الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي العز المجيد، والبطش الشديد، المبدأ المعيد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد،
أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفئ ولا عدل ولا ند ولا نديد.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه) وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
عباد الله : إن ما تمر به الأمة الإسلامية وعلى وجه الخصوص في هذه الأيام في بلاد مسرى سيد الثقلين مما يقظ مضجع كل مسلم غيور ، وإنَّ مِن الأصولِ الشرعيَّةِ محبَّةَ الإسلامِ فوقَ كُلِّ محبَّةٍ، وولاءَ أهلِ الإيمانِ فوقَ كُلِّ وَلَاءٍ، وأنَّ المسلمينَ أُمَّةٌ واحدةٌ، أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى».
وأخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي موسى الأشعريِّ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ.
ومُقتَضَى هذِ المحبَّةِ أنْ نتألَّمَ لألمِ المسلمينَ، ونفرَحَ لفرَحِ المسلمينَ شرقَ الأرضِ وغربَها، ومِمَّا يتألَّمْ لهُ المسلمونَ اليومَ اعتِداءُ اليهودِ المُحتلِّينَ الغاصِبينَ على إخوانِنَا المُستضعفينَ في غَزَّةَ -كانَ اللهُ في عونِهِم، وحَقَنَ دِماءَهم، وحَفِظَ أعراضَهُم-.
وإِنَّ مِن المفجعِ أنْ يتسبَّبَ في هذا الدَّمارِ استِعداءُ كتائِبَ
مُستَضعَفَةٍ لهذا العدوِّ الغاشِمِ، مِمَّا تسبَّبَ في هذا الدَّمارِ المؤلِمِ المُفجِعِ، والذي لَمْ يستفِدْ مِنهُ إلَّا الأعداءُ الكافِرونَ، بالتسلُّطِ على المسلمينَ المستضعفينَ بغَزَّةَ.
وإنَّ قيامَ كتائِبَ حماسٍ -التي هيَ فرعٌ مِن جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ المبتدعةِ، والمعروفةِ بانبطاحِها مع الرافِضةِ- بهذهِ العمليَّاتِ جِنايَةٌ عظيمةٌ على المسلمينَ المستضعفينَ بغزَّةَ، وهيَ بمثابَةِ إعطاءِ اليهودِ الكافرينَ الغاصبينَ العُذرَ والمُبرِّرَ للتسلُّطِ على المسلمينَ المستضعفينَ بِغَزَّةَ، والذي لا يستفيدُ مِنهُ إلا الغربُ الكافرُ والرافِضَةُ في إيرانَ ، لتسليطهم على المسلمين السنة من شعب غزة لمآرب …
وهذا القتال ليس شرعيا في ابتدائه وتمامه وما يترتب عليه ثم في مقاصده.
يا للهِ! إلى مَتَى تستمِرُّ حماسٌ في هذهِ الأفعالِ المُفزِعَةِ المُتسبِّبَةِ في الدَّمارِ؟ وما ذاك إلا حماقات صبيانية ومصالح حزبية دمروا بها غزة وآذوا المستضعفين بها – كان الله لهم- ثم بدأ قادتهم المنعمون بفنادق دول مجاوره بجمع التبرعات والأموال
ومَا بينَ حينٍ وآخَرَ يَفجَعونَ المسلمينَ بمثلِ هذهِ الأفعالِ المؤلمةِ، والواجِبُ في حَقِّ الضعيفِ ألَّا يَستَعدِيَ القويَّ، قالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء: 77].
وهذا المَسلَكُ هو الذي سَلَكُهُ رسولُ اللهِ ﷺ لمَّا كانَ في مكةَ مُستَضعفًا، روَى البخاريُّ عن خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
وهل هُناكَ مسلَكٌ وطريقٌ أنجَعُ مِن طريقِ رسولِ اللهِ ﷺ؟
غالحذر الحذر أن ينجرف شباب السنة بعواطف غير منضبطة بالشرع فيقعوا في حبائل الحزبية بحجة أنهم وجدوا الغيرة عند الحزبيين على دماء المسلمين ضد اليهود وهكذا …لا سيما مع الطرح الحزبي المنفِّر من السلفيين، والمفجِّر للعواطف مع الإعلام الغربي المستفِّز.
