رأيتُ بعض أهل السُّنَّة يُبدِّع بعض أهل السُّنَّة بحجة أنه يطعن في الصحابة؟
فيقال جوابًا على هذا السؤال: لا شكَّ أنَّ من طعن في الصحابة فإنه مبتدعٌ ضال، مهما كان الرجل، وعلى هذا إجماع أهل السُّنَّة، وقد ذكر هذا الإمام أحمد في “أصول السُّنَّة“ أن من انتقص صحابيًا واحدًا فهو مبتدعٌ ضال، وهذا لا شك فيه.
ولا ينبغي أن يختلف فيه أهل السُّنَّة، وآثارُ علماء أئمة السُّنَّة وكلماتُ أئمة السُّنَّة في كتب الاعتقاد كثيرة في بيان أن من انتقص أو طعن أحدًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مبتدعٌ ضال.
لكن ينبغي أن يُفرق بين ذكر شيءٍ عند الصحابي على وجه الطعن والانتقاص، وذكره على وجه الإخبار لفائدةٍ شرعيةٍ.
فالعلماء تكلموا على حكم البغاة، ومما ذكروا في ثنايا كلامهم: أن معاوية ومن معه قد بغوا إلى آخر عباراتهم، كما ذكر ذلك الإمام الشافعي في كتاب “الأم“، ولم يُعَدَّ هذا من الإمام الشافعي رحمه الله تعالى طعنًا في الصحابة أو انتقاصًا للصحابة، بل إن يحي بن معين رحمه الله تعالى أخطأ، وطعن في الشافعي لأجل هذا، وردَّ عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى وبيَّن خطأ يحي بن معين، حتى استحى يحي بن معين رحمه الله تعالى، وهذا ذكره البيهقي في “مناقب الشافعي“، وكذلك أشار لهذا الذهبيُ رحمه الله تعالى في ترجمة الشافعي من كتابه “سير أعلام النبلاء“.
فينبغي إذًا: أن يُفرَّق بين ذِكْرِ شيءٍ عند الصحابة على وجه انتقاصٍ والذَّم والطعن، وبَيْنَ أن يذكر لمصلحةٍ دينيةٍ من باب الإخبار؛ فرقٌ بين الأمرين.
ورأيت بعضَ أهل السُّنَّة قد بغى بعضُهم على بعض لأجل هذا، فترى أحدَ أهل السُّنَّة في دروسٍ له يتكلم، وقد يذكر كلامًا على وجه الإخبار لمصلحةٍ دينيةٍ، أو لبيان حكم شرعي، وهذا الأمر يذكره على وجه الإخبار، فيتسلط عليه آخرون بأنه قد انتقص الصحابة فيبدَّع.
وفي المقابل ينتقم هذا الذي بُدِّع لأجل زعمه أنه انتقص الصحابة فيبحث في تراث أولئك من الصوتيات وغيرها، ثم يجد أنهم ذكروا الصحابة على وجه الإخبار لفائدةٍ دينية، ثم يسلط عليهم بأنهم انتقصوا الصحابة فيبدِّعهم، فيبغي بعضُ أهل السُّنَّة بعضهم على بعض، وهذا من الخطأ.
أسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الفِتَن، وأن يعيذَنا من الفِتَن، إنه الرحمن الرحيم.