الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، إِلَهِ الأَوَّلِينَ والْآخِرِينَ، وَقَيُّومِ السَّمَاوَاتِ والْأَرَضِينَ، وَخَالِقِ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، والعَاقِبَةُ فِي الآخِرَةِ والأُولَى لِلْمُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ المُعْتَدِينَ المُجْرِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمانَةَ وَنُصْحَ الأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: اِتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ جَلَّ وَعَلَا سَعَادَةَ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا – أُمَّةَ الإِسْلَامِ – أَنْ هَدَانَا لِهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ والصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛ الَّذِي بِهِ حِمايَةُ العُقولِ وَصِيَّانَتُهَا، وَحِفْظُ الأَدْيَانِ وَرِعَايَتُهَا؛ حَفِظَ عَقْلَ الإِنْسَانِ، وَحَفِظَ دِينَهُ مِنْ أَيِّ أَمْرٍ يُخِلُّ بِهِ، أَوْ أَيِّ أَمْرٍ يُفْسِدُهُ وَيُتْلِفُهُ.
نَعَمْ، عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّهَا مِنَّةٌ عُظْمَى وَعَطِيَّةٌ كُبْرَى، مَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَيْنَا – أُمَّةَ الإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ كَيِّسًا فَطِنًا حَصِيفًا مِنْ أَنْ يُخْدَعَ فِي عَقْلِهِ، أَوْ أَنْ يَضِلَّ فِي دِينِهِ، أَوْ أَنْ تَسْتَجِرَّهُ الأَهْوَاءُ المُطْغِيَّةُ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِن حِفْظِ الدِّينِ لِعُقولِ النّاسِ وَدِينِهِمْ مَا جَاءَ فِي النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، والْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنْ إِتْيَانِ الكُهَّانِ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُم، وَسَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، مِنْ أَهْلِ الخُدَعِ والمَكْرِ والتَّدْلِيسِ والتَّلْبيسِ عَلَى عِبَادِ اللهِ، وَمَا أَكْثَرُهُمْ – لَا كَثَّرَهُمْ اللَّهُ، وَهُمْ – أَيًّا كَانُوا وَمَهْمَا كَانُوا – لَيْسُوا بِشَيْءٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهُ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صَلَواتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهُ أَحَادِيثُ مُتَكَاثِرَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ إِتْيَانِهِمْ، أَوْ تَصْدِيقِهِمْ، أَوْ سَمَاعِ أَقْوَالِهِمْ، أَوْ تَصْدِيقِ أَخْبَارِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكُمْ خَطَرٌ عَلَى عَقِيدَةِ الإِنْسَانِ، وَخَطَرٌ عَلَى فِكْرِهِ وَعَقْلِهِ.
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَديثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَن الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكونُ حَقًّا؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِن مِئَةِ كَذْبَةٍ».
نَعَمْ، هَذِهِ حَالُهُمْ – عِبَادَ اللَّهِ، أَهْلُ كَذِبٍ وَدَجَلٍ وَتَلْبِيسٍ، بَلْ إِنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الخَلِيقَةِ اِفْتِرَاءً وَكَذِبًا وَدَجَلًا وَتَلْبِيسًا.
وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَّةَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتِهِمْ».
وَرَوَى البَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ»، وَلَا يَقُولُ عَلَيْهُ الصَّلاةُ والسَّلامُ «لَيْسَ مِنَّا» إِلَّا فِي عَظَائِمِ الإِثْمِ وَكَبائِرِ الذُّنوبِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَلَا يَجْتَمِعُ فِي قَلْبٍ واحِدٍ إِيمَانٌ بِالْقُرْآنِ الكَرِيمِ وَتَصْدِيقٌ بِهَؤُلَاءِ الكَهَنَةِ الدَّجَّالِينَ، وَلِهَذَا رَوَى الإِمامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ»، وَالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ هُوَ القُرْآنُ والسُّنَّةُ.
وَمَن أَتَى هَؤُلَاءِ الكُهَّانَ – حَتَّى وَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِي خَبَرِهِمْ – فَإِنَّ عُقوبَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظيمَةٌ، وَمُصيبَتَهُ بِهَذَا الإِتْيَانِ جَسِيمَةٌ.
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي كِتابِهِ الصَّحيحِ عَنْ بَعْضِ أَزْواجِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، مَا أَعْظَمُهُ مِنْ خُسْرانٍ وَمَا أَشَدُّها مِنْ عُقوبَةِ.
عِبَادَ اللَّهِ، وَيَدْخُلُ فِي الإِتْيَانِ الِاتِّصَالُ بِهِمْ عَبْرَ الجَوَّالِ أَوْ التَّواصُلُ عَبْرَ الأنْتِرْنِتْ أَوْ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَالعَرَّافُ الَّذِي جَاءَ ذَمُّهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ: هُوَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأُمُورِ وَمَا يَجُولُ فِي الصُّدُورِ، وَمَا يَقَعُ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ أُمُورٍ غَائِبَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ، سَواءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي النُّجومِ، وَيُقَالُ لَهُ (المُنَجِّمُ)، أَوْ بِالْخَطِّ فِي الأَرْضِ والطَّرْقِ فِي الحَصَى، وَيُقَالُ لَهُ (الرَّمَّالُ)، أَوْ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ، فَإِنَّهُ يَتَناوَلُهُ هَذَا الذَّمُّ وَيَتَناوَلُهُ هَذَا التَّحْذيرُ الثّابِتُ عَنْ رَسولِ اللَّهِ ﷺ.
وَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُخْدَعَ فِي هَذَا البَابِ تَحْتَ أَسْمَاءٍ حَدِيثَةٍ، وَتَلْبِيسَاتٍ جَدِيدَةٍ خُدِعَ بِهَا أَقْوَامٌ، وَضُلِّلَ بِهَا كَثيرٌ مِنْ الجُهَّالِ، فَأُطْلِقَتْ عَلَى هَؤُلَاءِ العَرَّافِينَ بَعْضُ الأَسْماءِ الَّتِي يُقْصَدُ مِنْ وَرَائِهَا تَّفْخِيمُ أَمْرِهِمْ وَإِبْعَادُ شَأْنِهِمْ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ، كَأَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهُمْ: (الخُبَراءُ)، أَوْ (اَلْمُجَرِّبِينَ)، أَوْ (المُدَرِّبِينَ)، أَوْ غَيْرُ ذَلِكُمْ مِنْ الأَسْماءِ المُسْتَجدَّةِ.
وَيُقَالُ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ أَهْلُ خِبْرَةٍ وَدِرايَةٍ وَمَعْرِفَةٍ وَتَدَرُّبٍ، ثُمَّ يَدَّعِي هَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَسْتَكْشِفُ المُسْتَقْبَلُ أَوْ يَعْرِفُ الْمَاضِيَ مِنْ خِلالِ النَّظَرِ مَثَلًا إِلَى تَوْقِيعِ الشَّخْصِ، أَوْ النَّظَرِ فِي مُيُولَاتِهِ، إِلَى أَيِّ لَوْنٍ يَمِيلُ مَثَلًا، أَوْ إِلَى أَيِّ شَكْلٍ مِنَ الأَشْكَالِ أَوْ رَسْمٍ مِنَ الرُّسُومِ يَمِيلُ، أَوْ مَا هِيَ الأَسْمَاءُ المُفَضَّلَةُ عِنْدَهُ، أَوْ مَا هِيَ الحَيَوَانَاتُ المُفَضَّلَةُ عِنْدَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَدَّعِي هَذَا المُدَّعِي أَنَّهُ يَعْرِفُ سابِقَ حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَلاحِقَ أَيَّامِهِ.
وَهَؤُلَاءِ بِأَيِّ اسْمٍ تَسَمَّوْا، وَبِأَيِّ صِفَةٍ كَانُوا فَإِنَّهُمْ هُمْ العَرَّافُونَ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمْ نَبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، صِيِانَةً لِعَقائِدِ النّاسِ، وَحِفْظًا لِأَدْيانِهِمْ، وَحِفْظًا لِعُقُولِهِمْ مِنْ أَنْ يَخْدَعَهُمْ هَؤُلَاءِ المُفْسِدُونَ، أَوْ يُضِلَّهُمْ هَؤُلَاءِ اَلْأَفّاكونَ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الواجِبَ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ تَكُونَ عَقِيدَتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ راسِخَةً؛ أَنَّ الغَيْبَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، ﵟ قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ ﵞ، فَاللَّهُ جَلَّ وَعَلا مُخْتَصٌّ بِعِلْمِ الغَيْبِ، فَإِذَا ادَّعَى مُدَّعٍ، أَوْ قَالَ أَفّاكٌ إِنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ أَوْ يَعْلَمُ الأُمورَ الغائِبَةَ أَوْ المُسْتَقْبَلَةَ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرَائِقِ، وَمِن خِلالِ هَذِهِ السُّبُلِ – سُبُلِ الدَّجَلِ وَالإِفْكِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ – فَإِنَّهُ مُجْرِمٌ آثِمٌ يَجِبُ أَنْ يُحْذَرَ مِنْهُ أَشَدَّ الحَذَرِ، وَأَنْ يَرْبَأَ المُسْلِمُ بِنَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى أَمْثالِ هَؤُلَاءِ حِفْظًا لِدِينِهِ وَصِيانَةً لِعَقيدَتِهِ.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يِزِيدَنَا أَجْمَعِينَ بَصيرَةً فِي دِينِنَا وَعَقيدَتِنا، وَأَنَّ يَقِيَنا أَجْمَعِينَ مِنْ الأَهْواءِ المُطْغِيَّة والْفِتَنِ المُضِلَّةِ بِمَنِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعاءِ وَهُوَ أَهْلُ الرَّجاءِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكيلُ.
