رد على مقابلة مع أحمد الحواشي
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد اطلعت على المقابلة التي أجرتها صحيفة الوطن في عددها (ذي الرقم (2099 ) الصادر بتاريخ ( 22 / 5 / 1427 هـ ) مع إمام الجامع الكبير بمحافظة خميس مشيط الشيخ أحمد بن محمد الحواشي ، وجاء في لقائه بيان المنهج الشرعي من الفئة الضالة الخارجة على ولي الأمر ، وأنه يجب طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله ، وأنه لايجوز الخروج عليهم وإن جاروا وظلموا ، وأنه لايجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ، كما اشتمل على دعوته للشباب بعدم التأثر بهذه الأفكار المنحرفة التي هي فساد للدين وإفساد في الأرض ، ودعوته للمطلوبين أمنيا بتسليم أنفسهم للجهات المختصة ، وتضمن أيضا إنكاره على أولئك الذين يزعمون الإصلاح فيدعون إلى المظاهرات وغيرها مما ينافي النصيحة والتعاون على البر والتقوى ، وقد وفق في هذا لمذهب أهل السنة والجماعة الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، كما بين موقف أهل العلم من قيادة المرأة للسيارة بإحالة ذلك على فتاوى أهل العلم وبالبيان الذي أصدرته وزارة الداخلية عام 1411 هـ بهذا الخصوص ، وقد أجاد وفقه الله في هذا .
بيد أني وجدت في المقابلة أمرين ، رأيت من المتعين التنبيه عليهما :
أحدها في قوله : (( كما أنني رأيت شخصيا رؤيا تخص هذا المسجد وسبق وأعلنتها من هذا المحراب بشرى لولاة أمرنا وبشرى للمسلمين وبشرى للشعب ، والله أشهد بهذه الرؤيا التي رأيتها في منامي واستهزأ بها الكثير ، ولكن لامداهنة في الدين ، فقد رأيت هذا المسجد بأنه بركة ونور يشع في هذه البلاد ، ومن هنا أوصي بهذا المسجد خيرا ، وقد حضر الشيخ محمد الرومي لهذا المسجد وألقى محاضرة ، وقال : إن هناك رؤيا بأن المسجد يكتظ بالمصلين من الملائكة والمسلمين من الجن ، يصلون خلفي حتى إن الشوارع والطرقات المجاورة تكتظ بهم ، هذا من فضل الإسلام والحمد لله )) .وهذا الكلام فيه أمور منكرة وقول على الله بلاعلم وإحداث في دين الله ، يجب الحذر منه ، وبيان هذا بما يلي :
أولا : إن هذا تأسيس للأحكام الشرعية على مجرد الرؤيا ، وجعل ذلك من دين الله ، وجاء تأكيد أنه من الدين في قوله : (ولكن لامداهنة في الدين (
والعلماء قد نصوا على أن الرؤى ليست مصدرا للتشريع ، ولا يجوز بناء الأحكام عليها لا إيجابا ولا تحريما ، ولا استحبابا ولا كراهية ولا إباحة ولا صحة ولا فسادا.
ومن قال ذلك فقد شرع في دين الله ، واستدرك على الله ، وأضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم القصور في البلاغ ، وهذا مناف للقرآن العظيم والسنة المشرفة ، فقد قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وقال جل شأنه : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) خرجه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها ، وفي رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) خرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ، وقد جاء في الكلام السابق إحداث فضيلة لهذا المسجد )الجامع الكبير بخميس مشيط ) بمجرد الرؤيا ، والفضائل لا تثبت إلا بالاتباع ، فما جاء عن الشرع تفضيله من البقاع أو المساجد أو الأزمنة أو الأشخاص ، وجب اعتقاد فضله بما دل عليه الكتاب والسنة ، وإلا لم يكن له فضلٌ رأسا ، أولم يكن له مزيد فضل ، والمساجد لها فضلها في الشرع ، وخص الشرع بعضها بمزيد تفضيل كالمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والمسجد الأقصى ) ومسجد قباء ، وما عداها يبقى على الفضل العام الوارد في المساجد.
