الخطبة الأولى:
اللهُ أَكْبَرُ -تسعًا-
اللهُ أَكْبَرُ (1) اللهُ أَكْبَرُ (2) اللهُ أَكْبَرُ (3) اللهُ أَكْبَرُ (4) اللهُ أَكْبَرُ (5) اللهُ أَكْبَرُ (6) اللهُ أَكْبَرُ (7) اللهُ أَكْبَرُ (8) اللهُ أَكْبَرُ (9).
الحمدُ للهِ الذي مَنَّ عَلَيْنَا بشريعةِ الإسلامِ، وَشَرَعَ لَنَا مِن العباداتِ مَا تَحْصُلُ بِهِ القُرْبَى إليهِ وعلوُّ المَقَامِ، ونَحْمَدُهُ أنْ مَنَّ عَلَيْنَا بتيسيرِ الصِّيامِ والقيامِ، وَأَثَابَ مَن فَعَلَهُمَا إيمانًا واحتِسابًا بمغفرَةِ الذنوبِ والآثامِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ذو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أفضلُ مَن تعَبَّدَ للهِ وصَلَّى وصامَ، صلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ عَلَى الحَقِّ واستقامَ، وسلَّمَ تسليمًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أمَّا بعدُ:
فإِنَّ يومَكُمْ هذَا هُوَ عيدُ الفِطْرِ، وهوَ أحَدُ عيدَيْ الإسلامِ، وإنَّ إظهارَ الفَرَحِ فيهِ مِن تعظيمِ شَعَائِرِ اللهِ، قالَ سبحانهُ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32] فأَظْهِرُوا فيهِ التَزَاوُرَ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ، وأَظْهِرُوا فيهِ التَّهَانِي والتَّهَادِي، وأَظْهِرُوا فيهِ الاجتماعَ والفَرَحَ والسُّرُورَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إِنَّ العيدَ فُرْصَةٌ لازْدِرَاءِ النَّفْسِ وإِخْزاءِ الشيطانِ بِصِلَةِ الأرحامِ مَعَ مَن بينَكَ وبينَهُ عداوةٌ مِن الأقارِبِ، سواءٌ كانوا مِن الإخوانِ أو الأعمامِ أو الخالاتِ، أو كانوا مِن الجيرانِ والزُّمَلاءِ، فإنِّ مِن أعظَمِ مَزَايَا العيدِ أنهُ فُرصَةٌ لئلَّا ينساقَ وراءَ شهواتِ النَّفسِ الأمَّارَةِ بالسُّوءِ ولئلَّا يُنتَقَمَ مِنها مِمَّنْ أخطَأَ عليها مِن قريبٍ، فهوَ فُرصَةٌ للتسامُحِ، فُرصَةٌ للعَفْوِ لِلفوزِ بعفوِ اللهِ ومَغفِرَتِهِ، قالَ سبحانهُ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22].
وقَدْ ذَمَّ اللهُ قطيعةَ الرَّحِمِ فقالَ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22] ورَوى البخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ».
إِنَّ مِن المصائِبِ العُظمَى والطَّوَامِّ الكُبرَى أنْ يقطَعَ الرجلُ رَحِمَهُ في أُمِّهِ أو في أبيهِ، أو في أخيهِ أو في أُختِهِ، وعَمِّهِ وعَمَّتِهِ أو خالِهِ أو خالتِهِ لأجلِ حُطَامِ دُنيا زائلةٍ، أو انتقامٍ لنَفْسٍ أمَّارَةٍ بالسُّوءِ، يا هذَا أَفِقْ فإِنَّكَ قَدْ تموتُ قَبْلَهُم فَتَموتُ وَقَدْ تَلَطَّخْتَ بالآثامِ، أو يموتونَ قَبْلَكَ فتَندَمٌ وتَتَحَسَّرْ عَلَى قَطِيعَتِهِم وأنكَ لم تصلحْ ما بينكَ وبينَهمْ.
