خاطرة في التقلب والتحير والاضطراب
التقلب والاضطراب ليس في هذا العصر فحسب؛ بل وجدته في تراجم بعض الأولين، فعلى الإنسان أن يديم الضراعة إلى الله أن يثبته على الحق إلى أن يلقاه.
وإذا كان على منهج باطل أو سار في طريق معوج؛ فلا معنى للمكابرة والعناد والتمسك بالباطل والتضحية بالنفس دونه، ولا غضاضة عليه في هذه الحال أن يراجع الحق ويتبع الهدى ويميت حظوظ النفس وأهواءها فإن الحق قديم.
فإن الثبات يمدح إذا كان على الحق، فيقتدى بأهله ويثنى على صبرهم وقيامهم بتكاليفه، أما الثبات على الباطل فحال صاحبه كحال الماء الآسن الذي لا يتغير، فلا نفع فيه ولا فائدة ترجى منه، بل هو مجمع للآفات الضارة والهوام المفسدة.
ومن أعظم ما يكون به فساد الأديان، تقديس الرجال والغلو في أقدارهم، وجعل أقوالهم بمفردها معايير للحق، فإن هذا من أعظم البلاء الذي فتك بالأمم السابقة فأوقع أحبارها ورهبانها في الشرك بالله وتحليل الحرام وتحريم الحلال والقول على الله بغير علم.
ولا تكون نجاة العبد إلا باستمطار الخير والهدى كله من الله، وأن ينزل العلماء منزلتهم التي أنزلهم الله، فهم أدلاء على الحق، يكشفون مواضعه ويستنبطون معانيه، وليسوا معصومين من الخطأ ولا منزهين عن الإرادات الفاسدة.
ومما يكون به الافتتان والتحير والتغير، الثقة المفرطة بالنفس والاعتداد بالعقل المجرد، وظن الإنسان بقدراته وإمكاناته منزلة لا يمكن له السمو إليها، فبدلا من الرجوع إلى الله والانطراح بين يديه والافتقار الدائم إليه في طلب الحق والاستقامة عليه؛ نجده يتناسى هذا كله، ويأوي إلى ركن غير شديد؛ فيظن أن لديه القدرة على الفصل في النزاعات والحكم في الخصومات بين الفرق والأحزاب المتناحرة لكونه أكثر اطلاعا على المقالات من غيره أو أقدر على استيعاب المسائل المشكلة ومعرفة عوارها ومواضع الدخن فيها، فيكله الله إلى نفسه ويذره سادرا في غيه، ولا يبالي به في أي فيافي وقفار الأهواء يهلك.
شبث بن ربعي التميمي:
كان مؤذنآ لسجاح مؤمناً بنبوتها ثم تاب.
كان من الذين خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه ثم تاب.
أصبح مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتاله مع معاوية رضي الله عنه.
خرج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج ثم رجع.
كان في الجيش الذي أرسله عبيد الله بن زياد لقتال الحسين رضي الله عنه فقتلوا الحسين في الطف.
أصبح من أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي ثم تركه.
أصبح فيما بعد مع الذين قاتلوا المختار الثقفي.
وانضم لمصعب بن الزبير في قتاله للمختار الثقفي.
نسأل الله السلامة والعافية، وأن يعيذنا من مضلات الفتن.
كتبها محمد بن علي الجوني