان إلا وهو منتفع بهذا، وقد ذكر العلماء أن من أوجه الانتفاع حفظ المال لأن من سافر ومعه ماله ففيه مخاطرة إلى غير ذلك من الفوائد التي تختلف باختلاف حاجات الناس، فلما انتفع بمثل هذا صار قرضًا جر منفعة، ومثل هذا محرم، لاسيما وقد ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه حرم مثل هذه المسألة إذا كانت بشرط.
وهذا فيه شرط لأنه اشترط تسليمه في السودان وهو قد دفع القرض في السعودية، وفي هذه المعاملة محذوران:
أما المحذور في المعاملة الأولى: عدم التقابض مع اختلاف العملة وهو واجب لحديث عبادة، وهذا ليس خاصًّا بهذا التحويل، بل فيما أعلم أكثر إن لم يكن كل الحوالات الموجودة في هذا الزمن- فيها هذه الصورة المحرمة.
وأما المحذور في المعاملة الثاني: أنها مسألة السفتجة التي تقدم ذكرها.
لكن بما أن هذا الأمر محتاج إليه في بلاد السودان وهو أمر شائع عنهم وأصبحت حاجة عامة، فالقاعدة الشرعية، أن الحاجة إذا عمت تنزل منزلة الضرورة فتُجاز.
فإذن تُجاز هذه المعاملة بصورة عدم التقابض في الصرف وكذلك بصورة السفتجة، لأن الناس محتاجون لمثل هذا وهي حاجة عامة، وقد قرر هذه القاعدة العظيمة الجويني، والإمام ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد)، والسيوطي في كتابه (الأشباه والنظائر)، وجمع من أهل لعلم وهي أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.