ذكر الأصحاب الحنابلة عند الكلام على الشروط في البيع: أن الشرط الصحيح إذا لم يجده المشترى فهو مخير بين الأرش أو الفسخ، هل قول بالأرش يدل عليه دليل؟
قبل الإجابة على هذا السؤال: اشتهر عند بعض الفقهاء في زماننا أنهم يقولون عن الحنابلة أنهم الأصحاب، أو إذا كان شافعيًا يقول: أن الشافعية هم الأصحاب وهكذا.
وينبغي أن يعلم أن الانتساب إلى المذهب الفقهي باعتبار أنه تفقه عليه أن هذا جائز كانتساب الرجل إلى قبيلته وإلى بلده، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في “مجموع الفتاوى”، لكن ينبغي أن يُعْلَم أمر مهم، وأن يتنبه إلى أن هذا الانتساب لا يجوز إذا كان فيه تعصبٌ للمذهب الذي تفقه عليه، أو اشتهر في بلده، فلسبب ذلك تفقه على هذا المذهب.
ثم أيضًا ينبغي أن يعلم أمر آخر، وهو مهم أيضًا: أنه لا حاجة للانتساب إلى المذاهب، إذا كان الناس تربوا على الكتاب والسنة، وليس في الانتساب إليها مصلحة، أما إذا كان في الانتساب إليها مصلحة فإنه يُنتسب إلى المذاهب، فمثلًا إذا خرج داعية سني في أرض، ودعا لاتباع السنة وترك البدع في التوحيد بترك الشرك، فإن المتعصبة من أهل الباطل يتهمون أهل السنة بأنهم أتوا بدين جديد، فيرد عليهم السني: بأن مذهبه الذي تفقه عليه هو المذهب الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي.
فذكر هذا مفيد لقطع الطريق على هؤلاء، وهذا الذي صنعه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى؛ لذا كان الإمام محمد بن عبد الوهاب يقول بأنه حنبلي، وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل العلم.
إذن الانتساب إلى المذهب إذا كان من باب الإخبار جائز دون التعصب، ثم إذا كان في الانتساب إليها فيه مصلحة، أما إذا لم يكن الانتساب إليه مصلحة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك فالأحسن عدم الانتساب.
أما ما ذكره السائل في الأرش، في أن المشتري مخيَّرٌ بين الأرش أو الفسخ إذا اشترط شرطًا ولم يجده، فهذا ذكره الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد.
والقول الآخر أنه لا أرش، وأن المشتري مخيرٌ بين الإمساك كما هو، أو الفسخ، وهذا القول – والله أعلم- أصوب، وذهب إليه الإمام أحمد في رواية: وهو قول عند الحنابلة، وهو قول الحنفية والشافعية، وذلك أنه لم يصح دليل فيما أعلم في صحة انتقال العقد إلى الأرش في مثل هذا؛ فلذلك الأصل عدم الأرش، ولا يقال بالأرش إلا إذا دل الدليل على ذلك، وقد ذهب إلى هذا جماهير أهل العلم، كما تقدم بيان هذا.