اللهُمَّ الطُفْ بإخوانِنَا المُستَضعفينَ في غزَّةَ، اللهُمَّ كُنْ لَهُم نَصِيرًا، اللهُمَّ احْقِنْ دِماءَهُم، اللهُمَّ ارْحَم ضُعفاءَهُم.
أقولُ ما قُلتُ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم، فاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ وَكَفَى، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ المُجتَبَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ رسولَنَا ﷺ ترَكَنا على المَحَجَّةِ البيضاءِ، وأمَرَنا عِندَ الفِتَنِ بِما يلي:
أولًا: الاستِعَاذَةُ مِنها، رَوَى مسلمٌ عَن زيدِ بنِ ثابِتٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ».
ثانيًا: الالتِفافُ حولَ وَلاة الأمورِ وعدمِ الافتياتِ عليهِم بأيِّ طريقةٍ، رَوَى الإمامُ مسلمٌ عن حُذيفةَ بنِ اليمانِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».
ونحنُ في دولةِ توحيدٍ وسُنَّةٍ، وتحتَ حُكامٍ أهلَ حِلْمٍ
وحِكمةٍ وقوَّةٍ ورحمةٍ ومعرفةٍ وخبرةٍ، فَلَا يصِحُّ الافتياتُ عليهِم بحالٍ، بَلْ نحمدُ اللهَ على هذهِ النعمةِ.
ثالثًا: إنَّ وراءَ هذهِ الحروبِ مُخطَّطَاتٍ وَمَكَائدَ ومَكرًا كُبَّارًا، والواجِبُ إرجاعِ الأمرِ لأهلِهِ مِن ولاةِ الأمرِ، قالَ سبحانهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83].
رابعًا: إيَّاكَ أنْ تكونَ آلةً في المُساهَمَةِ في نشرِ مَا يَفُتُّ العَضُدَ مِن الإشاعاتِ التي تُخالِفُ ما عليهِ علماؤُنَا مِن عَدَمِ صِحَّةِ الجهادِ المزعومِ في حالِ الضَّعفِ، أو التي تُخالِفُ ما سَلَكَهُ حُكَّامُنَا تِجاهَ هذهِ الأحداثِ.
خامسا : يجب التفريق بين قتال حماس المنحرفه وبين محبة ومناصرة المسلمين في فلسطين لانخلط بين الحق والباطل ولايجوز لنا ان نخذل اخواننا الفلسطينيين او نسلمهم للاعداء بسبب بغضنا لحماس المبتدعة وماتقوم به من عداء لاهل السنه وبسبب ماتقوم به من مهاترات ومغامرات .
وما يزعمه دعاة الفتنة وأتباع الأحزاب الحركية في كل نازلة وفتنة، ومنها مواجهات حماس غير المتكافئة والعبثية مع اليهود، أن الواجب هو السكوت وعدم الإنكار بحجة أن هذا ليس وقته!! فإن الأدلة الشرعية تدعو إلى إنكار المنكر في حينه وحال وقته، فما بالكم إذا كان هذا المنكر عظيم ك وفيه فساد عظيم من سفك للدماء المسلمة وتدمير للبلاد والأموال ، فإن النبي ﷺ أنكر على المسلمين الذي قالوا اجعل لنا ذات أنواط، وهم في غزو وجهاد، ولم يسكت بحجة أن ليس هذا وقته وأنهم في مواجهة عسكرية مع الكفار!! إذ السكوت غش للمسلمين وتضليل لهم وتزيين للأفعال المنكرة والمناهج الضالة الباطلة ذات المآلات المفسدة للمسلمين.
اللهُمَّ الطُفْ بإخوانِنَا، اللهُمَّ عليكَ باليهودِ إخوانِ القردةِ والخنازيرِ، اللهُمَّ ارفَعْ عن المسلمينَ الضعفَ، اللهُمَّ رُدَّ المسلمينَ إليكَ رَدًّا جميلًا، فإنهُ لا عِزَّ ولا تمكينَ إلا بنُصرةِ دينِكَ، وأعظمُ النُّصرةِ القيامُ بالتوحيدِ والتمسُّكُ بالسُّنةِ، وإقامُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ، اللهُمَّ عُمَّ هذا بينَ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.