(خير الناس قرني)
تعقيب على دعوة د. عبد السلام أبو سمحة (للمذهبية) :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبيّ بعده؛ أما بعد:
فهذا تعقيب على كلمة أو مقال صدر من بعض الأفاضل، د. عبد السلام أبوسمحة – وفقه الله – ونظرا لتكرار الدعوة إلى التقليد وتمجيد العودة للمذهبية؛ وجب منا البيان:
أولا: قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، وقال: (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)، وقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)،
١- أخبر الله سبحانه عن ما جاء في كتابه أنه الحق المعصوم؛ وجعل منزلة نبيه؛ الأوحد اتباعًا واقتداءًا وامتثالاً،
٢- ومن أراد السعي لمحبة الله ومرضاته، فينبغي أن يوحّد المتبوع في الامتثال والاقتداء مع الاستمرار والمداومة على ذلك، طال الزمان أو قصر،
٣- دون مشابهة لغير المغضوب عليهم ولا الضالين، وبلا عودة إلى أمراض الأمم، بالبحث عن متبوعين جدد، قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)، وقال: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)،
٤- أليس لهؤلاء الآباء والأولياء الذين ذكرهم الله في كتابه؛ دين وفقه وفهم ومنهج وأعراف، والجواب: ( بلى )، ولكن الواجب على طالب الحق حينئذ؛ طرح أي فقه وعادة ومذهب؛ إذا علم منه مخالفة للهدى.
٥- ولايخفى أن هذا المسلك؛ مذهب قديم، أصاب كثيرًا من الأمم، فحذار يا عبد الله من ذلك؛ حتى لانندم يوم لا ينفع الندم، قال تعالى: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)
٦- وتلك آفة معروفة خلال التاريخ، وتعد أصلاً للانحراف والزلل عن الصراط المستقيم، قال تعالى: (فتزل قدم بعد ثبوتها).
ثانيا: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من يرد الله به خيرا؛ يفقهه في الدين” .
١- لن يُنال الفقه في الدين؛ إلا بالعمل بالتنزيل المعصوم وطرح الهوى والرأي المذموم.
٢- إن التقرب إلى الله بالعبادات العلمية والعملية، الأصل فيه: العمل بما جاء به الوحي، مع حسن الفهم والاستنباط من الكتاب والسنة، قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)،
٣- يستمد هذا الدين ميزة القوة والرفعة، والعلو على الباطل؛ أنه وحيٌ من الله، بعيد عن عقول بشرية تتفاوت في الفهم والإدراك والذكاء والزكاء، تُخرج للناس آراء منها الغث والسمين؛ إن لمْ تُحكم بالكتاب والسنة وعمل الصحابة ومن تعبد لله والوحيُ يتنزل طريًا؛ فيُحدث تقويمًا للأفهام والأقوال الأفعال كي يستقر الأمر على الاستقامة، قال تعالى: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)، وقال: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير)…
ثالثا: لاجديد في الإسلام
١- إن كلام الله واحد، والقرآن لم يتبدل إلا ما أحدثه الروافض وأهل الأهواء .
٢. وكذلك لم يخبر سبحانه أنه سيوحي إلى نبيٍّ بعد نبيه المبعوث رحمة للعالمين، كما هو ثابت في الصحيح عن النبي صلى عليه وسلم قال: “لانبي بعدي” .
٣- ولسنا بأفضل من صحابة رسول الله صلى عليه وسلم، الذين تقربوا لله وعبدوه وعظموه بما خرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو إضافات ومحدثات، وأعزهم الله في الدنيا والآخرة؛ فقال عنهم: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
رابعا: أخشى أن تكون – دعوى [أن التعبد بكتاب الله وسنة نبيه؛ لا تصح بهما إلا بواسطة السير في نفق المذهبية]؛ – طعنا في حكمة الله عزو وجل، وأن الوحي [الكتاب والسنة]، فيه المشقة على العباد.