ثانيا : إن قوله عن هذه الرؤيا : ( بشرى لولاة أمرنا وبشرى للمسلمين وبشرى للشعب ) دعوة إلى بدعة ، فأي بشارة بها ؟! والبدع كلها ضلالة في النار ، فهي في حقيقتها ـ بقطع النظر عن قصد القائل ـ دعوة إلى إثم ، وغش للمسلمين وولاة أمرهم ، ينافي النصيحة التي أوجبها الله تعالى ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) قالوا : لمن يارسول الله ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) خرجه مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
بل يجب على المسؤولين الحزم في هذا الأمر ، وإنكار هذه المقالة ، ومعالجة وضع المسجد المذكور بما تقتضيه الأصول الشرعية ، سدا لأبواب البدع ، وحماية لجناب السنة .
ثالثا : ما ذكره عمن سماه الشيخ محمد الرومي لاعبرة به ، ولا التفات إليه ، ما دام أن الشرع لم يشهد له ، ودين الله تعالى محفوظ ، وآراء العلماء مردودة إليه فضلا عن الجهلة ومن لايعتد بقوله كما قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ، وقال سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
وثانيها : ما جاء في صدر المقابلة ( شهد له الجميع بحسن صلاته حتى إن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله صلى خلفه ذات مرة وقال : إنه أشبه الناس صلاة بصلاة السلف ، وقال عنه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : شيخ فاضل له الكثير من المؤلفات ، تميز بالصلاة الخاشعة … ) .
أولا : إن المنقول عن الشيخين رحمهما الله لا أدري أيثبت أولا ؟! ومتى قاله الشيخان ؟
فإن الشيخين رحمهما الله ظهرت دعاوى تنسب إليهما بعض الأقوال أوالتزكيات بعد وفاتهما ، وهذا أمر يحتاج إلى تثبت .
ثانيا : أنا لم أصل خلفه ، ولكن نقل لي عن صلاته طولا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ما استفاض من سنته ، فقد كانت صلاته عليه الصلاة والسلام قصدا وخطبته قصدا ، كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قال أهل العلم : أي ليست بالطويلة ولابالقصيرة ، ولكن بين ذلك ، وأمر عليه الصلاة والسلام من أمّ الناس أن يخفف ،ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمّ أحدكم فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض ، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء ) .
بل إنه عليه الصلاة والسلام غضب لما أطال معاذ صلاة العشاء بالناس كما في الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، وقال له : ( أفتان أنت ) ؟! ثم قال له : ( فلولا صليت بسبح اسم ربك ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة ). وفي الصحيحين من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا ، فمارأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ ، فقال : ( ياأيها الناس إن منكم منفرين ، فأيكم أمّ فليوجز ؛ فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة ) .
فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة واضحة لا خفاء فيها ، واتباعها هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، ومبنى العبادة على أمرين : الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه أحدا) وقال جل شأنه : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) وقال : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
ولكون هذا الكلام نشر في صحيفة سيارة يطلع عليها بشر كثير ، فقد وجب بيان الحق ونشره ؛ لئلا يغتر بعض من لاعلم عنده بمثل هذا ، وأدعو الشيخ أحمد إلى الرجوع عما ذكره وإعلان ذلك ؛ براءة لذمته ونصحا لإخوانه المسلمين ، وتخلصا من تبعاته ؛ فإن الله تعالى يقول : (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن دعا على ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )، كما أدعوه إلى عدم الاغترار بالكثرة ، أو التأثر بالرؤى ، أو الإدلاء على الله بالعمل ، أو الاستحسان بالرأي ، بل الواجب عليه اتباع أهل العلم ، والأخذ عنهم ، وترك الرأي ، كما قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )، وقال سبحانه : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) .
هذا وأسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين إلى ما يحبه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
د. :عبد العزيز بن محمد السعيد
رئيس الجمعية السعودية العمومية للسنة وعلومها
ورئيس قسم السنة بجامعة الإمام