الحمدُ للَّه ، والصَّلاةُ والسَّلام على رسول اللَّه ، وعلى آله وصحبه ومَن والاه ، واتَّبع هُداه ، إلى يوم نلقاه ٬ أمَّا بعد : فدونك نُبذةٌ مُختصرةٌ من أحكام زكاة الفِطر ، وما يتعلَّقُ بها ، عسى اللَّهُ أن يرزقنا تأديةَ هذه الشَّعيرةِ العظيمةِ على عِلْمٍ وبصيرة .
🔹 قال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما : فَرَضَ رسولُ اللَّه ﷺ زكاةَ الفِطر : صاعًا من تَمر ، أو صاعًا من شعير ، على العبد والحُرِّ ؛ والذَّكَر والأنثى ؛والصَّغير والكبير ؛ من المسلمين .
[ متفق عليه (1504) (984) ]
🔹 قال الإمام الصَّنْعاني رحمه اللَّه : والحديث دليلٌ على عموم وجوبها .
[ سبل السلام (1/537) ]
( فيدخل في وجوب أدائها الغني والفقير )
💡 وتُسمَّى صدقةُ رمضان ، كما جاء في رواية عند البخاري (2311) والإمام مسلم (984)
🔹 وقد ذكر النَّبيُّ ﷺ الحكمة منها فقال : زكاة الفِطر طُهرةٌ للصَّائم من اللَّغو والرَّفَث ٬ وطُعمةٌ للمساكين .
[ صحيح الجامع (3570) ]
ومصرفها ما جاء في الحديث السَّابق ( للمساكين ) .
💡 والمسكينُ إن ذُكِرَ مُفردًا دخل فيه الفقير .
🔹 والفرق بين الفقير والمسكين ما قاله الإمام الشَّافعي رحمه اللَّه : الفقير – والله أعلم – مَن لا مال له ، ولا حِرفة تقع منه موقعًا ، زَمِنًا كان أو غير زَمِن ، سائلا كان أو مُتعفِّفًا ؛ والمسكينُ مَن له مالٌ ، أو حِرفة لا تقع منه موقعًا ولا تُغنيه ، سائلًا كان أو غير سائل .
[ الأم (2/77) ]
زَمِن : مُبتلى
والواجب في زكاة الفطر : إخراجها صاعًا ممَّا يُقتاتُ ويُدَّخر من طعام أهل البلد .
🔹 قال أبو سعيد الخدري رضي اللَّه عنه : كنا نُخرجُ في عهد رسول اللَّه ﷺ يوم الفِطر صاعًا من طعام ، وكان طعامُنا الشَّعير والزَّبيب والأَقِطُ والتَّمر .
[ صحيح البخاري (1510) ]
🔹 قال الإمام الشًَافعي رحمه اللَّه : زكاة الفِطر مما يَقتاتُ الرَّجُل .
[ الأم (2/72) ]
والصَّاع يكون بمكيال أهل المدينة ؛ لقول النَّبيِّ ﷺ : الوزنُ وزنُ أهل مكَّة ، والمكيالُ مكيالُ أهل المدينة .
[ السلسلة الصحيحة (165) ]
🔹 ومقداره ما قال ابن سِيده رحمه الله : والصَّاع مكيال لأهل المدينة ، يأخذ أربعة أمداد .
[ المخصص (3/440) ]
🔹 ومقدار المُدِّ ما قاله مرتضى الزَّبيدي رحمه اللَّه : ملء كفَّيِ الإنسان المُعتدل إذا ملأَهما .
[ تاج العروس (9/159) ]
وقد اختلفت تقديراتُ فقهاء عصرنا للصَّاع مقابل وحدة الوزن المعاصرة ( الكيلو غرام ) ما بين كيلوين إلى ثلاثة كيلوات .
💡 والحقيقةُ أنَّ الصَّاع هو وحدة قياس حجميةٌ ثابتةٌ ( وهو الأصل ) ٬ أمَّا التَّقدير بالكيلو غرام فيتغيَّر بحسَب الموزون ؛ فتجدُ مثلًا وزنَ صاع التَّمر الطَّازج بالكيلو غرام ضِعفَي وزن صاع التَّمر المجفَّف .
👍🏻 فالأولى الحساب بما هو متيسر وأقرب للصواب ؛ ألا وهو الأربع أمداد بكفين مُعتدلتين ، واللَّه أعلم .
