بسم الله الرحمن الرحيم
دراويش الليبرالية والدعوة إلى الخرافة
الحمد لله حمدًا يحبه ويرضاه واُصلي واُسلم على نبيه ومصطفاه وعلى آلاه وصحبه ومن والاه ,,, أما بعد :
يقول الليبراليون ضمن التعريف بالليبرالية : ((فالليبرالية لا تعني أكثر من حق الفرد – الإنسان – أن يحيا حراً كامل الاختيار وما يستوجبه من تسامح مع غيره لقبول الاختلاف. الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية، ولا نجد تناقضاً هنا بين مختلفي منظريها مهما اختلفت نتائجهم من بعد ذلك)). انتهى
ويقول أحد مروجيها السعوديين : ((فكرتها لا تهدد أحدا، لأنها تقبل بكل الأشياء وكل الناس …. مفهومها يقوم على حرية الفرد في الاختيار لنفسه فقط. ومع الحقوق المتساوية)). انتهى
ويقول آخر من مروجيها السعوديين : ((قائمة على المساواة بين الجميع , التسامح مع الآخر أو التعددية)). انتهى
وهذه التعريفات لليبرالية تعريفات خادعة, يحسبها الظمآن ماء وهي سراب وأوهام , وفعلهم كفعل المخادعين ممن تسأله عن تعريف المشروبات الروحية وأنت لا تعلم حقيقتها وأنها خبيثة مغيبة للعقل, فيقول لك المخادع : المشروبات الروحية عبارة عن ماء طاهر نقي عذب, وثمرة طيبة من رزق الله , تُعصر الثمرة الطيبة وتُخلط بالماء الطاهر, ويتركان في حفظ الله في إناء محكم, الأيام ذوات العدد, فيكون مشروبًا روحيًا لذة للشاربين !!!
علمًا بأن مصطلح المشروبات الروحية مصطلح مركب من كلمة ( مشروب ) وهو وصف لما يتعاطى بالفم من السوائل, فيدخل تحته السوائل النافعة والضارة, والكلمة الأخرى ( الروحية ) وأصلها من الروح أو الراحة والمعنى العرفي المقصود بهذا المصطلح المركب أي ( ما يشرب من السوائل وترتاح إليه نفس الشارب ), وبذلك يكون لكل فئة من الناس مشروبها الروحي, مما يدل على أن التبشير والتسويق لهذا المصطلح فيه خداع للناس وذلك عندما يُسوق لهم المصطلح بالمعنى المرفوض عند الأسوياء منهم .
فمروجو الليبرالية في المجتمعات المسلمة هذا هو صنيعهم بالضبط, فتجدهم يدعون الناس إلى مصطلحات مقبولة لفظًا للكل, ولكنها مختلفة في المعنى بحسب الاستعمال الشخصي, ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب, وإلا فمن منا يكره الحرية أو التسامح أو العدل أو المساواة أو احترام الآخرين المحكومة بالشرع الإسلامي؟
ولكن عندما تُفسر هذه الألفاظ ويُكشف عن معانيها, تتضح لك الحقيقة أيها المسلم وتتبين لك دعاوي هؤلاء المروجين لهذه المخدرات اللفظية, والتي هي في حقيقتها موبقات ومهلكات تسلخ المسلم من إيمانه وهو لا يشعر عافاني الله ومن يقرأ .
فمثلًا دعوى الحرية, ما حدودها ؟
يقول لك هذا المروج لليبرالية : ((فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات, أي له الحرية على ألا يساء للآخر)) !!
السؤال : هل رب العزة والجلال جل شأنه, يدخل في حدود قولهم ( الآخر ), بمعنى هل الإساءة في حق الله تعالى بالمعصية أو بالفسوق أو بالكفر تدخل في هذا الحد الليبرالي للحرية ؟ أشك في ذلك, بل أجزم بالنفي, لأن الفلسفة الليبرالية تقول : (( أن تكون متفسخاً أخلاقياً، فهذا شأنك. ولكن، أن تؤذي بتفسخك الأخلاقي الآخرين، بأن تثمل وتقود السيارة، أو تعتدي على فتاة في الشارع مثلاً، فذاك لا يعود شأنك. وأن تكون متدينًا أو ملحداً فهذا شأنك أيضا )).
