ذم المدح


المدح لغة: مدحه أثنى عليه بما آله من الصفات. والمديح: ما يمتدح به، وجمعها: المدائح كما في الوسيط.

اصطلاحا: الثناء على ذى شأن بما يستحسن من الأخلاق النفسية.. كرجاحة العقل، والعفة، والعدل، والشجاعة.. وأن هذه الصفات عريقة فيه وفي قومه.

لمعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (مدح) 2/892، دار المعارف / ط3

عن همام قال جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه فأخذ المقداد بن الأسود ترابا فحثا في وجهه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب * ( صحيح ) _ ابن ماجه 3742 : وأخرجه مسلم

وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود

( فحثا في وجهه ) ‏‏: أي رمى التراب في وجه الرجل المثني ‏

‏( إذا لقيتم المداحين ) ‏‏: قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه , فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه , فليس بمداح ‏
‏( فاحثوا ) ‏‏: أي القوا وارموا . ‏
‏في القاموس : حثا التراب عليه يحثوه ويحثيه حثوا وحثيا , وقد حمل المقداد الحديث على ظاهره ووافقه طائفة . ‏
‏وقال آخرون : معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه . ‏

وفي تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
‏قوله : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب ) ‏
‏قيل يؤخذ التراب ويرمى به في وجه المداح عملا بظاهر الحديث وقيل معناه الأمر بدفع المال إليهم إذ المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب , أي أعطوهم إياه واقطعوا به ألسنتهم لئلا يهجوكم وقيل معناه أعطوهم عطاء قليلا فشبه لقلته بالتراب . وقيل المراد منه أن يخيب المادح ولا يعطيه شيئا لمدحه والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لأنه يجعل الشخص مغرورا ومتكبرا . قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح . فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن , والأمر المحمود يكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء على أشباهه فليس بمداح . وفي شرح الستة قد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثه في وجه المادح وقد يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه , كنى بالتراب عن الحرمان كقولهم : ما في يده غير التراب وكقوله صلى الله عليه وسلم : ” إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا ” . ‏
‏قلت : الأولى أن يحمل الحديث على ظاهره كما حمله عليه رواية المقداد بن الأسود , وإلا فالأولى أن يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان , وأما ما سواه من التأويل ففيه بعد كما لا يخفى والله أعلم .
واما خطره على التوحيد ففي باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد

وسده طرق الشرك

:

عن عبدا لله بن الشخِّير، قال: انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيِّدُنا. فقال: “السيِّدُ اللّه تبارك وتعالى”، قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: “قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجْرينَّكم الشيطان “رواه أبو داود بسندٍ جيد

ونهى عن التمادح، وشدَّد القولَ فيه، كقوله لمن مدح إنسانًا: “ويلك قطعت عُنق صاحبك” والحديث أخرجه أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنَّ رجلاً أثنى على رجل عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال له “قطعت عُنقَ صاحبك- ثلاثاً “ .

وقالت: “إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب” لما أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن المقداد ابن الأسود

وفي هذه الأحاديث: نهى أنْ يقولوا: أنت سيدنا، وقال: “السيدُ اللّه تبارك وتعالى” ونهاهم أن يقولوا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، وقال: “لا يستجرينَّكم الشيطان “.

وكذلك قوله، في حديث أنس: أنَّ ناساً قالوا: يا رسول اللّه، يا خيرَنا وابن خيرنا وسيدنا وابنَ سيدنا فقال: “يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان” كره صلى الله عليه وسلم أن يواجهوه بالمدح، فيُفضي بهم إلى الغلو.

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ مواجهة المادح للممدوح بمدحه- ولو بما فيه- من عمل الشيطان، لما تفضي محبةُ المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك يُنافي كمال التوحيد.

فإن العبادة لا تقوم إلاَّ بقُطب رحاها الذي لا تدور إلا عليه، وذلك غايةُ الذل في غاية المحبة. وكمال الذل يقتضي: الخضوع والخشية والاستكانة للّه تعالى، وأنَّه لا يرى نفسه إلا في مقام الذم لها، أو المعاتبة لها، في حق ربه. وكذلك الحبُّ لا تحصل غايتُه إلا إذا كان يحب ما يحبه اللّه، ويكره ما يكرهه اللّه من الأقوال والأعمال والإرادات.

ومحبةُ المدح من العبد لنفسه يُخالف ما يحبه اللّه منه، والمادح يغره من نفسه فيكون آثما. فمقامُ العبودية يقتضي كراهة المدح رأساً، والنهي عنه صيانةٌ لهذا المقام. فمتى اخلص الذل للّه، والمحبة له: خلصت أعمالُه وصحت. فمتى أدخل عليها ما يشوبها من هذه الشوائب: دخل على مقام العبودية بالنقص أو الفساد.

وإذا أدَّاه المدحُ إلى التعاظم في نفسه، والإعجاب بها: وقع في أمر عظيم، ينافي العبودية الخاصة، كما في الحديث: “الكبرياءُ ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني شيئا منهما عذبته” ، وفي الحديث: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كبر”.

وهذه الآفة قد تكون محبة المدح سبباً لها، وسلَّما إليها. والعُجْب يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب.

وأمَّا المادح، فقد يُفضي به المدح إلى أن يُنزل الممدوح منزلةً لا يستحقها. كما يوجد كثيراً في أشعارهم، من الغلو الذي نهى عنه الرسولُ صلى الله عليه وسلم وحذر أُمته أن يقع منهم. فقد وقع الكثير منه، حتى صرحوا فيه بالشرك في الربوبية والإلهية والملك، كما تقدَّمت الإشارةُ إلى شيءٍ من ذلك.