1- والتساؤل؛ هل كان الواجب على جبريل تبليغ المذاهب وتلقينها للنبي صلى الله عليه وسلم،
٢- أم أنه قصّر عن تبليغ (الأمانة) الوحي، لأن الإسلام يصعب فهمه إلا بواسطة المذاهب الفقهية وغيرها، ودين بلا مذاهب فلان وفلان وغيره .. يراه بعض الناس نقصًا وقصورًا في الدين .
٣- والجواب: ألا يعلم أؤلئك أن الله سبحانه أعلم وأحكم و أرحم بعباده من أي مخلوق، فقال تعالى: (وكان الله غفورا رحيما)، ولذا كان كلام الله يفوق الوصف في الإحكام والهداية والبيان، بل لو اجتمعت كل الخلائق وفيهم أصحاب المذاهب، فلن يأتو بمثله؛ حتى في سهولة الفهم، قال تعالى: (لايأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا).
٤- لقد أنزل الله كتابه على عباده
– محكمًا؛ فلا ينبغي الاستدراك عليه، بدعوى البيان والتوضيح، قال تعالى: (آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)
– وفيه من حسن البيان والهدى والخير؛ ما يدفع التشكيك ،عن إدعاء الصعوبة والاغلاق وعسر الفهم، قال تعالى: (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين).
٥- لا تكليف إلا بمستطاع، ولذلك أخبر الله سبحانه بتيسير فهم الكتاب والسنة، لقوله: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وأنبه: إن فهم المسلمين للدين إبان العهد الأول؛ بلا وجود للمذهبية بصورتها المعروفة، دليل الاستطاعة على عبادة الله دون تمذهب على طريقة زيد أوعبيد،
٦- بل القاعدة: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، (وخذوا عني مناسككم)، فلم يأمر بالعرض على المدارس المذهبية، ولم يبطل عبادتهم، وحيث لايجوز تأخير البيان عن زمن الحاجة، فقد صحت عبادات المسلمين دون الرجوع للمذهبيين
خامسا: ما الموقف من كتب المذاهب الفقهية، وأقوال العلماء.
١- ينبغي ألا تقبل جملة ولاترد جملة
٢- ينقسم المسلمون إلى عوام أو طلاب علم ومشايخ وعلماء
– على طلبة العلم والمشايخ والعلماء عرض أقوال المذاهب على الكتاب والسنة وفهم العاملين لهما في العهد الأول، فما وافق الكتاب والسنة يقبل، وما خالف الحق يرد،
– وأصل الأصول الذي يرد ويدفع كل شائبة عن الدين؛ ما رواه البخاري ومسلم في “صحيحيهما” من حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه سلم قال: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌ”.
– وأما العوام فيسألون من يثقون بعلمه ودينه من علماء الأمة، فإن “العلماء ورثة الأنبياء”
٣. وتلك المسألة قريبة من هل [شرع من قبلنا؛ شرع لنا]، ونقول: ما أقره شرعنا أصبح شرعا لنا وما نهى عنه لم يكن شرعا لنا، وغير ذلك فيه خلاف .
سادسا: نجد كثيرا ممن يتعامل مع العلم، وكتب المذاهب الفقهية؛يعلم أمرًا أو يتجاهله:
١- أن المذاهب كثيرة،
٢- وأزيد على ذلك أمرًا آخر؛ فمن المعلوم وجود عدة مذاهب في المذهب نفسه، وخلافات كثيرة، وآراء متناثرة، قد تصل إلى عشرة آراء أو تزيد في المسألة الواحدة في مذهب واحد.
٣- ولذلك ينتهي الأمر، ويكون واضحا؛ – لمن وفقه الله تعالى، وشرح صدره – إلى أن التعامل مع الفقه المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والعهد الأول؛ أيسر بكثير، وأقل خلافا؛ من التعامل مع مذهب إمام ما؛ وآراء أتباعه المتباينة.
ونختم بقوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
والحمد لله على توفيق الله ونعمته وإحسانه
كتبه. عبد العزيز بن ندى العتيبي
٢ من جمادى الأولى ١٤٤٠
يوافق ٧/ ١/ ٢٠١٩