رؤوس الحركيين بين التقلب والكذب المشين
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته …. أما بعد:
فقد نهت الشريعة عن كل مشين في أمور الدنيا والدين ، ومن ذلك أمران :
الأول/ التقلب في الدين :
فقد امتدح الشرع الثبات على الحق كما قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) [إبراهيم : 24]
أما التقلب والتغير فهو مذموم ففي حلية الأولياء (4 / 233): عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون التلون في الدين .
وفي جامع بيان العلم وفضله (2 / 187): قال عمر بن عبد العزيز: مَن جعل دينه عرضا للخصومات أكثر التنقل .
وأخرج عبد الرزاق أن أبا مسعود الأنصاري دخل على حذيفة فقال: أوصنا يا أبا عبد الله ، فقال حذيفة : أما جاءك اليقين ؟ قال: بلى وربي، قال: فإن الضلالة حق الضلالة أن تعرف اليوم ما كنت تنكر قبل اليوم، وأن تنكر اليوم ما كنت تعرف قبل اليوم ، وإياك والتلون فإن دين الله واحد .
ومرادهم ترك المسائل القطعية والمجمع عليها من معتقد أهل السنة إلى غير ذلك من الأقوال المحدثة، وليس مرادهم تغيير الرأي في مسائل الاجتهاد كالمسائل الفقهية تبعاً لما يظهر للمجتهد من الدليل، فإن هذا واجب عليه ، كما في رسالة الفاروق عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري ،
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (6 / 37): ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبى موسى الأشعري تداولها الفقهاء، وبنوا عليها، واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه، ومن طرقها ما رواه أبو عبيد وابن بطة وغيرهما بالإسناد الثابت عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، – ثم قال – ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم وليس يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ا.هـ
وكما هو فعل الشافعي لما انتقل إلى مصر ، وفعل الإمام أحمد في تغير آرائه الفقهية حتى كثرت الروايات عنه في الفقه .
وأما التلون في الدين، وذلك بترك المسائل القطعية والمجمع عليها من معتقد أهل السنة إلى غير ذلك من الأقوال المحدثة فلم يفعله السلف، بل عابوه وذموه كما تقدم.
واليوم ترى كثيراً من المسمين أنفسهم دعاة يتلونون في الدين ،
فبالأمس يعادون الرافضة ويحذرون منهم، واليوم يثنون عليهم ويعيبون على من يشدد عليهم،
بالأمس يذمون تتبع الرخص وتمييع الدين، واليوم يتسابقون في هذا الميدان .
بالأمس يعادون الكفار عداء دينياً، واليوم يميتون عقيدة البراء منهم.
بالأمس يقرون جهاد الطلب، واليوم ينكرونه، ويقرون أنه لا جهاد إلا جهاد الدفع مخالفين في ذلك إجماع أهل العلم.
وبالأمس يدافعون عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، واليوم يطعنون فيها وهكذا …
وهذه عقوبة لمن عصى الله وخالف أمره، فإن أعظم العقوبات أن يموت قلب الإنسان، ولا يميز بين الحق والباطل، ويزين له الباطل قال تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) وقال: ( وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) وقال: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) وفي صحيح مسلم: قال حذيفة سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:” تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه “.
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر ص27 : أعظم المعاقبة ألا يحس المعاقب بالعقوبة. و أشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة – ثم قال- وإني تدبرت أحوال أكثر العلماء و المتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها ومعظمها من قبل طلبهم للرياسة – ثم قال- فأول عقوباتهم ، إعراضهم عن الحق شغلا بالخلق ا.هـ
قال ابن القيم في مدارج السالكين – (3 / 264) : وكما أن الله سبحانه جعل حياة البدن بالطعام والشراب، فحياة القلب بدوام الذكر والإنابة إلى الله وترك الذنوب، والغفلة الجاثمة على القلب، والتعلق بالرذائل، والشهوات المنقطعة عن قريب يضعف هذه الحياة، ولا يزال الضعف يتوالى عليه حتى يموت، وعلامة موته أنه لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا كما قال عبد الله بن مسعود: أتدرون من ميت القلب الذي قيل فيه :
ليس من مات فاستراح بميت … إنما الميت ميت الأحياء
قالو:ا ومن هو؟ قال: الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا ا.هـ
وقال في روضة المحبين – (1 / 440): وأشد العقوبات العقوبة بسلب الإيمان، ودونها العقوبة بموت القلب ومحو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة منه، وربما دبت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إلى أن يمتلئ القلب بهما فتعمى البصيرة ا.هـ
ولأجل هذا لا يوفق المبتدع غالباً للتوبة، فإنه في الغالب يخرج من سوء إلى ما هو أسوأ منه أخرج ابن وضاح 151 في البدع عن أبي عمرو السيباني قال : كان يقال : يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة ، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها .
وأخرج أيضاً ص 15عن عبد الله بن القاسم أنه قال : ما كان عبد على هوى فتركه إلا إلى ما هو شر منه . قال : فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا ، فقال : تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : “يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه “
وأخرج أيضًا ص 154: عن أيوب قال : كان رجل يرى رأيًا فرجع عنه ، فأتيت محمدًا فرحًا بذلك أخبره ، فقلت : أشعرت أن فلانًا ترك رأيه الذي كان يرى ؟ فقال : ” انظروا إلى ما يتحول ؛ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله ، يمرقون من الإسلام لا يعودون فيه “
وهذا معنى ما أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :”يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه ” ا.هـ
وقد رأيت أقواماً أهل غلو وتكفير، فلما تابوا منه وقعوا في الليبرالية والعلمانية – والعياذ بالله من كل باطل – .
الثاني/ الكذب:
تكاثرت الأدلة الشرعية في ذم الكذب والتحذير منه فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :” إياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار . وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا، وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً “
وثبت عند ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه -: إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان .
ومما يؤسف أن يقع في هذا أناس محسوبون على الدعوة إلى الله ويغتر بها أناس كثيرون .
وإليك كذبات مؤلمة من رؤوس الحركيين على الإمام عبد العزيز ابن باز ، بل وعلى الدين ؛ ومن ذلك كذب سفر الحوالي وسلمان العودة على الإمام عبد العزيز ابن باز ، ، وكذبات أخرى فاضحة
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=364
وفي هذا الرابط كذب الدكتور عبد العزيز الفوزان ( الذي ليس قريباً من جهة النسب لشيخنا العلامة صالح الفوزان فكل واحد من قبيلة غير الأخرى ) فيما يتعلق بتجويز الاحتفال باليوم الوطني، ثم نفى ذلك متظلماً متخشعاً مع أنه جوز الاحتفال بالنص
http://www.youtube.com/watch?v=7q8hhmlonlM
قد كنا من قبل نسمع الكذبات من رؤوس الحركيين، فإذا أخبرنا أصحابهم ليحذروهم ولا يجعلوهم أئمة لم يصدقوا، وإذا رجعوا إلى هذا الحركي نفاه وكذبه حتى جاء اليوتيوب ففضحهم .
وأنا أتساءل أين خوفهم من الله وهو القائل (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا )
أما تقلبات الحركيين فهي أكثر من أن تحصر ، ومن أكثرهم تقلباً مردياً سلمان العودة ، حتى إنه أراد أن يبرر ذلك بأن أخرج مقطعاً صبيانياً بعنوان ( نعم تغيرت ) مستدلاً على ذلك بأمور منها: تغير الشمس والقمر أي حركتها وهكذا … !!
وأن الشافعي تغير رأيه في مسائل: فيقال: فرق بين التغير في مسائل يسوغ الخلاف فيها ، ومسائل لا يسوغ الخلاف فيها كما تقدم ، فقد كان بالأمس يعادي الرافضة والعلمانيين واليوم يصادقهم ويبادلهم الود ، وهذه مسائل عقائد لا يسوغ الخلاف فيها .. إلى آخر تقلباته المسقطة .
ومن أولئك المتقلبين محمد حسان كان قبل الثورة يعادي الرافضة ويحث على ذلك ، وبعد الثورة يقرر خلاف هذا تماماً بلا حياء ولا خجل
http://www.youtube.com/watch?v=DhUaXATtVEs&feature=youtube_gdata_player
ومثله في الغناء فقد كان قبل الثورة يحرمه وبعد ذلك جوزه
http://www.youtube.com/watch?v=vv-7ynPYYOA&feature=youtube_gdata_player
وقد أفردت تقلبات الحركيين السعوديين في رسالة صغيرة بعنوان : قيادات الصحوة بين التغير والتلون حقائق وأخطار .
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=957
وفي درس مسجل بعنوان : تناقضات بعض الدعاة .
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=57
وآخر بعنوان : وانكشف القناع
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=69
إذا عرفتم – أيها المسلمون – تقلب القوم وكذبهم، فإياكم أن تجعلوهم قدوة لكم أو أن تدافعوا عنهم ، قال الله تعالى ( هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ) [النساء : 109]
والواجب أن لا يؤخذ العلم والدين إلا عن الموثوق ، أخرج مسلم في مقدمته عن ابن سيرين أنه قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
أسأل الله أن يرزقنا البصيرة لنميز بها بين دعاة الحق والباطل .
وأسأل الله أن يرزقنا العلم النافع لنعرف التوحيد والسنة ، وأسأل الله أن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com
10 / 11 / 1433 هـ