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لما أكمل اللّه له مقامَ العُبودية، صار يكره أن يُمدح، صيانةً لهذا المقام. وأرشد الأمة إلى ترك ذلك نُصحاً لهم، وحمايةً لمقام التوحيد عن أنْ يدخله ما يفسده أو يضعفه، من الشرك ووسائله.

فللمدح أربع حالات ذكرها الشيخ ابن عثيمين في زاد المتقين شرح رياض الصالحين 

سأوردها باختصار:

الأول أن يكون في مدحه خير و تشجيع على الأوصاف الحميدة و الأخلاق الفاضلة،

فهذا لا بأس به؛ لأنه تشجيع.

الثاني أن تمدحه لتبيين فضله، بين الناس و ينتشر و يحترمه الناس

، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما

، و كان هذا لبيان فضل أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، هذا لا بأس به.

الثالث أن يمدح غيره و يغلو في إطرائه و يصفه بما لا يستحق، فهذا محرم و هو كذب و خداع.

الرابع أن يمدحه بما هو فيه، لكن يخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه 

و يزهو بنفسه و يترفع على غيره، فهذا أيضا محرم ولا يجوز.

و ذُكر أن المدّاح يُحثى في وجهه التراب

و المدّاح غير المادح : المادح الذي يُسمع منه مرة بعد أخرى …

أما المدّاح هو الذي كل ما جلس عند إنسان كبيرا 

أو أميرا أو قاضيا أو عالم أو ما أشبه ذلك قام يمدحه ،

فهذا حقه أن يحثى في وجهه التراب ؛ لأن رجلا امتدح عثمان رضي الله عنه 

فقام المقداد و أخذ الحصباء و نفضها في وجه المادح، 

فسأله عثمان لما فعل ذلك ؟ قال : إن صلى الله عليه و سلم قال 

(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب )) رواه مسلم
‏وأما كيفية حثوا التراب ففي .<النهاية في غريب الحديث والأثر حرف التاء شرح(ترب ( فيه : احثوا في وجوه المداحين التراب قيل أراد به الرد والخيبة ، كما يقال للطالب المردود والخائب : لم يحصل في كفه غير التراب ، وقريب منه قوله صلى الله عليه وسلم : وللعاهر الحجر وقيل أراد به التراب خاصة ، واستعمله المقداد على ظاهره ، وذلك أنه كان عند عثمان فجعل رجل يثني عليه ، وجعل المقداد يحثو في وجهه التراب ، فقال له عثمان ما تفعل ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : احثوا في وجوه المداحين التراب وأراد بالمداحين الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه صناعة يستأكلون به الممدوح ، فأما من مدح على الفعل الحسن والأمر المحمود ترغيبا في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح ، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول

موقف للشيخ ابن عثيمين رحمه الله من موقف مدح فيه بقصيده رحمه الله فكان
السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فضيلة الشيخ: أستأذنكم في قصيدة أتلوها:

يا أمتي! إن هذا الليل يعقبه فجر وأنواره في الأرض تنتشر

والخير مرتقبٌ، والفتح منتظر والحق رغم جهود الشر منتصر

وبصحبة بارك الباري مسيرتها نقية ما بها شوبٌ ولا كدر

ما دام فينا ابن صالح شيخ صحوتنا بمثله يرتجى التأييد والظفر

الجواب
أنا لا أوافق على هذا المدح؛ لأني لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص، كل شخص يأتي ويذهب، فإذا ربطنا الحق بالأشخاص معناه أن الإنسان إذا مات قد ييئس الناس من بعده، فأقول: إذا كان يمكنك الآن تبديل البيت الأخير بقول:
ما دام منهاجنا نهج الأولى سلفوا بمثلها يرتجى التأييد والظفر فهذا طيب، أنا أنصحكم ألا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال:
أولاً: لأنهم قد يضلون، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [ من كان مستناً فليستن بمن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ] الرجال إذا جعلتم الحق مربوطاً بهم يمكن الإنسان أن يغتر بنفسه والعياذ بالله من ذلك، ويسلك طرقاً غير صحيحة، فالرجل أولاً لا يأمن من الزلل والفتنة، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم.
ثانياً: أنه سيموت، ليس فينا أحد يبقى أبداً { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [الأنبياء:34] ثالثاً: أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجلونه ويكرمونه ويلتفون حوله، وربما ظن أنه معصوم، ويدعي لنفسه العصمة، وأن كل شيء يفعله فهو حق، وكل طريق يسلكه فهو مشروع، ولا شك أنه يحصل بذلك هلاكه، ولهذا امتدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) وأنا أشكر الأخ على ما يبديه من الشعور نحوي، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر، ولكن لا أحب المديح.

[ لقاءات الباب المفتوح ]

أنظروا لهذه التوجيهات الغالية، والتأصيلات السلفية العالية،

1- لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص
2- الرجالُ إذا جعلتم الحق مربوطاً بهم، يمكن الإنسان أن يغتر بنفسه – والعياذ بالله من ذلك-، ويسلك طرقاً غير صحيحة.
3- أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجلونه، ويكرمونه، ويلتفون حوله، وربما ظنَّ أنه معصوم! ويدَّعي لنفسه العصمة! وأن كل شيء يفعله فهو حق، وكل طريق يسلكه فهو مشروع…

وأخيرا نعوذ بالله من الإغترار بالمدح والمداحين ونسأل الله العفو والعافية في الدنيا والأخرة

كتبته ميثه مفتاح الشامسي

العين- الامارات العربية المتحدة


شارك المحتوى: