بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا حوار دار بيني وبين أحد متظاهري ميدان التحرير – بمصرنا الحبيبة، وقد ذكر حججه التي يذكرها كل واحد منهم في الغالب ممن ينطلقون من منطلق شرعي – زعموا – أما من لا ينطلقون من منطلق شرعي؛ فكان لي مع أحدهم لقاء أيضًا، وسأذكره تباعًا….
قلتُ:
فمرحبا بالأخ/ …….
وأرجو أن يكون النصح بيننا مبنيٌّ على اتباع الحق لمن فقده، وأن لا يكون كل منا يريد أن ينصر رأيه وإن كان خطأ، وكما كان يقول الشافعي رحمه الله: ما ناظرت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق معه.
وما اختلفنا فيه فحكمه إلى الله، كما قال سبحانه: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال أيضًا: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}.
أما قولك: اولا لايجوز الخروج علي الحاكم بالسلاح او اشهار السلاح
فأقول: صحيح كلامك، وأتفق في هذا معك جدا، بل هو مذهب سلفنا الصالحين والعلماء المتبعين. وإن الخروج هو مذهب الخوارج – كلاب أهل النار – إلا أنه – وللأسف – كثير من الناس يظنون أن الخروج هو الخروج بالسيف فقط، وقد أساءوا الفهم. بل الخروج ودواعيه مما لا يجوز في ديننا الحنيف. ويُسمَّى أهل الخروج بغير السيف وإنما بالكلمة: الخوارج القعدية (بنصب المهملة الأولى). الذين يهيجون الناس على حكامهم.
هم صحيح لا يخرجون بالسلاح، وإنما يحثون الناس على بُغض إمامهم، وذِكْره بالمعايب والمساويء مما ينتج عنه الخروج الأصلي.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَات؛ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» انظر صحيح الجامع
وأخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ستكون أثرة، حكام يؤثرون أنفسهم عليكم في أخذ حطام الدنيا (وأمورا تنكرونها) – حكام عندهم معاصي ومنكرات– قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدونالحق الذي عليكم، وتسألون اللهالذي لكم»
ففي الحديث ترى قوله عليه الصلاة والسلام: «فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق بين أمة محمد» يدل على زجر من فارق الجماعة وفرَّق الأمة على أمر اجتمعوا عليه. وليس بالضرورة أن يفرق الرجل بين جماعة بسلاح، بل كما يكون التفريق بسلاح، فيمكن لشخص بكلمة أن يفرق بين أمة بأسرها كما هو معلوم ومحسوس ومُشَاهد.
وما رأيك في رجل جلس في درس يلقيه على الناس فطعن على ولاة الأمر وذكر معايبهم فماذا يفعل الناس بعد هذا؟! يجتمعون على إمامهم أم يختلفون عليه؟ بل وقد يخرجون لسبه وطعنه كما هو حاصل؟! فهذا الذي سبّ وحضّ دعا إلى الخروج وهو قاعد؛ فسماه العلماء خارجي قعَديٌّ.
وماذا لو خرجت طائفة تسب الإمام وتذكر معايبه ومساويه وتؤلب الناس عليه؟ ما حال الناس وموقفهم من هذا؟! لاسيما إذا وقع بسبب هذا فتنة؛ فتحصل مظاهرة، يسبون فيها ولي الأمر الذي أُمِرنا أن ندعو له بدلا من السب والدعاء عليه! ويحصل فيها كذلك الاختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل التحرش، ويحصل سفك الدماء، واستباحة الأموال…وغير ذلك من مفاسد نحن في غنى عنها إن أطعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه؛ فليصبر» رواه مسلم.
أُمِرنا بالصبر، ولم يقل من رأى من أميره شيئا يكرهه فليخرج!، ويطلب، ويسب، ويغتاب حاكمه وغير ذلك.
ثم تأمل قوله عليه الصلاة والسلام: إلا مَنْ وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنّ يدا من طاعة» رواه مسلم في صحيحه
لم يقل: فليغير، بل قال فليكره – يعني بقلبه – ثم لا ينزعن يدا من طاعة.
أما من أراد أن يغير المنكر وينصح للسلطان فله شروط كما قلت أنت، ولكن دعني أذكر لك هذه الشروط من كلام الذي لا ينطق عن الهوى حيث قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَمِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ» رواه الإمام أحمد في مسنده
تأمل: «فلا يبده علانية»، لِمَا في ذلك من مفاسد عظيمة، ولما للسلطان من قدر؛ فهو ولي أمر ليس كعامة الناس، وقد أَمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُنْزِل الناس منازلهم.
