سمعت أن من الخطر العظيم الناشئ الآن هو خطر المميعِّين، فما هي أبرز علاماتهم حتى أكون على حذر منهم؟
يُقَالُ جوابًا على هذا السؤال: أن الدعوة السلفية الطيبة المباركة قد ابتلي طائفة من المنتسبين إليها فأدخلوا فيها أصولًا دخيلة هي ليست من المنهج السلفي:
– الأصل الأول أن بعضهم قال: إن خبر الثقة مقبول، فإذا جرح العالمُ أحدًا فيجب أن يُقبَل جرحه بمجرد جرح هذا العالم لذاك الرجل.
وهذا على الإطلاق خطأ، وفيه تفصيل، لكن قبل ذكر التفصيل أنبَّه على أن هناك فرقًا بين خبر الثقة وحكم الثقة، لو قال عالم ثقة: إن فلانًا فعل كذا، فالأصل وجوب قبول خبره لأن هذا من خبر الثقة، لكن إذا قال: هو ضال، أو وهو كذا وكذا فيقال: هذا حكمه.
وفرق بين حكم الثقة وخبر الثقة، وحكمه لابد أن ينظر فيه إلى الدليل، وإلى الضوابط الشرعية.
فإذا تكلَّم عالم في رجل بأنه ضال أو بأنه مبتدع أو غير ذلك فهذا المتكلم فيه أحوال:
– الحال الأولى: أن تثبت سلفيته، فمثل هذا لا يكتفى فيه بالجرح المجمَل لابد بالجرح المفسَّر المدلَّل، أن يأتي العالم بالدليل والبرهان، فإذا أتى بالدليل والبرهان المقبول قُبِل جرحه وإلا لم يُقبَل، كما بيَّن ذلك علماء المصطلح، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم.
– الحال الثانية: أن يكون الرجل مجهولًا لا يُعرَف بالسنَّة ولا بالسلفية، فإذا جرحه العالم جرحًا مجملًا، فالأصل قبول جرحه كما ذكر ذلك علماء المصطلح؛ لأنه ليس هناك تعارض، فهو مجهول لا يُعرَف بالسنَّة، فجاء عالم فجرحه، فالأصل قبول جرحه.
فإذًا لا يقال: إن جرح العالم يُقبَل مطلقًا من باب خبر الثقة، هذا خطأ كما تقدم، وهذا قد وقع فيه بعض أهل السنة، فآذوا إخوانهم أهل السُّنَّة، وأضعفوا السنَّة بخلافات ونزاعات والشجارات التي سبّبوها في صفوف أهل السنة.
وإذا دققت في كلام هؤلاء تراهم إنما يريدون علماء معينِين ولا يطَّردون ذلك في كل علماء أهل السنة؛ لذا إذا نقل كلام عالم من علماء السنة أنه جرح أحدًا من أتباعهم لم يقبلوه ولم يطَّردوا القاعدة، وهو أن خبر الثقة يُقبَل، فأسأل الله أن يهدينا وإياهم لما يحِبّ ويرضى، وأن يجعلنا وإياهم متجرِّدين لِلسنَّة غير متعصبين لأحد.
وعليه فنجد بناء على ما سبق من تأصيل طوائف :
– طائفة : مَيَّعَت السنة وأضعفتها بخلاف طائفة أخرى، عندها شدة وتحزب على أصول دخيلة كما تقدَّم بيان ذلك، والطائفة الثانية عندها تميُّع وتسهيل في دِين الله، وعندهم قواعد دخيلة.
ومن القواعد الدخيلة عندهم: أنه لا يُقبَل جرح عالم لأحدٍ حتى يجمع العلماء على ذلك.
وهذا خطأٌ بَيِّنٌ، بل إذا جرح عالمٌ ثقة أحدًا بِبَيِّنَةٍ وبرهان وكان معه الدليل فيجب إتباع الدليل، هذا كما يتعامل مع جميع مسائل الدين الفقهية وغير الفقهية، إذا تكلم عالم في مسألة بدليل فيجب قبول قوله للدليل، ونحن أُمِرنا بإتباع الدليل، فلا يجوز أن يُرَدَّ الدليل بحجة أنه قد اختلف في هذا الرجل، بل يجب إتباع الدليل الذي الظاهر، فمن ظهر له الدليل فلا يجوز له أن يَدَعَه بحجة أن هناك خلافًا؛ فإن الخلاف لا يُحتَجّ به، وقد بيَّن ابن عبد البر في كتابه “جامع بيان العلم وفضله” وابن تيميه رحمه الله تعالى في كتاب “رفع الملام” إجماع العلماء على أن الخلاف لا يُحتَجُّ به؛ بل الخلاف ضعيف محتاج إلى الدليل، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى:10].
وبسبب هذه القاعدة ميَّعوا كثيرًا من الشريعة، وأضعفوا المنهج السلفي، ثم لم يقفوا عند هذا الحد بل تراجعوا كثيرًا، وأخذوا يثنون على بعض من هو معروف بضلاله الحزبي، حتى من آثار ذلك: أن في بعض الأماكن من يتبنى مثل هذا صار يعيد النظر في الحزبيين، ثم بعد ذلك رجعوا بعلاقات حسنة مع كبار الحزبيين والضُّلّال من السرورية والإخوان المسلمين، وهذا من الخطأ العظيم، فيجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى ، وأن يعرفوا أنهم موقوفون بين يدي الله، وأن دين الله أعز علينا من أنفسنا.
وينبغي أن نغار على دِين الله أكثر من غيرتنا على ذواتنا، وأن نتقي الله، وأن ندع الحب والعلو في الأرض والرياسة، فإن كثيرًا من الناس تبنّى هذا من أجل حُبِّ الرياسة، وحُبِّ العلو في الأرض تبنَّى القاعدة الأولى أو القاعدة الثانية، وكثير من أصحاب القاعدة الثانية وكثير من المتميعين جاءتهم ردة فعل، فكأن الدين قائم على ردود الأفعال، وهذا خطأ.
يجب أن نكون متمسكين بالدين القائم على الدليل، وَافَقَنا مَن وَافَقَنا أو خالَفَنا من خَالَفَنَا، أو عَارَضَنا من عَارَضَنا، أو رَدَّ علينا مَن رَدَّ علينا؛ فإن اللهَ أَمَرَنا أن نتمسك بالحق، ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، ﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾[الأنعام: 153]، فإذًا نتمسك بالحق ولَو خَالَفَنا مَن خَالَفَنَا، ولا نصاب بردود أفعال، يجب أن نتقي الله سبحانه.
والذي أراه -والله أعلم- أن الطائفة الأولى في ضعف وفي تشتت وفي فرقة، والطائفة الثانية أخذت تروج بين المسلمين سواء في بلاد العالم الإسلامي أو غيره، ويرجع ذلك إلى أسباب، منها:
أن التمييع يُوافِق الأهواء؛ لأنه سيقِلّ عداؤه للمخالفين.
ومنها: أن هذا المسلك فيه ردّة فعل لمن تسلَّط عليهم، وهم الطائفة الأولى إلى غير ذلك من الأسباب.
فيجب أن نتقي الله، وأن نَحذَر الغلو والجفاء.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنَّة، وأن يُميتنا على ذلك، وأن نلقى الله راضيًا عنا، وجزاكم الله خيرًا.