يقول تعالى { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ } وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : ” يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِى الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ” وفي الحديث الآخر يقول عز وجل : ” كذبني ابن آدم, ولم يكن له ذلك, وشتمني ولم يكن له ذلك, فأما تكذبيه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان, وأما شتمه أياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا “.
فإذا كانت أذية الله تعالى بالكفر والبدع والمعاصي داخلة في اعتبار الحد الليبرالي للحرية { فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
ولكن الرزية أن مفهوم الحرية في الفلسفة الليبرالية لا يعتبر ذلك, وبالتأكيد ليست هذه الحرية التي يتمناها من أسلم قلبه لله وآمن باليوم الآخر, وبذلك يتبين لك أن إتحاد الاسم لا يعني مطابقة المعنى بين دعوى الحرية في الليبرالية وبين الحرية المطلوبة والمحكومة بالشرع المنزل من لدن حكيم خبير, إذن لا يجوز للمسلم أن يطالب بالحرية الليبرالية ويزعم بأنها من قيم الإسلام, وهكذا في باقي المصطلحات.
وللتأكيد لنأتي لمصطلح آخر عند الليبرالية, وهو مصطلح أخاذ وجميل ومطلوب شرعًا, وهو التسامح مع الآخر, ولكن ما تعريف هذا التسامح بحسب المفهوم الليبرالي ؟ ومن هو هذا الآخر بحسب المفهوم الليبرالي ؟
التسامح الليبرالي بحسب القاموس الأمريكي : (( تحمّل وقبول طبيعة ومعتقدات وسلوك الآخرين دون منع أو معارضة, سواء اتفق معها أو اختلف )) وفي قاموس ويبستر : (( التسامح : احترام آراء ومعتقدات وسلوك الآخرين والاعتراف بها )) فمكونات التسامح الليبرالي بحسب بيتر نيكول سون : (( الانحراف, الأهمية, عدم الموافقة, السلطة, عدم الرفض, الصلاح )) أي أنه يجب على المرء حتى يكون متسامحًا أن يكون متسامحًا مع انحراف الآخرين في حال عدم موافقته لهم, وفي نفس الوقت لا يبدي رفضه لانحرافهم, بل عليه احترام هذا الانحراف بإبداء اهتمامه وعدم رفضه لما يعتقده انحرافًا, وكل ذلك مع القدرة على منعهم ثم لا يمنعهم, فبدون ذلك لا يكون صالحًا متسامحًا في الفلسفة الليبرالية !!
يعني لكي تكون أبًا ليبراليًا متسامحًا فعليك : أن ترى ابنتك تنحرف, وأنت تعلم بأن ذلك انحرافًا, ولكن عليك أن تقر بحقها في فعله وإن كنت تعده انحرافًا!؟, بل وليس لك مجرد توبيخها بله عدم الرفض فضلًا عن استعمال سلطتك لمنعه, بل عليك إبداء الاهتمام والاحترام,!!؟ , فالحمد لله الذي عافى المؤمنين من هذا التسامح .
فبعد أن عرفت مفهوم التسامح الليبرالي, فاعلم بأن الآخر في المفهوم الليبرالي يشمل كل منحرف بدون تقييد, سواء كان انحرافه دينيًا أو عقديًا أو سلوكيًا أو أخلاقيًا, فيجب عليك لتكون متسامحًا أن ترضى بكفر الكافر وبدعة المبتدع وفسق الفاسق ومعصية العاصي, وتقرهم على ذلك, بل وتحترمهم ولا تحتقر انحرافاتهم, ولا تمنعها إن كنت ذو سلطان, بل وتساعدهم في فعلها إن كان في مقدورك !!
