الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرِّدِ بالكمال والتَّـمام ومدبرِ الليالي والأيام، والصلاة والسلام على أتقى من حج وصام ، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والإكرام ، ومن تبعهم بإحسان على الدوام ، أما بعد يقول جل وعلا (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
عباد الله : تعود بنا الذكريات لطرفة من سيررة رسول ربنا ورحمته لنا ، وفي مثل هذه الأيام ، إنها مسيرة حجه صلوات ربي وسلامه عليه .
وذلك أنه بعد فتح مكة تَتَابَعَتِ الْوُفُودُ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي سَنَتَيْ تِسْعٍ وَعَشْرٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعنة بالإسلام وداخلين في دين الله أفواجاً كما قال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) .
وبعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن ومعه أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما، وبعث الرسل إلى ملوك الأقطار يدعوهم إلى الإسلام.
وانتشرت الدعوة، وعلت الكلمة، وجاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً.
قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منصرفه من تبوك بقية رمضان وشوالا وذا القعدة،
فلما حل موسم الحج أراد الحج – صلى الله عليه وسلم – ولكنه لعدم الطهارة الكاملة للبيت بخلطة المشركين الحجاج ، وتوارد الوفود المسلمة ، أرسل – صلى الله عليه وسلم – الصدِّيق أميراً على الحج سنة تسعة، فخرج أبو بكر ومعه عدد كبير من الصحابة ، وساقوا معهم الهدي ، ليقيم للمسلمين حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم، فخرج أبو بكر والمؤمنون.
قال ابن سعد: فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة، وبعث معه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده
فلما خرج الصديق بركب الحجيج نزلت سورة براءة، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – علياً رضي الله عنه وأمره أن يلحق بأبي بكر الصديق، فخرج على ناقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : العضباء حتى أدرك الصديق أبا بكر بذي الحليفة، فلما رآه الصديق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سارا، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة على قول كثير من أهل العلم ، فخطب الصديق قبل التروية،ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم النفر الأول فكان يعرف الناس مناسكهم: في وقوفهم وإفاضتهم، ونحرهم، ونفرهم، ورميهم للجمرات … الخ وعلي يخلفه في كل موقف من هذه المواقف، فيقرأ على الناس صدر سورة براءة ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة: لايدخل الجنة إلا مؤمن، ولايطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته، ولايحج بعد العام مشرك
وبذلك تم تحرير مكة من كل علاقة بالشرك والمشركين وقطعت كل صلة لها بالخرافة والوثنية .
أتم الجميع مناسك حجهم وعادوا إلى ديارهم .
وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع
رَوَي التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَمَا هَاجَرَ .
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَحُجَّ الْبَيْتَ، وَيَلْقَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُعَلِّمَهُمْ دِينَهُمْ وَمَنَاسِكَهُمْ، وَيُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ، ويُبَلِّغَ الْأَمَانَةَ، وَيُوصِي الْوَصَايَا الْأَخِيرَةَ، وَيَأْخُذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَيَمْحُوَ آثارَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَطْمِسَهَا وَيَضَعَهَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
فسَجَّلَ الرُّوَاةُ الْعُدُولُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلَّ حَادِثَةٍ مِنْ حَوَادِثِهَا الصَّغِيرَةِ تَسْجِيلًا لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِير فِي رِحْلَاتِ مشاهير وعظماء الدنيا
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَجَّةُ الْمُبَارَكَةُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا،
أُذِّنَ فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَاجٌّ هَذَا الْعَامَ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُول اللَّهِ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ .
قَالَ جَابِرٌ -رضي اللَّه عنه-: فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا إِلَّا قَدِمَ
قَالَ جَابِر -رضي اللَّه عنه- وَهُوَ يَصِفُ كَثْرَةَ النَّاسِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ-: فنَظَرْتُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي مَدَّ بَصَرِي، وَالنَّاسُ مُشَاةٌ، وَرُكْبَانٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُلَبِّي ، فكان عدة من خرج معه من المسلمين من أهل المدينة ومن تجمع من الأعراب، أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ حَاجٍّ ، عدا أهل مكة ومن لقيه بها .
وكان خروجه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ وبه جزم ابن القيم وابن حجر وقيل الخميس لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ، بَعْدَ أَنْ ترَجَّلَ وَادَّهَنَ ، وَبَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا .
، وَكَانَتْ نِسَاؤُهُ صلى اللَّه عليه وسلم كُلُّهُنَّ مَعَهُ فِي الْهَوَادِج
فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وبات بها.
دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت والله لا أجدني إلا وجعة فقال لها: حجي واشترطي .. قولي: اللَّهم محلي حيث حبستني” أي أنها إذا تعرضت لمانع ما فإن إحرامها ينتهي مباشرة وتصبح في حل من إحرامها دون ذبح فدي .