يا هذَا اتَّقِ اللهَ في أُمِّكَ وأَبيكَ وعَمِّكَ، إنَّ الأمرَ عظيمٌ وإنَّ الخَطْبَ جَسِيمٌ، فاجْعَلِ العيدَ فُرْصَةً لِلتَّصَافِي، وَلَا تَظُنَّنَّ مُبادَرَتَكَ بالصَّفْحِ والصِّلَةٍ نَقْصًا وَلَا ذُلًّا كَمَا يُصَوِّرُ لَكَ الشيطانُ ونَفسُكَ الأَمَّارَةُ بالسُّوءِ، وإِنَّمَا هوَ العِزُّ الحقيقيُّ والانتصارُ الكبيرُ؛ لأنَّكَ قَدْ تَغَلَّبْتَ على هواكَ، وَعَلى حظُوظِ نَفْسِكَ، وَعَلى عدُوِّكَ الأكبرِ الشيطانِ، وفُزْتَ بِرِضَى الرحمنِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إِنَّهُ يَصِحُّ التَّهَانِي في يومِ العيدِ بِكُلِّ مَا جَرَتْ بِهِ العاداتُ مِن الألفاظِ الطَّيِّبَةِ والألفاظِ الحَسَنَةِ، وأحسَنُ ذلكَ ما ثبتَ عن صحابةِ رسولِ اللهِ ﷺ وهو قولُ: ” تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ “، قالَ ابنُ حَجَرٍ: ” وَرُوينَا في المَحَامِلِيَّاتِ بِإِسنادٍ حَسَنٍ عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قالَ: كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ إِذَا الْتَقَوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ “.
فَهَنِّئوا بِكُلِّ مَا جَرَتْ بِهِ العاداتِ، واحْرِصُوا عَلَى ألا تتركوا مَا كانَ يُهنِّئُ بِهِ أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ بعضُهُمْ بعضًا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إِنَّهُ ليسَ في الإسلامِ إِلَّا عيدانِ، عيدُ الفِطْرِ وعيدُ الأضحَى، رَوَى أبو داودَ والنَّسائيُّ عن أنسٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ المدينةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يلعبونَ فيهِمَا، فقالَ: «مَا هذانِ اليومَانِ؟» قالوا: كُنَّا نَلْعَبُ فيهِمَا في الجاهِليَّةِ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أبدَلَكُمْ بِهِمَا خَيرًا مِنهُمَا: يَومُ الأضحَى، ويَومُ الفِطْرِ».
فَلَيْسَ في الإسلامِ عيدُ الميلادِ، وَلَا عيدُ الحُبِّ، وَلَا عيدُ الكريسماسِ، وَلَا عيدُ رأسِ السنةِ، وَلَا عيدُ الإسراءِ والمِعراجِ، وَلَا احتِفالٌ بمرورِ عشرينَ سنةٍ على تأسيسِ شركةٍ أو غير ذلكَ، فإِنَّ كُلَّ هذهِ الأعيادِ محرمةٌ وإِن سُمِّيَتْ بغيرِ اسمِها، فإنَّ تغييرَ الأسماءِ لا يُغيِّرُ الحقائقَ والأحكامَ، فتسميةُ الخمرِ بالمشروبِ الرُّحِيِّ لا يجعَلُها حلالًا وَلَا مُباحَةً.
الخطبة الثانية:
اللهُ أَكْبَرُ -سبعًا-
اللهُ أَكْبَرُ (1) اللهُ أَكْبَرُ (2) اللهُ أَكْبَرُ (3) اللهُ أَكْبَرُ (4) اللهُ أَكْبَرُ (5) اللهُ أَكْبَرُ (6) اللهُ أَكْبَرُ (7).
الحمدُ للهِ لَا مَانِعَ لِمَا أعطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَهْ، شَرَعَ لِعبادِهِ العيدَينِ لِيُكَبِّروهُ ويَشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ، ولِيَتوسَّعوا بالفَرَحِ والمُباحاتِ تعظيمًا للهِ وشعائِرِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له ولا نِدَّ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ المبعوثَ بخيرِ مِلَّةٍ، أمَّا بعدُ:
فإِنَّ العيدَ يومُ شُكْرٍ وَحَمْدٍ، قالَ تعالَى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185] لَا يومُ معصيةٍ وذَنْبٍ، فَلَا تَجعَلْ أيَّامَ الأعيادِ أيَّامَ معصِيةٍ بِسماعِ الغِناءِ المصحوبِ بالمَعَازِفِ، أو بالاختلاطِ المُحرَّمِ، أو بالتبرُّجِ والسُّفُورِ، بَلْ اجْعَلْ يومَ العيدِ يومَ شُكْرٍ وحَمْدٍ للهِ.