عِبَادَ اللَّهِ: أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيل فَاسْتَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيه كَمَا يُحِبُّ رَبَّنا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: اِتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلا خَلَفًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللَّهُ خَلْفٌ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الكَهَنَةَ وَاَلْعَرَّافينَ ضَرَرُهُمْ عَلَى المُجْتَمَعَاتِ ضَرَرٌ بالِغٌ وَجَسيمٌ، وَهَؤُلَاءِ – عِبَادَ اللَّهِ – يَتَكَاثَرُونَ فِي المُجْتَمَعَاتِ الَّتِي تُقِلُّ فِيهَا الدِّرَايَةُ بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ والدِّينِ القَويمِ، فَمَتَى كَثُرَ فِي مُجْتَمَعٍ الجَهْلُ بِدِينِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَثُرَ هَؤُلَاءِ اَلْأَفَّاكُونَ الدَّجَّالُونَ، وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يَشْرَعُونَ مِنْ خِلَالِ إِفْكِهِمْ وَحِيَّلِهِمْ وَباطِلِهِمْ بِأَكْلِ أَمْوالِ النّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ غَايَاتِهِمْ وَأَكْبَرِ مَقاصِدِهِمْ.
والمَالُ الَّذِي يَأْخُذُونَهُ مِنَ النَّاسِ هُوَ سُحْتٌ وَحَرَامٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ ثابِتٍ عَنْ نَبيِّنا عَلَيْهُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الكَلْبِ، وَلَا حُلْوَانَ الكَاهِنُ، وَلَا مَهْرُ البَغِيِّ»، وَحُلْوَانَ الكَاهِنُ: هوَ مَا يَأْخُذُهُ هَؤُلَاءِ مِنْ مَالٍ لِقاءَ مَا يُقَدِّمُونَهُ لِمَنْ يَأْتِيهِم مِنْ دَعَاوَى فَجَّةٍ عَريضَةٍ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ المُغَيَّبَاتِ أَوْ يَطَّلِعُونَ عَلَى المَفْقُودَاتِ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا يَجولُ فِي الصُّدُورِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَاَلْأَمْوَالُ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا كُلُّهَا أَمْوَالُ سُحْتٍ وَباطِلٍ، سَواءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ العَرَّافُونَ كَهَنَةً، أَيِّ: ذَوِي صِلَةٍ بِالْجِنِّ واتِّصالٍ بِهِمْ، أَوْ كَانُوا مُنَجِّمِينَ، أَوْ كَانُوا رَمَّالِينَ، أَوْ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانُوا وَعَلَى أَيِّ طَريقَةٍ مَضَوْا.
فَالْوَاجِبُ الحَذَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ يَكونَ المُسْلِمُ حَذِرًا مِنْ إِفْكِهِمْ وَباطِلِهِمْ وَدَعَاوِيهِم البَاطِلَةِ الظَّالِمَةِ.
وَأَمَّا أُولَئِكَ الكَهَنَةُ العَرَّافُونَ فَإِنَّ جَرِيمَتَهُمْ عُظْمَى وَمُصيبَتَهُمْ كُبْرَى، وَإِذَا كَانَ النَّبيُّ ﷺ قَالَ فِي حَقِّ مَنْ أَتَاهُم إِنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ؛ هَذَا فِي شَأْنِ مِنْ أَتَاهم فَكَيْفَ بِهِمْ!
قَالَ سَماحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا سَأَلَ الشَّخْصُ الكاهِنَ أَوْ اَلْعَرَّافَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِذَا سَأَلَهُ وَصَدَّقَهُ فِي عِلْمِ الغَيْبِ فَهُوَ كافِرٌ كُفْرًا أَكْبَرَ مَخْرَجٌ مِنَ المِلَّةِ».
اللهُمَّ أعزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الـشِّـرْكَ والمُـشـْرِكِين، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّين.
اللهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِح أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا.
اللهُمَّ وَفِّقْ جَمِيعَ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِلعَمَلِ بِكِتَابِكَ، واتِّباعِ سُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِكَ.
اللهُمَّ وَفِّق إمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ لِما فِيه عِزُّ الْإِسْلَامَ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِين.
اللهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَإِخْوَانَه وَأَعْوَانَه لِما تُحِبُهُ وتَرْضَاه.
اللَّهُمَّ احْفَظْ جُنودَنا المُرَابِطِينَ وَرِجالَ أَمْنِنَا، وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ يَا رَبَّ العالَمينَ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالحَوْثِيِّينَ المُفْسِدِينَ ، وَبِاَلْخَوارِجِ المَارِقينَ، وَبِجَميعِ أَعْداءِ الدّينِ.
اللَّهُمَّ اِكْفِنَا شَرَّهُمْ بِمَا شِئْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَدْرَأُ بِكَ فِي نُّحورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرورِهِمْ.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتَك، وَتَحَوُّل عَافِيَتك، وَفُجَاءَة نَقِمَتِك، وَجَمِيعِ سَخَطِك.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ البَرَصِ وَالْجُذَام وَالْجُنُونِ وَسَيِّئ الْأَسْقَام.
عِبَادَ اللَّهِ: ﵟ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﵞ.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ العَظيمَ الجَليلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
جمع وتنسيق/ عبد الله بن مـحمد بن حسين النجمي
إمام وخطيب جامع الحارة الجنوبية بالنجامية بمنطقة جازان
خطر الكهانة – خطبة جمعة للشيخ عبدالله النجمي – 23-03-1443 هـ