وهنا مربط الفرس, وهذا ما فعله مروجو الليبرالية ودراويشها في صحيفتي الوطن وعكاظ السعوديتين, فقد مارسوا التسامح الليبرالي وطبقوه تطبيقًا عمليًا مع بعض المتصوفة من دعاة بدعة المولد في بلاد التوحيد والسنة, فقاموا بنشر إعلان ودعاية للاحتفال ببدعة المولد متضمنًا أبيات شركية تشتمل على دعاء غير الله جل وعز, وغلو حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ” إياكم والغلو في الدين, فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين ” وقال عليه الصلاة والسلام : ” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ” ومن ذلك أنهم يدعونهم من دون الله عز وجل.
فدراويش الليبرالية ما فتؤو من نشرهم لدعوى أنهم دعاة للتنوير ومحاربة التخلف والانغلاق كما يزعمون, حتى وصلوا لدرجة تقديس عقولهم, ومحاربة كل ما يعارضها من أمور الدين الصحيح, بحجة الانعتاق من الموروث زعموا, وهذه هي ملتهم التي بها يؤمنون, وحولها يحومون, ومن أجلها يتواصون, وهم فيها قوم طاغون, ولن ينجيهم من تبعات ذلك إلا التأويل, ومراجعة الحق بالانقياد لرب جليل.
فالعجب كل العجب أن تجد هؤلاء المروجون للتنوير زعموا, يتهاوون في دركات التخلف والظلام, بالدعوة إلى البدع والخرافات, والتعاون على الإثم والعدوان وحث الناس على ذرائع الشرك الصراح الناقض لكل قيم التحرر والتنوير الحقيقيين.
وهم لو سألتهم عن هذه البدع لقالوا لك الحق : وأنها خرافات موروثة ما أنزل الله بها من سلطان!
ولكنه التسامح الليبرالي الخرافي, فانتبه أيها المؤمن واعرف حقيقة هذه الدعوى الأجنبية عن الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح, فالإسلام بريء من الليبرالية براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام, فأمة الإسلام إنما كانت خير أمة أخرجت للناس, بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله وحده, والليبرالية مناقضة تمامًا لمكونات خيرية الأمة فهي بالتالي مضادة للإسلام, وأجنبية عنه.
فيا من يهمه الأمر في بلاد الإسلام بعامة وفي المملكة العربية السعودية بلاد التوحيد والسنة بخاصة, الأمر جد خطير, وقد وصل الأمر لحماية جناب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد, فكثير من المسلمين كالفراش التي تتقاذف في النار, يتتابعون اليوم في الدعوة إلى الليبرالية, بمسميات شتى, فقائل يقول: تنوير, والأخر يقول: مدنية لا دينية, وثالث يقول: وحدة الأديان, ولا يليق بالمسلم الذي أنعم الله عليه بنعمة الإسلام, ولا يليق بمن تشرب دمه العقيدة الصافية الناصعة, أن يتهاون في هذا الأمر الجلل, فالعز والتمكين والنصرة والولاية للفرد أو الجماعة, إنما هي من ثمار إقامة الدين الخالص ولوازمه, وترك ما يضاد ذلك .
فالحذر الحذر من التهاون في ذلك فنكون ممن قد حذّرهم الله جل شأنه بقوله { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } فالحقيق بالفرد المسلم حاكمًا أو محكومًا, أن يحمد الله ويجتهد في شكره أن هداه للإسلام, ثم يدعوه جل وعز ويلح عليه بأن يثبته عليه حيًا وميتًا, بأن ينجيه من كل ما ينقضه ويضاده من عقائد باطلة كالقبورية وآراء فاسدة كالليبرالية والديمقراطية وغيرها, قال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
وكتبه / أبو طارق النهدي
17 ربيع أول 1432 للهجرة