اللهُمَّ إِنَّا نَحْمَدُكَ وبالتَّوحيدِ نُفْرِدُكَ أنْ مَنَنْتَ عَلَينَا بإِدراكِ العيدِ بأَمْنٍ وأَمَانٍ، اللهُمَّ إِنَّا نَحْمَدُكَ على إِكمالِ رَمَضانَ، ونسأَلُكَ كَمَا أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا بصِيامِهِ وَقِيامِهِ أنْ تَمُنَّ عَلَيْنَا بقَبُولِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إنَّهُ قَدْ قَلَّ التَّنَاصُحُ بينَنَا وَقَلَّ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكرِ، قالَ سبحانهُ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104] وقالَ سبحانهُ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
ورَوَى مسلمٌ عن أبي رُقيَّةَ تميمٍ بنِ أوْسٍ الدَّارِيِّ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
فَمَا الذي يَمنَعُكَ أنْ تنصحَ وأنْ تُظهرَ النصيحةَ والأمرَ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ في المجتمعاتِ والأُسَرِ والطُّرُقاتِ والتَّجَمُّعاتِ؟ إنهُ -وللهِ الحمدِ- لَا مانِعَ مِن ذلكَ، ونحنُ في دولةِ توحيدٍ وسُنَّةٍ تُعِزُّ أهلَهَا، لكن بالتي هيَ أحسنُ لِلتي هيَ أقوَمُ، فإنْ قُبِلْتَ منكَ النصيحةُ فهذهِ نعمةٌ -وفي الغالبِ لَنْ تُواجهَ إِلَّا بخيرٍ فإنَّ في الناسِ خيرًا- وإنْ لمْ تقبلْ فاصْبِرْ، قالَ سبحانهُ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17].
فاتَّقُوا اللهَ وانْشُروا التَّناصُحَ والأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المُنكرِ، اتَّقُوا اللهَ لَا يَمنعَنَّكُمْ مِن ذلكُمْ الحياءُ، وتذكَّرُوا أنَّ ورَاءَكُمْ يومًا عظيمًا تشيبُ فيهِ مِن هولِهِ مَفَارِقُ الصِّبيانِ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى الناسَ سُكارَى وما هُم بِسُكارَى ولكنَّ عذابَ اللهِ عظيمٌ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
أيُّهَا الرجالُ، إِنَّكُمْ القَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، قالَ سبحانهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34] فَأَنْتَ القَيِّمُ والقَائِمُ عَلَى مَن تحتَ يَدِكَ مِن النساءِ، سواءٌ كانَتْ زوجَةً أو بِنْتًا، فاتَّقِ اللهِ في سِتْرِها، واتَّقِ اللهَ في حِشْمَتِهَا، واتَّقِ اللهَ في حيائِهَا، اتَّقِ اللهَ فيهَا، فإنَّكَ عَنها مسؤولٌ، وغدًا بينَ يدَي اللهِ موقوفٌ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
يا أمَةَ اللهِ، اتَّقِي اللهَ في سِتْرِكِ، اتَّقِي اللهَ في حِشْمَتِكِ، اتَّقي اللهَ في حيائِكِ، اتَّقِي اللهَ واعْلَمِي أنَّ سِتْرَ وَجْهِكِ مَطْلَبٌ شَرعِيٌّ وَحُكْمٌ إِلَهِيٍّ لا عاداتٌ تتغيرُ أو تقاليدُ تتبدلُ، وأَشَدُّ مِن ذلكَ سَتْرُ الرَّأسِ، فإنَّ كَشْفَهُ مُصيبَةٌ عُظْمَى وَبَلِيَّةٌ كُبْرَى، وَقَدْ أجْمَعَ العلماءُ عَلَى وُجوبِ سَتْرُ الرَّأسِ وألَّا يَخرُجَ مِن الشَّعْرِ وَلَو قليلًا، قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59] وقالَ سبحانهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
يا أمَةَ اللهِ إِلى مَتَى تُقدِّمِينَ مُسايَرَةَ الناسِ وتقليدَهُم على طاعةِ رَبِّكِ ومَولَاكِ ومَن بيدِهِ فَلَاحُكِ وَهَلَاكُكِ؟ إلى مَتَى تَتَساهَلِينَ بالحِجابِ المُطرَّزِ والمُزَخرَفِ والمُزيَّنِ مُتابَعَةً للآخرينَ؟ أينَ العِزَّةُ الدِّينيَّةُ؟ أينَ الاعتِزازُ بِطاعةِ اللهِ ورسولِهِ؟ أينَ الاعتِزازُ بالحَيَاءِ الذي هوَ أعظَمُ زينةٍ للمرأةِ؟
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إِنَّ مِن أعظَمِ النِّعَمِ الدُّنيويَّةِ نِعمةَ الأمنِ، فبالأمنِ تَصلُحُ الدُّنيا والدِّينُ، وبالأمنِ تُستَلَذُّ الحياةُ وتُسْتَعْذَبُ، وَقَدْ امتَنَّ اللهُ على كفارِ قريشٍ بالأمنِ فقالَ: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 4] وقالَ سبحانهُ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].