وتأمل كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «وإلا كان أدى الذي عليه له».
فليس كل من نهيته بالضرورة ينتهي، وليس كل من أمرته يطيع؛ هذه طبيعة البشر إلا من رحم الله، قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْعَلَيْكَ إِلا الْبَلاغ}
والحاكم إن وُعِظ ولم يتعظ فقد أديت ما عليك كما قال النبي الأمين، ولم يقل إن لم يأتمر؛ فاخرجوا، واذهبوا إليه، وغير ذلك. لما في ذلك من مفاسد عاينَّاها.
قال النووي في «شرح صحيح مسلم» عند حديث «ستكون أثرة»: فيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالما عسوفا؛ فيُعطَى حقه من الطاعة، ولا يُخرج عليه، ولا يُخلع، بل يُتضرع من الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره وإصلاحه.
هل تأملت قوله: ولا يُخْلَع؟! فأين هؤلاء من مطالبتهم الحاكم بالتنحي وترك منصبه؟!
وأين هم من طاعته حينما أمرهم بالرجوع لبيوتهم وتركهم للميدان؟!
وأين هم من عدم سبه، وغيبته وتصويره بصور لا تليق ؟! بل هناك من كفَّره والعياذ بالله.
فأي عقوبة من الله لنا بعد أن نفعل هذا بإمامنا؟!
ومَن مِن الصحابة خرج وتظاهر ليطلب من الحجاج بن يوسف حقا من الحقوق؟!
وما أمْر أحمد بن حنبل من فتنة خلق القرآن ببعيد، حيث سجَنهُ الولاة وعذَّبوه وجلدوه، وكانوا يقولون بقول من أقوال الكفر!
فلو كان أحمد صاحب هوى لتأول أحاديث رسول الله بما تهواه نفسه لينتصر لها، ولكنه رحمه الله يعلم أن الولاة يشوبهم الجهل والهوى والبطانة السيئة إلا من رحم الله منهم؛ فعرف ذلك وتفطن له، وحسب حسابه ولم يكفر الولاة، بل ولم يأمر الناس بالخروج عليهم، ولم يسبهم أو حتى يذكر معايبهم ومساوئهم، مع أنهم كانوا ينشرون كلمة الكفر ويفرضونها في الكتاتيب، والأماكن، بل ويمتحنون العلماء!
فإني سائلك، أيهما أشنع وأفظع، القول بخلق القرآن أم أخذ أموال الناس وأكل حقوقهم وتعذيبهم؟!
الجواب: كلاهما شنيع فظيع، ولكن ليس أشنع وأعظم وأجرم من إنكار صفات الله جل وعلا، ذلك لأن الإيمان بأسماء الله وصفاته ركن ركين، وأصل أصيل من أصول التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
قال الحارث الصائغ: سألت أحمد بن حنبل في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قومٌ بالخروج، فقلت: يا أبا عبد الله، ما ترى في الخروج مع هؤلاء؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: “سبحان الله! الدماء الدماء! لا أرى ذلك ولا آمر به. الصبر على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم. أما علمت ما كان الناس فيه؟! – يعني أيَّام الفتنة – قلت: والناس اليوم، أليسوا هم في فتنة يا أبا عبد الله؟! قال: “وإن كان، فإنَّما هي فتنةٌخاصَّة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة، وانقطعت السبل؛ الصبر على هذا ويسلملك دينك خير لك”.
يقول الحارث: ورأيته ينكر الخروج على الأئمَّة وقال: “الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به”.
وقيل للإمام أحمد بالخروج؛ فنفض يديه وقال: إياكم والدماء، وأَخَذَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر».رواه مسلم
أما استدلالك بحديث: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام الي الحاكم فأمره ونهاه فقتله).
فلا أدري لماذا أغفلت كل ذاك واستمسكت بهذا الحديث؟ فهل تريد من كل مسلم منّا أن يذهب ويقول ما يراه هو حق! ثم نعدّه شهيدًا؟!
ثم أين أنت من فقه السلف وبُعد نظرهم؟! أفي مثل هذه المناسبة يَحسن أن تذكر هذا؟!
تأمل قول البخاري حيث بوب بابًا في صحيحه فقال: باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: ترك فعل الشيء المختار أو ترك الإعلام به.اهـ
ثم بوب البخاري أيضًا فقال: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا.