ثم سار في طريقه إلى مكة وَكَانَ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَاكِبًا عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ ، وَقَطِيفَةٍ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمٍ ، وفي طريقه رأى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “مَا لَهُ؟ ” قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ مَشْي هَذَا، فَلْيَرْكَبْ”
ومَرَّ بِامْرَأَةٍ، فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ” ، وفِيهِ حُجَّةٌ لجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَجَّ الصَّبِيِّ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَفِي سَرِفٍ قرب مكة حَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الْيَوْمِ الذِي نَدَبَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَصْحَابَهُ إِلَى فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: “مَا يُبْكِيكِ يَا هَنَتَاهُ ؟ “. قَالَتْ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “وَمَا شَأْنُكِ؟ “. قَالَتْ: لَا أُصَلِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “فَلَا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقكِيهَا”
وعند مدخل مكة نزل بـ (ذي طُوى) فبات بها ليلة الأحد،
لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة فدخلها نهاراً من أعلاها، ثم سار، حتى دخل المسجد، وذلك ضحى فطاف وسعى .
وقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه- مِنَ الْيَمَنِ حَاجًّا، ثم قدم أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وقد نَزَلَ صلى اللَّه عليه وسلم بِالْأَبْطَحِ شَرْقِيِّ مَكَّةَ، فَأَقَامَ هُنَاكَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، كُلُّ ذَلِكَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ هُنَاكَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
فلما كان يوم الخميس ضحى، توجه بمن معه من المسلمين إلى منى ونزل بها، وصلى بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر ومكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولاتشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أتى عرفه، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وَهُنَاكَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا يُمَسَّ بِطِيبٍ، وَأَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا .
ثم بات بالمزدلقة، وجمع بين المغرب والعشاء ليلتئذ، ثم
أصبح فصلى الفجر في أول وقتها ، وَفِي مَسِيرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مِنًى أتِاهُ رَجُل فَسَأَلهُ عَنْ أُمِّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي عَجُوزٌ كَبِيرةٌ، وَإِنْ حَمَلْتُهَا لَمْ تَسْتَمْسِكْ، وَإِنْ رَبَطْتُهَا خَشِيتُ أَنْ أَقْتُلَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ؟ “. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “فَحُجَّ عَنْ أُمِّكَ”
ثم سار صلى اللَّه عليه وسلم من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى، فرمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى المنحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنه بيده، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره، ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة، فلما أكمل – صلى الله عليه وسلم – نحره استدعى بالحلاق، فحلق رأسه، وقسم شعره بين من يليه، ثم أفاض إلى مكة راكباً، وطاف طواف الإفاضة فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: أنزعوا بني عبدالمطلب: فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه ثم رجع إلى منى من يومه ذلك ، واختلف أين صلى الظهر يومئذ .
ثم حل من كل شيء حرم منه صلى الله عليه وسلم.
وخطب ثاني يوم النحر خطبة عظيمة أيضاً، ووصى وحذر وأنذر ، وتأخر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، ثم نهض إلى مكة، فطاف للوداع ليلاً سحراً، وأمر الناس بالرحيل، وتوجه إلى المدينة .
ذلكم مختصر مسير حجه صلى الله عليه وسلم ، والذي كان سيلًا بشريًا متدفقًا هادرًا كالرعد يغسل السماء والأرض من عفن الخرافة والوثنية ، رجل كان قبل عشر سنوات يفر مع رفيقه من مكة طريدًا شريدًا باحثًا عن مأوى واليوم يعود إلى مكة بالمهاجرين والأنصار وبالجزيرة العربية كلها ، مشهد يتمنى المرء لو تمتع به ولو للحظات
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله
في مطلع هذه العشر الفاضلات وهي عشر ذي الحجة فيها يوم عرفة الذي قال فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه مسلم عن عائشة قال رسول الله: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة ) وخاتمتها يوم النحر ثم يوم القر اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر)رواه احمد وصححه الألباني من حديث عبدالله بن قرط ، ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر وهو يوم العيد ويوم القر هو الغد منه . وللأعمال الصالحة فيها لها شأن عظيم فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد .
ومن فضائل العشر من ذي الحجة أن فيها صيام يوم عرفة فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لغير الحاج ، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك ، وأما غير الحاج فالمستحب له ألا يترك صيام ذلك اليوم العظيم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلة
ومم ينبغي التنبيه عليه ما ذكره الشيخ ابن باز : أنه ليس في مصادفة عرفة الجمعة أي الوقوف بعرفة يوم الجمعة ميزة خاصة فيما نعلم، ولكن اجتمع خيران فضل يوم
الجمعة وفضل يوم عرفة .
قال ابن القيم رحمه الله :وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة : فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من
الصحابة والتابعين والله أعلم .