أفتى الدكتور سلمان العودة في برنامج له على قناة mbc
أن سفور المرأة لا يُـــعد كبيرة من كبائر الذنوب وأنه لم يقل بهذا من أهل العلم إلا ابن حجر الهيثمي فما تعليقكم على هذا وجزاكم الله خيرا
الجواب
الحمد لله والصلاة على رسول الله واله وصحبه وبعد
الواجب على طالب العلم أن لايفتي بفتوى يحكيها عن الله ورسوله ,إلا أن يكون مستندا إلى كتاب الله وسنة رسوله, ويسبقه أحد إليها من الصحابة ومن بعدهم من علماء الإسلام, وإلا كان قائلا على الله بغير علم قال تعالى {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل116, وقال تعالى: ُقلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{33}الأعراف
وقال تعالى {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }سبأ50 والآيات في هذا كثيرة و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أفتي بغير علم, كان إثمه على من أفتاه, ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه)), . رواه أبو داود , و عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم)) (1), و عن عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يقول: ((سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)),(2) متفق عليه
وهذه الفتوى مخالفة للكتاب والسنة, ومقاصد الشريعة, فليس فيها من العلم شيء , وأما الدليل على بطلانها فأدلة كثيرة من الكتاب والسنة منها : قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }النساء24 وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:[ ( والمحصنات), قال: العفيفة العاقلة من مسلمة أو من أهل الكتاب].(3)
قال في القاموس “العفة الكف عما لا يحل ويجمل عف عن المحارم والأطماع الدنية ” لسان العرب ج9/ص253
وجاء في الاية الأخرى وصفهن بالغافلات, قال الشنقيطي رحمه الله:” ووصفه للمحصنات في هذه الآية بكونهنّ غافلان ثناء عليهن بأنهنّ سليمات الصدور نقيّات القلوب لا تخطر الريبة في قلوبهن لحسن سرائرهن ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمرو فلا يفطن لما تفطن له المجربات ذوات المكر والدهاء وهذا النوع من سلامة الصدور وصفائها من الريبة من أحسن الثناء وتطلق العرب على المتّصفات به اسم البله مدحًا لها لا ذمًّا” أضواء البيان ج5/ص430
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية )(4)
قال ابن خزيمة:”باب التغليظ في تعطر المرأة عند الخروج ليوجد ريحها, وتسمية فاعلها زانية, والدليل على أن اسم الزاني قد يقع
من يفعل فعلا لا يوجب ذلك الفعل جلدا ولا رجما ” (5)
وعليه فإن من تخرج سافرة فليست محصنة ولاعفيفة ولايحد قاذفها
وقال شيخ الإسلام :” وفى صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار من أمتى لم أرهما بعد, كاسيات عاريات مائلات, مميلات, على رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة, ولا يجدن ريحها, ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله),(6)
وقد فسر قوله: (كاسيات عاريات), بأن تكتسي مالا يسترها, فهي كاسية وهى في الحقيقة عارية, مثل من تكتسى الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها, أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها, مثل عجيزتها, وساعدها ونحو ذلك, وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا”,(7)
ولا ريب أن هذا الوعيد لا يقال في مرتكب الصغيرة, وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في آخر أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد, نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف, العنوهن, فإنهن ملعونات, لو كان وراءكم أمة من الأمم خدمتهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم), رواه الإمام احمد باسناد صحيح و ابن حبان في صحيحه,
ونهى الله المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زينتهنَّ ), ونهاهن عن لين الكلام , لئلا يطمع أهل الخنى فيهن قال فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ ” وقال تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء اللاَّئِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ), لأن اللَّه جلَّ وعلا بيَّن في هذه الآية الكريمة أن القواعد أي العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا, أي لا يطعمن في النكاح لكبر السن وعدم حاجة الرجال إليهن, يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهنّ بشرط كونهن غير متبّرجات بزينة, ثمّ إنه جلَّ وعلا مع هذا كله قال: (وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ), أي يستعففن عن وضع الثياب خير لهن أي واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهنّ وانقطاع طمعهن في التزويج, وكونهن غير متبرّجات بزينة خير لهن وهو وضع ما يكون فوق الخمار, والقميص من الجلابيب التي تكون فوق الخمار والثياب
كما فسرها بذلك غير واحد من الصحابة .
وحقيقة التبرج: إظهار الزينة وإظهار ما ستره أحسن ومن هنا يتبين لما كان وضع الصغيرة حجابها المجمع عليه من الكبائر .