ثم ذكر حديث معاذ رضي الله عنه حينما قال: أفلا أخبر الناس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: «إذًا فيتّكلوا». ثم أخبر معاذ قبل موته تأثمًا، وذلك أيضًا حينما استقر الإيمان في قلوبهم فلم يخف عليهم من التواكل.
وكان الإمام أحمد يُخفِي أحاديث ظاهرها الخروج على الولاة في أيام الفتنة حتى لا يسيء الناس فهمها فيخرجون على ولاتهم.
فكان لازامًا عليك أن لا تُظهر مثل هذا في وقت كهذا
أما قولك: ان التجمع من اجل المطالبه بالحقوق المشروعة دون تخريب فهذا من
المطالب الشرعية ولكن انتهجم البلطجية وقوات الامن تريد قتلك فماذ تفعل؟
فأقول: نعم، لو كلفوا منهم مجموعة من العاقلين الناصحين الحكماء ليذهبوا للسلطان بأدب للمناصحة سرًّا فهذا أمر مطلوب، بل واجب.
لكن هل فعلوا ذلك؟! أم خرجوا علانية وسبّوا حاكمهم، وأساءوا الأدب معه؟ ووصفوه بأسوء الأوصاف؟! وقد بينتُ آنفًا وجوب المناصحة سرًّا من كلام النبي الأمين؛ حينما قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية»فانظره.
أما سؤالك: لو ذهب السلطان وعُمَّاله من القوات الأمنية ليعذبوا الناس ويقتلوهم.
فأولا: إنْ أمَر السلطان بقتل هؤلاء الخارجين؛ فهذا حق له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فاضربوا عنقه كائنًا من كان» فهم فرقوا الأمة وشتتوا جماعة المسلمين ووجبت عليهم العقوبة التي ذكرها الرسول في حديثه.
وثانيًا: ليس لك إلا أن تصبر لقوله صلى الله عليه وسلم: اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك. رواه مسلم.
ثم لماذا دائمًا نتهم غيرنا وننسى عقوبة الله لنا بذنوبنا؟!
فما سلط الله الذل والهوان على قوم إلا عقوبة منه على تفريطهم. كما قال سبحانه: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}
أما البلطجية الذين ذكرتهم وخروجهم على المنازل لسرقتها وانتهاك حرمتها فهؤلاء يجب دفعهم ابتداءً وإلا قتلهم.
فإن قتلوا أحدًا فنحسبه إن شاء الله شهيدًا، وإن قتلهم أحد فهم في النار.
وما أظن تلك العقوبات والمصائب التي ألمّت بنا إلا من تفريطنا فيما أُمِرنا به من طاعة وعدم خروج، وما ظلم حكامنا إلا بذنوب عظيمة؛ فسلط علينا من يذلنا لنرجع لديننا.
وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»
فمن من المسلمين اليوم لا يتبايع بالعينة؟!! وهو نوع من أنواع الربا مشهور يتعامل به كثير من الناس اليوم من حيث لا يدرون؟! مَن مِن المسلمين لا يسعى وراء المال وقصّر في دينه ورضي بالزرع والحرث والمعيشة المرفهة التي طغت على كثير من واجباته الدينية؟! كل ذلك إلا من رحم الله
نعم، هناك أناس مستقيمون لا ننكر هذا، لكن: قالت عائشة للرسول: أنَهلَكُ وفينا الصالحون؟! فقال الرسول الكريم: نعم، إذا كثُر الخبث!!.
وذلك الذل والهوان أيضًا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» مَن مِن هؤلاء الشباب – فضلا عن غيرهم من عامة المسلمين – لا يتبع سنن اليهود والنصارى؟!! في أعياد ميلادهم، في سماعهم للغناء والفجور، في لباسهم وطريقة كلامهم؟!!
فالفرار إلى الله، والتوبة والإنابة، والإقلاع عما نحن غارقون فيه.
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
ثم إني لأتعجب كل العجب مما تسمونه مطالب شرعية! فلماذا النظر كل النظر للدنيا والأموال والمعاش وغير ذلك من الزوائل؟!
هل طلبوا تغيير الدستور في عقوبة الزناة، وشاربي الخمر وإغلاق محلاتها وغير ذلك من حدود شرعية؟!
أم هي الأموال التي فتنت الكثير، وفرقت الأمم والشعوب؟!
وفي النهاية لن يرفع الله عنا كل هذا إلا بتوبة نصوح، وطاعة للولي المسلم.
