خطبة مجموعة عن حلاوة الأيمان بمناسبة انتهاء رمضان 5-10-1435
الحمد لله الغفور الشكور، مصرف الشهور ومقدر المقدور، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، وهو عليم بذات الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا،
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
قبل أيام فارق المسلمون شهر الخير والبركة صاموا نهاره وقاموا ليله وتقربوا إلى ربهم بأنواع القربات طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه، فذاقوا حلاوة الأيمان وتحدثوا بها في مجالسهم بين قائل ما أجمل رمضان تعبدنا به ولم نشعر بالتعب ، وقائل ما اجمل العيد لقينا اهلنا وأرحامنا وأصحابنا، نعم إنها لذة الطاعة إذا لامست القلوب ذاق صاحبها طعم الأيمان وحلاوته، صيام وقيام، صدقات وقربات، صلة أرحام وتواصل وسلام، هذه هي أيام رمضان وأيام العيد فهنيئاً لمن كانت تلك هي حاله.
أيها المسلم: ما دمت قد جربت تلك اللذة والسعادة، فأعلم أن هذه هي حال اهل الأيمان طوال حياتهم، راحة وطمـأنينة، سعادة وأنس، فرح وسرور، لما لا وقد كفل الله لعباده الحياة الطيبة بوعده في قوله تعالى{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وتكون في الدور الثلاث: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار فالله الكريم يُسعد من أحسن عمله في الدنيا وفي الآخرة{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ }
ولئن كان هذا هو حال اهل الأيمان، فإن من خالف أمر الله، وما أنزله على رسوله، وأعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد وفي شقاوة يتحسر في الدنيا وفي البرزخ وفي والآخرة بسبب إساءته ما لم يخلص وينيب لربه { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } فالأبرار في النعيم في الدنيا والاخرة والفجار في الجحيم في الدنيا والآخرة
قال ابن تيمية رحمه الله( فَإِنَّ الْمُخْلِصَ لِلَّهِ ذَاقَ مِنْ حَلَاوَةِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ , وَمِنْ حَلَاوَةِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ , إذْ لَيْسَ عِنْدَ الْقَلْبِ لَا أَحْلَى وَلَا أَلَذُّ وَلَا أَطْيَبُ وَلَا أَلْيَنُ وَلَا أَنْعَمُ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ الْمُتَضَمِّنِ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ , وَمَحَبَّتَهُ لَهُ , وَإِخْلَاصَهُ الدِّينَ لَهُ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْجِذَابَ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُنِيبًا إلَى اللَّهِ خَائِفًا مِنْهُ رَاغِبًا رَاهِبًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ }ا.هـ (كتاب العبودية) وكان رحمه الله تعالى يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. (مدارج السالكين)
قال ابن القيم (حلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد , كما أنها لا تباع ولا تستجدى, يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره) ا.هـ .الوابل الصيب.
اللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيّنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا مزيدًا.. أما بعد:
فإن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , قال صلى الله عليه وسلم « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ». وقال صلى الله عليه وسلم « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ ».
عباد الله جاهدوا انفسكم في طاعة الله ورسوله، سارعوا في الاعمال الصالحة، قدموا حب الله ورسوله على أنفسكم وأولادكم وأموالكم والناس أجمعين، احذروا الكفر والبدع والمعاصي، ومن جاهد نفسه في ذلك كله وفقه الله للطرق الموصلة إليه عز وجل{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } فما ظنكم بحياة من سلك الطرق الموصلة إلى الرحمن الكريم.
ومن كان يعملُ الصالحات في رمضان فليُداوِم عليها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ » وَكَانَتْ أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.
قال النووي -رحمه الله-: “قليلُ العمل الدائم خيرٌ من كثيرٍ مُنقطِع، وإنما كان القليلُ الدائمُ خيرًا من الكثير المُنقطِع لأن بدوام القليل تدوم الطاعةُ والذكرُ والمراقبةُ والنيةُ والإخلاص والإقبال على الخالق، ويُثمِر القليلُ الدائمُ بحيث يزيدُ على الكثير المُنقطِع أضعافًا كثيرة”.
قال أبو سليمان الدارني( ليس العجب ممن لم يجد لذة الطاعة إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها كيف صبر عنها) . حلية الأولياء 9/262.
عباد الله : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم على الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وارض عنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين،.
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأصلح بطانته يارب العالمين
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى وخذ بنواصينا للبر والتقوى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزِدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45]