يقول السائل: أبيع جوالات ويأتي زبون -أي مشتري- يطلب مني جوالًا لا أملكه، لكن أستطيع أن آتي به وأتملكه، فآخذ منه المال فأشتري الجوال ثم أبيع له بربح، فهل يجوز لي بيعه بهذه الصورة؟
الجواب:
هذه الصورة هي صورة السَّلَم الحال، وخلاصة السلم الحال: أن المشتري يُقدم الثمن عند أول الاتفاق، وهذا الشرط الأول، والشرط الثاني أن البائع يستطيع أن يأتي بالسلعة ويغلب على ظنه أنه يستطيع أن يأتي بها في الحال، والشرط الثالث: أن السلعة تكون موصوفة وصفًا دقيقًا، كأن يكون جوالًا بنوع كذا، ومديل الجوال كذا، إلى غير ذلك.
فمثل هذا يُسمى سلمًا حالًا، وهو جائز كما ذهب إلى هذا الشافعي وأحمد في رواية، وهو اختيار ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وذلك أن الأصل في المعاملات الحل، ولا دليل يدل على حرمة ذلك، لأن بيع السلم الحال بيع أوصاف لا بيع أعيان، كما بيَّن هذا الإمام الشافعي وابن تيمية وغيرهم من أهل العلم.
لكن المقصود أن مثل هذا جائز، فلو أتى البائع بالجوال الموصوف وهو لا يمكله ثم اشتراه من صاحبه الذي يملكه فباعه بربح فإن هذا يصح، ثم لا يصح للمشتري أن يتراجع لأنه منذ الاتفاق ودفعه للمبلغ أصبح العقد مُلزمًا، فلا يصح له أن يتراجع بما أن البائع أتى بصفاته المتفق عليها. هذا هو السلم الحال.
ثم ليُعلم أن هناك فرقًا بين السلم الحال الذي تقدم ذكره وبين أن يتفق الرجلان على أمر فيقول المشتري: أريد جوالًا بصفة كذا وكذا، ثم لا يدفع المال، فيذهب المشتري فيأتي بالجوال، فإن هذا ليس من السلم الحال ولا يُعد بيعًا إلا لما أتى بالجوال فرآه المشتري فاتفقوا الآن على شرائه، فإنه بدأ عقد البيع منذ أن أتى به البائع، وهذا ليس مُلزمًا وإنما بدأ عقد البيع والشراء منذ أن أتى به، ففي الصورة السابقة الذي هو سلم حال يدفع المشتري المبلغ أولًا ثم يذهب البائع ويأتي بالسلعة، وهو مُلزم ولا يصح للمشتري أن يتراجع، وليس للبائع بعد أن يأتي بالسلعة أن يتراجع إذا كانت على صفاته.
أما الصورة الثانية: فإن عقد البيع يبدأ منذ أن يأتي بالجوال فيطلع عليه، فالفرق بينهما أن في الصورة الأولى دفع المال، أما في الصورة الثانية فلم يدفع المال.
هذه مسائل ينبغي أن تُفقه وينبغي لمن يبيع ويشتري أن يتعلم أحكام البيع حتى يكون ماله حلالًا لا حرامًا، فما أكثر الذين يبيعون ويشترون بلا علم فتكون أموالهم محرمة، وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب الناس الذين يبيعون ويشترون في السوق ويأمرهم أن يتعلموا ويتفقهوا في أحكام البيع والشراء.
فالأمر خطير لأن فيه أكل مال بالباطل، فليس هناك ما يمنع البائع والمشتري أن يتعلم أحكام دينه، وهناك دروس ومنشورات مختصرة لعلمائنا الثقات يسيرٌ أن تكون في يد من أراد أن يبيع ويشتري، عن طريق الانترنت وغيره، أما أن يتساهل الناس في مثل هذا فهذا خطأ.
وتراهم يبذلون الجهود الكبيرة في البيع والشراء والمخاطرة، وفي المقابل يقصرون في تعلم هذه الأحكام ليكون مالهم حلالًا ولئلا يعصوا الله.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.