فقبل أن نسأل حقنا فلابد أن نؤدي الحق الذي علينا من طاعة وإذعان وصبر على الجور، ونصيحة بالمعروف بغير حدوث منكر.
وأخيرًا لا يفوتني أن أذكر أقوال أهل العلوم والخبرات من العلماء الأكابر:
قال الفضيل بن عياض: لو كانت لي دعوةٌ مستجابة، لم أجعلها إلاَّ في إمام ـ أي: الحاكم ـ لأنَّه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد”.
وقال سفيان الثوري فيما أملاه على شعيب بن حرب: يا شعيب، لا ينفعك ما كتبت حتَّى ترى الصلاة خلف كلِّ بر أو فاجر ـ يعني من الأمراء ـ والصبر تحت لواء السلطان، جار أم عدل.
وقال أحمد بن حنبل في عقيدته التي نقلها عنه عبدوس بن مالك العطَّار:ولا يحلُّ قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس، فمن فعل ذلك، فهو مبتدعٌ على غير السنَّة والطريق.
فتأمل كيف فرق الإمام أحمد بين القتال والخروج دون قتال – يعني المظاهرات – !!
وقال الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وَإِنْ جَارُوا، وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ – عز وجل – فَرِيضَةً، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاةِ.
وقال ابنُ حَجَرٍ رَحمه الله: قَدْ أجمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ المتَغَلبِ، والجِهَادِ مَعَهُ، وأنَّ طَاعَتَهُ خَيرٌ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيهِ، لما فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وتَسْكينِ الدَّهْمَاءِ.
تأمل هنا أيضًا كيف فضّل الطاعة على الخروج!!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المشهور من مذهب أهل السنَّة أنَّهم لا يرون الخروج على الأئمَّة وقتالهم بالسيف، وإن كان فيهم ظلم، كما دلَّ على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن تيمية –رحمه الله- أيضًا: لعلَّه لا يكاد يعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطان إلاَّ وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ”
قلت: وصدق شيخ الإسلام؛ فما عرفنا من فساد حصل إلا حينما خرج الخارجون.
وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: الإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم أساس كلِّ شرّ، وفتنةٌ إلى آخر الدهر… ومن تأمَّل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطُلب إزالته، فتولَّد منه ما هو أكبر منه”.
تأمل أقوالهم جميعًا فلن تجد إلا الصبر، الطاعة، التوبة.
وبيننا وبينك القرآن والسنة وأقوال السلف.
ولا تكن ممن أعياهم الحديث فذهبوا للرأي.
فإن أتيت بما يجوّز الخروج من القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة؛ فإني معك.
وإن لم تجد فيلزمك ما لزمناه واتبعناه، حتى لا يسألك الله عز وجل.
وأسأل الله أن يصلح أحوالنا، ويفك كربنا، وأن يتوب علينا، ويصلح ذات بيننا.
انتهى الحوار الذي دل على ما يدور في خلد أولئك، وكما رأيتم فالحجج واهية، والرؤوس بالية؛ نسأل الله العافية.
ثم حصل حوار آخر مع أحدهم ولا حاجة لذكره كله لحقارة ما تكلم به، ولكن مما قاله لي حينما استدللت عليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»
فقال: هذا حديث أشك في صحته؛ فليس كل ما جاء عند البخاري ومسلم لابد أن نذعن له ونسلم له، وإنما لابد من إعمال العقل، وهذا الحديث يخالف العقل تماما ولا يصح سندا ولا متنا، لأن متنه يخالف العقل؛ إذ كيف لنا أن نسلِّم لحديث يقول اسمع وأطع لمن ضربك وأخذ مالك؟!
فلما هممت بالرد عليه رفع صوته وشوش عليَّ، ولم يُرِد أن يسمع
وهذا الشخص أنموذج من غيره الكثير والكثير جدا – مع الأسف –
ثم حاورت غيره الكثير؛ فكان منهم المؤيد والمعارض والمتوقف، ومنهم من رجع من الاعتصام والمظاهرة وعاد لبيته، والحمد لله.
فحي على الدعوة إلى التوحيد والسنة يا أهل السنة؛ فالناس والله بحاجة لهذا أشد من طعامهم وشرابهم.
وقانا الله وإياكم شرار الفتن ما ظهر منها وما بطن
وكتب
أبو مارية أحمد بن فتحي
3 ربيع أول 1432 هـ – 7 فبراير 2011 م
مدينة الشيخ زايد – 6 أكتوبر
مصر