ثم يقال: ماهو الحد العقلي عند من يفتي بأنه من الصغائر الذي إذا كشفته المرأة تكون ارتكبت الكبيرة , والذي يظهر أنه سيقصر ذلك على الفرج , ومعنى ذلك أن كشف صدرها ورجليها من الصغائر , فمن سبقه إلى هذا من أهل العلم بل من سبقه إلى أن كشف المرأة شعرها, وشيئاً من بدنها من الصغائر, وهذه فتوى لاخطام لها ولازمام, ولاصلة لها بالإسلام من قريب ولابعيد ,
ومن المفارقات أن بعض السلف كره أن ترى الكتابية عورة المسلمة يعني شعرها ونحرها ونحوه , قال ابن كثير ” وقال مجاهد في قوله: (أو نسائهن (قال نساؤهن المسلمات ليس المشركات من نسائهن وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة, وروى عبد الله في تفسيره عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: (أو نسائهن), قال هن المسلمات لا تبديه ليهودية, ولا نصرانية, وهو النحر والقرط ,والوشاح, وما لا يحل أن يراه إلا محرم
وروى سعيد حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد قال: [لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة, لأن الله يقول أو نسائهن فليست من نسائهن], وعن مكحول وعبادة بن نسي أنهما كرها أن تقبل النصرانية واليهودية والمجوسية المسلمة ” (8)
ومن المفارقات ايضا: ماجاء في السيرة في سبب غزوة بني قينقاع ” لما عاد رسول الله من بدر أظهرت يهود له الحسد بما فتح الله عليه, وبغوا ونقضوا العهد, وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجرا فلما بلغه حسدهم جمعهم بسوق بني قينقاع فقال لهم: احذروا ما نزل بقريش وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل, فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب, فأصبت منهم فرصة, فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه فبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم, إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع, فجلست عند صائغ لأجل حلي لها, فجاء رجل منهم فخل درعها إلى ظهرها, وهي لا تشعر, فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فقال إليه رجل من المسلمين فقتله, ونبذوا العهد إلى رسول الله وحاصرهم خمس عشرة ليلة فنزلوا على حكمه”(9)
قال ابن القيم رحمه الله : ” كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها, فلا بد أن يقول علي الله غير الحق في فتواه وحكمه فى خبره, وإلزامه, لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس, ولا سيما أهل الرياسة, والذين يتبعون الشبهات, فأنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق, ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات, لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق, ولا سيما إذا قامت له شبهة, فتتفق الشبهة والشهوة, ويثور الهوى, فيخفى الصواب, وينطمس وجه الحق, وان كان الحق ظاهرا لا خفاء به ولا شبة فيه أقدم على مخالفته, وقال لي مخرج بالتوبة وفى هؤلاء وأشباههم قال: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات).
وقال فيهم أيضا: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وان يأتيهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون), فاخبر سبحانه أنهم اخذوا العرض الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم, وقالوا سيغفر لنا وان عرض لهم عرض آخر أخذوه, فهم مصرون على ذلك وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق, فيقولون هذا حكمه وشرعه ودينه, وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك, أولا يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه, فتارة يقولون على الله مالا يعلمون, وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه,
وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الآخرة خير من الدنيا فلا يحملهم حب الرياسة, والشهوة على أن يؤثروا الدنيا على الآخرة , وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة, ويستعينوا بالصبر والصلاة , ويتفكروا في الدنيا وزوالها وخستها, والآخرة واقبالها, ودوامها, وأولئك لا بد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل فيجتمع لهم الأمران, فان اتباع الهوى يعمى عين القلب, فلا يميز بين السنة والبدعة, أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات, (10)
والواجب على أهل العلم القيام بالأمانة التي حملوها بحماية جناب الشريعة, والقيام بفريضة الحسبة في المجتمعات المسلمة إبراء للذمة لامجاراة لضغط الإعلام الآثم وتكيفا مع رغبات الجمهور , وذوبانا وانهزاما أمام الباطل وليتذكروا قوله تعالى {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }الإسراء73 {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }الإسراء74 {إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً }الإسراء75
والله المستعان 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•(1) أخرجه أحمد: (2/321 ), و مسلم : (1/12), و ابن حبان في صحيحه (15/167), وصححه الألباني الحديث رقم : 3667 في صحيح الجامع
•(2) أخرجه أحمد: (2/162), و البخاري في صحيحه: (1/50), و مسلم (4/2058), و الترمذي ج5/ص31,
•(3) انظر تفسير الطبري: (5/5).
•(4) اخرجه أحمد (4/413), والحاكم في صحيحه: (2/430), وابن حبان في صحيحه : (10/270), وانظرصحيح ابن خزيمة ج3/ص91, وسنن النسائي الكبرى ج5/ص430, وسنن الترمذي ج5/ص106, وصححه الألباني.