سلفية لا وهابية لا ظاهرية لا قطبية لا حرورية
د. حمد العثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، ولد سنة 1115هـ، وتوفي سنة 1206هـ.
كل دعوة، إذا أردنا تقييمها ونقدها والحكم عليها، فان الدعوة نفسها وما تقوم عليه من اعتقاد ومنهج هو أولى ما ينبغي النظر فيه، وهذا المعيار يجب إعماله حتى في دعوة النبيين، فان براهين صدق النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد دعوته، هي دعوته نفسها، وهذا أكمل طريق لهداية الناس، قال ابن القيم «طرق الهداية متنوعة رحمة من الله بعباده ولطفا بهم لتفاوت عقولهم، فمنهم من يهتدي بنفس ما جاء به، وهو أولى وأعظم عند أولي الألباب والحجى من مجرد خوارق العادات، وإن كان انتفاع ضعفاء العقول بالخوارق في الإيمان أعظم من انتفاعهم بالدعوة نفسها».
استعرضنا دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وجدناها دعوة الإسلام الذي بُعث به نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، كتبه كلها قائمة على الاستدلال بالكتاب والسنة بفهم السلف.
نشأ، رحمه الله، في بيئة فقيرة، وكذلك كانت دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يضرها في شيء. ينسب الإمام محمد عبدالوهاب والسلفيون إلى الجمود في تفسير القرآن والسنة والاقتصار على ألفاظها فقط، وهذا في الحقيقة إنما هو عمل فرقة الظاهرية التي ظهرت بعد القرن الثاني الهجري، ورؤوس هذه الفرقة داود الظاهري وأبو محمد ابن حزم.
والسلفيون وسط بين جمود الظاهرية على اللفظ وبين الفرق المبتدعة التي جعلت أهواءها وفهومها الفاسدة حاكمة على الأدلة الشرعية.
وإذا نظرت إلى مسائل الشريعة. فالأخبار والغيبيات يجب تصديقها، والعبادات يجب أداؤها على الصفة التي أداها النبي، صلى الله عليه وسلم، والمعاملات والعادات بابها واسع لا يضيّق إلا ما حرمه الشارع، وأما السياسة فالسلفيون أنفهسم توارثوا ما قاله ابن عقيل الحنبلي في تعريف السياسة بأنها فعل الأصلح وإن لم يكن فيه نص من قرآن ولا سنة، كما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد، مع التزام أحكام الله الشرعية، وأما القتال فما اعتدى الإمام على أحد، وإنما قاتل ودافع الصائلين عليه وعلى دعوته كما ذكر رحمه الله.
وأما دعوته فقبلها الناس طوعا لا كرها، فقد عُرضت على علماء مكة وشهدوا بأن دعوته هي الحق، وكتب هؤلاء العلماء ذلك في وثيقة مازالت محفوظة إلى الآن وعليها أختام علماء مكة، وكذلك علماء المدينة، والوثيقتان مطبوعتان في الدرر السنية 1/ 34 ـ 317.
وحسبي أن أنقل كلام الأستاذ خير الدين الزركلي وهو ليس بسعودي حيث كان منصفا وبيّن عالمية دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وكيف تلقاها العلماء في كل الأقطار بالقبول حيث قال «محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب..، وكانت دعوته، وقد جهر بها سنة 1143هـ ـ 1730، الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله، إذ تأثر بها رجال الإصلاح في الهند، ومصر، والعراق، والشام، وغيرها».
انظر الإعلام 6/ 257.
والذي يدل على عالمية دعوة الشيخ هو أن بعض شيوخه من خارج نجد كالمجموعي، رحمه الله، وهو من علماء العراق، ومحمد حياة السندي وهو أعجمي.
فالحاصل أن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، هي دعوة الإسلام، وإنما نجتنب ونمنع تسميتها بالوهابية لأن هذا هو اصطلاح المستشرقينwahhabism ومن يريد التنفير عن الدعوة فينسبها إلى الإمام وكأنها دعوة جديدة محدثة، ولأن هناك فرقة خارجية قبل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب بسبعة قرون تُسمى بالوهابية الرسمية، ظهرت في المغرب العربي، أنظر المعيار المعرب 11/ 168.
ولعله من نافلة القول أن أذكر ما قاله أحد المستشرقين وهو ديفيد كوبر بهذا الخصوص عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب حيث قال «ولم يكن في دعوة الشيخ جديد لأنه كان يرى علاج المشكلات جميعا في العودة إلى سنة النبي محمد وأصحابه من السلف الصالح».
Travelers Accounts As A source for the study of Nineteenth century wahhabism.
وأما الدعوات المعاصرة فبعضها نسبتها اليها حقيقية، وهي توافقها عقيدة ومنهجا، قال تعالى «إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه»، وبعضها غير حقيقية كالقطبية، والتكفيرية التي عبثت بكلام الإمام محمد بن عبدالوهاب، وهذا لا يلزم الإمام شيء منه، وقد وقع التحريف لكلام الله ووضعه في غير مواضعه، فكيف بما سواه من الكلام.
ولا أحسب أني وفيت الإمام حقه لكن مقام الصحيفة يقتضي الاختصار.
والله أعلم