⚠ ولا يصح إخراج زكاة الفِطر مالًا ؛ لأنَّ النَّبيِّ ﷺ سمَّاها : ( طُعمةً ) ، وقد مضى عهد النُّبوَّة والخلفاء الرَّاشدون من بعدِهِ على إخراجها طعامًا ، معَ أنَّ زمانهم زمان فقر وفاقة وجهاد ، وحاجةٍ إلى المال .
🔹 قال الإمام النَّووي رحمه اللَّه : ولم يُجِزْ عامَّةُ الفقهاء إخراجَ القيمة .
[ شرح مسلم (7/60-61) ]
✊🏻 والقول بجواز إخراج زكاة الفِطر مالًا ؛ لأجل مصلحة الفقير يلزم منه الآتي :
١) مخالفةُ صريح الأمر الشَّرعي ، وكفى بذلك شرًًّا .
٢) فيه استدراكٌ على الشَّرع ، إذ هو أعلم بمصلحةِ المسكين ، وقد اختار له الأضيق ( وهو الطَّعام ) عن الأوسع ( وهو المال ) .
٣) وثمَّة أمرٌ ثالثٌ ذو بال ، أشار إليه العلَّامة ابن عثيمين رحمه اللَّه بقوله : النَّبيُّ ﷺ فرضها من أجناس مختلفة القيمة ، مع اتِّفاقها في المقدار ، ولو كانت القيمة مُعتبرة لاختلف المقدار باختلاف الجنس .
[ مجموع فتاوى الشيخ (18/279) ]
💡 فتأمل الفقه ، زادك الله فهمًا .
🔹 وقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه إلى النَّاس أنَّه : لا رأي لأحد مع سُنَّة سَنَّها رسول اللَّه ﷺ .
[ إعلام الموقعين (1/59) ]
وأمَّا وقت زكاة الفطر فهو ليلة الفِطر ، بعد غروب شمس آخر يومٍ من رمضان ، إلى ما قبل صلاة العيد .
🔹 قال رسول اللَّه ﷺ : من أدَّاها قبل الصَّلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أدَّاها بعد الصَّلاة فهي صدقة من الصدقات .
[ صحيح الجامع (3570) ]
🔹 وقال أبو سعيد الخدري رضي اللَّه عنه : كنا نُخرِجُ في عهد رسول الله ﷺ يوم الفِطر صاعًا من طعام .
[ صحيح البخاري (1510) ]
🔹 وقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما : وأمر بها ﷺ أن تُؤدَّى قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة .
[ متفق عليه (1503) (986) ]
💡 ويجوز أن تُعطى لمن يَجمعها قبل يوم أو يومين ٬ فقد كان ابن عمر رضي اللَّه عنهما يُعطيها الَّذين يَقبلونها ، وكانوا يُعطُون قبل الفِطر بيوم أو يومين .
[ صحيح البخاري (1511) معلقا ]
🔹 قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : ولمالك في الموطَّأ عن نافع أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفِطر إلى الذي يُجمعُ عنده قبل الفِطر بيومين أو ثلاثة .
[ فتح الباري (3/376) ]
🔹 ويُؤيد هذا ما جاء عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه قال : وكَّلني رسول الله ﷺ بحفظ زكاة رمضان .
[ صحيح البخاري (2311) ]
💡 واستَحبَّ بعضُ العلماء تأديتها بنفسه ، تعظيما لشعيرة اللَّه .
🔹 قال الإمام الشَّافعي رحمه اللَّه : وأختارُ قَسْمَ زكاة الفِطر بنفسي ، على طرحها عند من تُجمَع عنده .
[ الأم (2/74) ]
✊🏻 فمن أدَّاها قبل وقتها كان كمن أدَّاها بعد وقتها ٬ وقد سُميت زكاة الفطر لارتباطها بيوم الفطر .
وهي طُعمة للمسكين يوم العيد ، وما بعده ؛ فوقتُ هذه العبادة العظيمة من الأمور السِّتة الَّتي لا تتمُّ موافقة الشَّريعة إلَّا بها ، وهي : ( السَّبب ، والجنس ، والقدْر ، والكيفيَّة ، والزَّمان ، والمكان )
[ تُنظر رسالة الإبداع في بيان كمال الشرع ( للعثيمين ) ]
☝🏻 أسألُ اللَّهَ أن يَجعلنا من الَّذين يستمعونَ القولَ فيتَّبعون أحسنه ، والحمدُ للَّه ربِّ العالَمين .
أخوكم فراس الرفاعي
25 رمضان 1438هـ