فَزَوالُ هذِهِ النِّعمةِ -إِذا شاءَ اللهُ أنْ تزولُ- سريعٌ للغايةِ، وخُذُوا العِبرَةَ مِن غيرِكُم، كانُوا في رمضانَ الماضي يجلسونَ على مائدةِ إفطارِهِم وفيها مَا لَذَّ وطابَ وتعَدَّدَ وتَشَكَّلَ مِن أصنافِ الطعامِ، مَع أفرادِ أُسَرتِهم، بَلْ وَمَع أُسَرِهِم، وفي هذا الرَّمضانِ لا يكادُ يجدونَ صِنفًا واحدًا، وَمَن وجدَهُ فهو الغنيُّ، أمَّا الأُسرةُ فتفرَّقَتْ ما بينَ قتيلٍ وشَرِيدٍ، فاحْمَدُوا اللهَ على نعمةِ الأمنِ، وأعظَمُ سبَبٍ لِثباتِ الأمنِ تركُ الذنوبِ والمعاصِي، فهِيَ الشُّؤْمُ كُلُّهُ، ثُمَّ الالتِفاتُ حولَ وُلاةِ الأمرِ كَمَا أمَرَتْ الشريعةُ، للمصالِحِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويةِ، فَلَا ترضَى بالمُظاهراتِ وبالثوراتِ، وَلَا تَرْضَى بالقَدحِ في وُلاةِ الأمرِ؛ لأنهُ معصيةٌ للهِ وهوَ أوَّلُ شرارةِ فسادٍ، فالنَّارُ العظيمةُ مِن مُستصغَرِ الشَّرَرِ.
ومِمَّا نَحمَدُ اللهَ عليهِ أنَّ نعمةَ الولايةِ في بَلَدِنا نِعمةٌ عظيمةٌ يَحْسُدُنا عليها المسلمونَ، بَلْ وكثيرٌ مِن الكافرينَ، فَقَدْ جَمَعَتْ بينَ الدِّينِ والحِكمَةِ والحَزْمِ والرَّحْمَةِ وإِرَادَةِ نَفْعِ النَّاسِ وإِصلاحِ دينِهِم ودُنياهُم، والكمالُ عَزيزٌ في حَقِّ الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ، لكِنَّنَا في نِعمةِ وِلايَةٍ تَفْقِدُهَا أَكْثَرُ دُوَلِ الأرضِ.
رَوَى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابنِ عباسٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وَرَوى الإمامُ مسلمٌ عن عوفِ بنِ مالكٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».
وَرَوى مسلمٌ عن ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ.
إِنَّ مِمَّا كانَ يفعَلُهُ نبيُّكُمْ محمدٌ ﷺ في يومِ العيدِ أنهُ إذا جاءَ مِن طريقٍ رَجَعَ مِن طريقٍ آخرَ، عن جابرٍ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: ” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ“.
وكانَ يأكُلُ تَمَرَاتٍ وِتْرًا قَبْلَ خُرُوجِهِ لِصلاةِ عيدِ الفِطْرِ، رَوَى البخاريُّ عن أنسٍ -رضي الله عنه- قالَ: “ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ“، وفي رِوايَةٍ: ” وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا “.
واجْتَهِدوا -رَحِمَكُم اللهُ- علَى إِتْبَاعِ الحسنَةِ بالحَسَنَةِ، فصومُوا سِتَّةَ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ اتِّباعًا للسُّنَّةِ وتَكْمِيلًا لِنَقْصِ رَمَضانَ، عن أبي أيُّوبَ الأنصارِيِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواهُ مسلمٌ.
أسألُ اللهَ أنْ يجعَل أيَّامَنَا أعيادًا، وأنْ يُعيدَ عَلَينَا العيدُ في عِزٍّ للإسلامِ والمسلمينَ، وفي أَمْنٍ وَرَخاءٍ، وأُلفَةٍ واجتِمَاعٍ، وقوَّةٍ وتَقَدُّمٍ لَنَا وللمسلمينَ أجمعينَ.
اللهُمَّ أسعِدْنَا بِتقواكَ، وأَقِرَّ أعيُنِنَا بدخولِ الجنَّةِ والنَّجاةِ مِن النَّارِ …