إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله، واعلموا أن من أصول الإسلام العظيمة التي أمر الله بها: أصل لزوم الجماعة وترك التفرق والاختلاف، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}، والاعتصام بهذا الأصل أمر رضيه الله لعباده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا: ذكر منها: وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا» صحيح مسلم، ولقد أرسل الله عز وجل رَسُولاً يُبيِّن للناس الصراط المستقيم ويُحذر من كل طريق يخالفه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ السُّبُلُ وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} مسند أحمد، وقام صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة بعد أن صلى بهم الظهر في مكة ثم قال: «أَلاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَةُ» سنن أبي داود، وفي رواية «قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» سنن الترمذي.
ولقد أوضح الله عز وجل لعباده طريق الهدى من الضلال، ليجتنب المسلم طريق المجرمين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحذر من أهل الباطل حيث قرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، ثم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» صحيح مسلم.
وإن وقوع التفرق ولاختلاف أمر قدره الله عز وجل ليبتلي عباده، قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، وقال سبحانه: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
وإن من التفرق والاختلاف الواقع في زماننا افتراق جماعة الإخوانِ المسلمين عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، لما هم عليه من إهمال لدعوة التوحيد والنهي عن الشرك، وإغفال لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، واتباع للهوى والمحدثات، ومخالفة لعقيدة السمع والطاعة لولي الأمر، حيث جعلوا لهم بيعة لمرشدهم يقدمونها على السمع والطاعة لولي الأمر في أوطانهم، لذا وجدت عندهم منازعة الحكام والخروج عليهم، وإثارة الفتن والثورات، وغيرها من الانحرافات والمخالفات، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
ألا وإن من فروع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فرع السرورية، وهو منهج اسسه معلم وافد اسمه محمد سرور زين العابدين، نشأ وتربى على منهج الإخوان المسلمين في سوريا، وقد قدِم إلى بلادنا بعد أن وثقت به ليكون مدرسا في المعاهد العلمية، لكنه خان الثقة والأمانة، فاستغل تدريسه ليروج لانحرافاته وأفكاره بين الطلاب وفي المجتمع، حتى خرج من أبنائنا من اعتقد عقيدة الخوارج، يكفر ولاة أمرنا وعلمائنا ورجال أمننا، ويؤيد الثورات والمظاهرات، ويحرض للذهاب لمواطن الصراع والقتال باسم الجهاد، وينشر تلك الانحرافات في المجتمعات.
ومن مكر مؤسس السرورية أنه لما وصل إلى بلادنا ووجد أن دولتنا قائمة على الكتاب والسنة، وأن المواطنين مع ولي أمرهم وعلمائهم على كلمة واحدة، استخدم طريقة المنافقين فأظهر أنه على منهج أهل السنة وأنه مهتم بالعلم الشرعي، وأبطن ما هو عليه من انحرافات وأفكار إخوانية إرهابية، ثم بدأ يروج لها، ببث الشبهات، واستغلال العاطفة باسم قضايا الأمة ونصرة المسلمين.
وبعد طرده من بلادنا قبل أربعين سنة ذهب إلى بلاد الكفر واستقر فيها ليروج لانحرافاته، ويدعم اتباعه، عبر إصدار المجلات والكتب، والمواقع الإلكترونية وغيرها، في عداء ظاهر، وخبث معلن،
ومكر كبار، حتى أهلكه الله قبل عدة سنوات.
فخرج –وللأسف- من أبنائنا من يتبنى تلك الانحرافات، ويعمل على نشرها، وترويجها، فحصل ما حصل من الفتن والشرور التي تستوجب من الجميع الحذر والانتباه، وأن يقوم كل منا بدوره لمحاربة تلك الأفكار المتطرفة، والمحافظة على ما نعيشه من النعم، والتذكير بشكرها.
