الخُطْبَةُ الأُولَى:
(1) اللهُ أَكْبَرُ، (2) اللهُ أَكْبَرُ، (3) اللهُ أَكْبَرُ، (4) اللهُ أَكْبَرُ، (5) اللهُ أَكْبَرُ، (6) اللهُ أَكْبَرُ، (7) اللهُ أَكْبَرُ، (8) اللهُ أَكْبَرُ، (9) اللهُ أَكْبَرُ.
الْحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدَ الرَّاضِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى إِمَامِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَقَائِدِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّائِمِينَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ جَبَرَ اللهُ كَسْرَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ بِفِرَاقِ سَيِّدِ الشُّهُورِ رَمَضَانَ بِأَنْ شَرَعَ يَوْمَ فَرَحٍ هُوَ عِيدُ الْفِطْرِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
فَهُوَ يَوْمُ فَرَحٍ، فَأَظْهِرُوا الْفَرَحَ وَالِابْتِهَاجَ وَالسُّرُورَ وَالتَّهْنِئَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ يَوْمُ شُكْرٍ، فَأَظْهِرُوا فِيهِ مَعَالِمَ الشُّكْرِ مِنَ الْفَرَحِ الْمُبَاحِ، لَا الْفَرَحِ الْمُحَرَّمِ مِنَ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، أَوْ تَبَرُّجٍ وَغِنَاءٍ بِالْمُوسِيقَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ثَبَاتَ النِّعَمِ بِالشُّكْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].
وَقَدْ أَظْهَرَ الصَّحَابَةُ التَّهْنِئَةَ، فَكَانَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَيْنَا فِي “الْمُحَامَلِيَّاتِ” بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ».
فَمَا أَحْسَنَ التَّهْنِئَةَ بِمَا كَانَ يُهَنِّئُ بِهِ الصَّحَابَةُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، مَعَ زِيَادَةِ مَا دَرَجَ مِنْ تَهْنِئَةٍ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ الَّتِي مَرْجِعُهَا لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
إِنَّ يَوْمَ الْعِيدِ فُرْصَةٌ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، فَمَا أَعْظَمَ ثَوَابَ وَبَرَكَةَ صِلَةِ الْأَرْحَامِ! عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الْآثَامِ قَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22].
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.
إِنَّ يَوْمَ الْعِيدِ فُرْصَةٌ لِتَجْدِيدِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَتَرْكِ الْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ، لَاسِيَّمَا مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَقَارِبِ، فَإِنَّ الْمَالَ وَحُظُوظَ الدُّنْيَا وَالِانْتِقَامَ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْأَوْلَادِ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلِاخْتِلَافِ وَالْبَغْضَاءِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَأَصْحَابِ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُتَشَاحِنُونَ! تَصَافَوْا اغْتِنَامًا لِلْأَجْرِ، وَرَاحَةً لِلْبَالِ، فَلَا يُدْرَى مَتَى يَهْجُمُ الْمَوْتُ عَلَى أَحَدِكُمْ فَيَنْدَمُ الْآخَرُ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَاخْتِلَافِهِ مَعَ صَاحِبِهِ. وَإِنَّ أُلْفَةَ الْقُلُوبِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
(1) اللهُ أَكْبَرُ، (2) اللهُ أَكْبَرُ، (3) اللهُ أَكْبَرُ، (4) اللهُ أَكْبَرُ، (5) اللهُ أَكْبَرُ، (6) اللهُ أَكْبَرُ، (7) اللهُ أَكْبَرُ.
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ نِعْمَةَ التَّوْحِيدِ، وَظُهُورَ السُّنَّةِ، وَانْتِشَارَ الْأَمْنِ، مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَشْعِرَهَا، وَأَنْ نَتَذَكَّرَهَا مَا بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ، وَأَنْ نُرَبِّيَ أَبْنَاءَنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نِعْمَةِ الدِّينِ الرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِمْ، وَأَنْ نَقِفَ سَدًّا مَنِيعًا لِمَنْ أَرَادَ انْتِقَاصَهُمْ وَالْقَدْحَ فِيهِمْ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْأَمْنِ الِالْتِفَافُ عَلَى الْوُلَاةِ، وَطَاعَتُهُمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى كُلِّ مُنَازِعٍ وَمُشَاقٍّ لَهُمْ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ؛ فَإِنَّ النَّارَ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ.
وَلِأَهَمِّيَّةِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ، فَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ فِي تَقْرِيرِهِ وَالْأَمْرِ بِهِ:
– عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
– وَعَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
– وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الِالْتِفَافِ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ: قُوَّةُ الْبَلَدِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، سَوَاءٌ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ رَوَافِضَ أَوْ صُوفِيَّةً أَوْ غَيْرَهُمْ. فَاحْرِصُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ الْعَظِيمِ الَّذِي أَكَّدَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَكَرَّرَهُ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلَيْهِ.
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَعْيَادَنَا أَيَّامَ فَرَحٍ وَشُكْرٍ، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا رَمَضَانَ وَأَعِدْهُ عَلَيْنَا أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَأَزْمَانًا مَدِيدَةً.