اللهم جنبنا الفتن ودعاتها، واحفظ لنا ولا أمرنا وأمننا واجتماع كلمتنا ياحي ياقيوم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الغني الحميد، والصلاة والسلام على البشير النذير، أما بعد:
فإن في تبيين أصول منهج السرورية، حماية للمجتمع من خطر هذا الفرع من فروع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وسبب ذلك أنهم يتظاهرون بالسنة وهم مخالفون لها مما جعل البعض ينخدع بهم ويلتبس عليه أمرهم، وهذا بيان لأهم الأمور التي يقوم عليها منهج السرورية:
أولا/ التكفير المطلق باسم توحيد الحاكمية، وبوصف المجتمعات بالجاهلية، وهذا منهج باطل رد عليه كبار العلماء، وبينوا انحرافهم في هذه المسألة، وأنه لا وجود لقسم توحيد الحاكمية وأن القول به هو قول الخوارج الذين يكفرون بمجرد ارتكاب المسلم للمعصية، نسأل الله العافية.
ثانيا/ الولاء لمنهجهم، والبراء ممن خالفهم، فمن وافقهم أحبوه ونصروه، ومن خالفهم أبغضوه وحاربوه كائنا من كان، وبناء على هذا الانحراف يتخذون رموزا يتعصبون لهم، ويقدمون قولهم ولو كان مخالفا للدين والفطرة.
ثالثا/ سب ولاة الأمر والإنكار عليهم علانية، وتحريض الشعوب عليهم، وتهييجهم للخروج والمظاهرات، ولا يُعلمون المسلمين أدلة السمع والطاعة بالمعروف، بل يشككون فيها، وينبزون
بالألقاب من ينشرها ويرد عليهم.
رابعا/ التباكي على أحوال المسلمين والتظاهر بنصرتهم باسم الجهاد، وهم لا يراعون بذلك الضوابط الشريعة، ولا العهود والمواثيق، ولا إرجاع الأمر إلى أهله من الحكام والعلماء، فيزجون بالشباب إلى
مواطن الصراع والفتن، وهم وأبناؤهم في بيوتهم ودراستهم وتجارتهم.
خامسا/ التصدر للدروس والدعوة باسم العلم، فيعقدون الدروس والمحاضرات، وهم مخالفون للفهم الصحيح للكتاب والسنة، حيث يفهمون الشريعة على منهجهم التكفيري، ويستغلون ذلك لترويج منهج جماعة الإخوان الإرهابية وكتب قادتها.
سادسا/ الطعن في علماء السنة واتهامهم، والتنفير من حضور دروسهم، والسماع لهم، حتى يستطيعوا استغلال جهل الشباب وقوة عاطفتهم.
سابعا/ نشر السلبيات والإحباط في المجتمعات بإظهار العيوب، وتسليط الضوء على ما يقع من أخطاء، متحججين باسم النصيحة وإنكار المنكر، وهم في الوقت نفسه يسكتون عن أخطاء أصحابهم وقادة الجماعات الإرهابية ولو كانت في التوحيد، مما يؤكد كذبهم وتسيسهم للدين.
عباد الله:
اعلموا أن منهج السلف الصالح بريء من تلك الانحرافات، بل هو ضدها تماما، وها هي دولتنا ولله الحمد قائمة به، وهاهم علماؤنا يسيرون عليه، يدعون إلى الاعتصام بحبل الله، واتباع الصراط المستقيم، ولزوم الجماعة والسمع والطاعة، ويحذرون من التكفير والتفجير، وينهون عن الفتن والثورات، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وينصحون لولاة الأمر، كل ذلك على فهم صحيح، مراعين جلب المصالح ودفع المفاسد، بعيدا عن الإثارة والعاطفة، وهذه كتبهم مطبوعة، وفتاواهم ودروسهم منشورة، ليس فيها شيء من منهج السرورية الإرهابية.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين ياقوي ياعزيز، اللهم أصلح احوال المسلمين في كل مكان، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير، وارزقهما بطانة صالحة ناصحة يارب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.