سمعت محمد موسى الطيار يتظلم من ردك عليه ، فما توجيهكم؟


يقول السائل: أحسن الله إليك، سمعت كلامًا لمحمد بن حسن بن عقيل موسى الليبي الأصل، السعودي الجنسية، والطيار مهنة، والمشهور مؤخرًا بمحمد موسى الشريف، يتظلم من ردك عليه، ويقول إنك تعمدت بتر كلام له، فما توجيهكم؟

الجواب:

إن بمعرفة حقيقة الأمر يعرف ما جرى، وخلاصة ما جرى كالتالي:

أن محمد موسى الشريف قد ذكر طوامَّ عظيمة في باب الاعتقاد وغيره في مسجلات صوتية وفي كتبه المكتوبة، مما جعلني أضطر أن أرد عليه في رد صوتي بعنوان “وقفات مع محمد موسى الشريف”، والرد الصوتي في موقع الإسلام العتيق.

وكنت مما ذكرته عنه ونقلته بصوتِه: قوله بأنه يمكن للولي أن يحيي الموتى، وأن ابن تيمية خالف في ذلك، لكن المشهور عند أهل السنة أنهم يقررون ذلك ويجوّزونه، وقال: والتاريخ يدل على ذلك.

فلما رددت عليه بهذا الرد أخرج بعد ذلك ردًّا مكتوبًا ظهر فيه تأثره الشديد، وسماه (بيان توضيحي، ورد على عبد العزيز الريس)، ورده هذا في موقعه، وكنت أظنه سينفي عن نفسه هذا الذي نسبته إليه، فإذا به يؤكده، ويقع في طامة أشد.

وذلك أنه قال: إن كل كرامة لنبي تكون للولي إلا إنزال القرآن، فإنه لا يكون للولي، وأن هذا قول عند أهل السنة، ثم بعد ذلك نقل نقولات عن أئمة الأشاعرة، وممن تأثر بالأشعرية، فنقل عن الجويني والرازي وغيرهم.

ومما قرر أيضًا في كلامه هذا أنه يشترط في المعجزة أن تكون على وجه التحدي، وهذا أيضًا عين قول الأشاعرة.

فخطؤه بني على أصلٍ ضلَّ فيه في باب الكرامات، وذلك أن الأشاعرة يقولون: إن كل معجزة تكون للنبي يمكن أن تكون كرامة للولي إلا إنزال القرآن.

هذا الخطأ الأول عند الأشاعرة، وقد بين أهل السنة أن للأنبياء ما ليس للأولياء والصالحين، وبيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث مطول في كتابه (النبوات) وفي غيره، وأن هذا هو معتقد أهل السنة، لكن زل في ذلك محمد موسى الشريف، ووافق الأشاعرة والمبتدعة.

أما الزلة الأخرى فهو زعمه أن المعجزات مصحوبة بالتحدي.

وأهل السنة يخالفون ذلك، ويرون أن ما يكون على أيدي الأنبياء من الآيات ومما يسمى بالمعجزات قد يكون مصحوبًا بالتحدي، وقد لا يكون مصحوبًا بالتحدي.

ومحمد موسى الشريف وقع في هاتين الطامتين العظيمتين، وانبنى على هذا أمر، وهو أنه يصح للولي أن يُحيي الموتى، وأن هذا من كرامات الله له، ويقيد ذلك بقوله بإذن الله، إلى غير ذلك.

فوقع في طامتين عظيمتين في باب الكرامات، ثم نسب ذلك إلى أهل السنة، وجعله قولًا معتبرًا عند أهل السنة، ولم يستطع إثبات ذلك إلا عن أئمة الأشاعرة.

ومعلوم أن المعتقد الأشعري معتقد بدعي، وقد توارد العلماء على تبديعه، وذكر ابن المبرد -رحمه الله تعالى- في كتابه (جمع الجيوش والدساكر في الرد على ابن عساكر) عن ألف عالم في تبديع الأشاعرة، قال: “ولو شئت لنقلت ذلك عن ألفي عالم، بل عن عشرة آلاف عالم، بل عن أكثر”، وقد توارد أئمة السنة على تضليل الأشاعرة في باب الاعتقاد، وأنهم مبتدعة، وهذا لا يهمني كثيرًا، وإنما يهمني أن محمد موسى الشريف وقع في أمور ثلاثة عظيمة فيما نحن بصدده:

الأمر الأول: خطؤه في تقرير مسألة الكرامات، وزعمه أن كل كرامة للنبي تكون للولي إلا إنزال القرآن.

الأمر الثاني: أنه نسب ذلك إلى أهل السنة، بل جعله مشهورًا عندهم، وهو قول المبتدعة الضلال الأشاعرة ومخالف لإجماع أهل السنة.

الأمر الثالث: أنه جعل ما يجري على يد الأنبياء مما يُسمَّى بالمعجزات -وهي آيات- جعلها مقرونة بالتحدي، وأنها لا بد أن تكون مقرونة بالتحدي، وهذا خلاف معتقد أهل السنة.

فهذا خلاصة ما وقع فيه محمد موسى الشريف من الضلال، وقد أكَّد ذلك في رده عليّ، ثم بعد ذلك رددت عليه برد مكتوب، “وقفات حول رد محمد موسى الشريف”، وخلاصة هذا الرد المكتوب أنه تفريغ للرد الصوتي مع ذكر مقدمة في الإجابة على ما ذكره في رده الذي سماه بيانًا توضيحيًّا.

فمحمد موسى الشريف يتظلم ويشتكي مع أنه هو الذي أخطأ على معتقد أهل السنة.

ثم يظهر لي أن سبب أخطاء محمد موسى الشريف وغيره أنهم تربوا على الكتب الفكرية، فهو متيَّم بجماعة الإخوان المسلمين، ومتيَّم بحسن البنا، ومتيَّم بسيد قطب وغيرهم، وله كتاب في تعظيم هؤلاء القوم.

وحسن البنا صاحب ضلالات عظيمة في باب الاعتقاد، فيرى شد الرحال لقبور الصالحين، ويرى التقريب مع الرافضة، وأنه لا فرق بيننا وبينهم إلا في الفروع، وذكر أنه بايع على الطريقة الحصافية الصوفية، وذكر أبو الحسن الندوي أن حسن البنا استمر على ذلك حتى موته.

أما سيد قطب فهو جاهل جهلًا عظيمًا في باب الاعتقاد، وله ضلالات عظيمات وطوام كبيرات، ومن ذلك: أنه سب معاوية -رضي الله عنه- وأرضاه، وسب أباه أبا سفيان -رضي الله عنه-، وسب أمه هند -رضي الله عنها-، ووصف عمرو بن العاص بأنه منافق! أعوذ بالله، ولم يقف عند هذا الحد، بل تعدى على كليم الله موسى -عليه السلام- وتكلم عليه بكلام مقذع، وقد وثقت كل هذا في رد صوتي ومرئي بعنوان (موبقات سيد قطب أحرجت أنصاره)، ووثَّقت أيضًا ضلالات حسن البنا في رد صوتي بعنوان (على خطى حسن البنا)، وكل هذه في موقع الإسلام العتيق.

فكثيرٌ ممن تأثر بالحركيين أو نشأ في أحضانهم -ومنهم محمد موسى الشريف- عندهم جهل في باب الاعتقاد، فيقررون مسائل عظيمة لا يعلمون خطورتها ومدى ضلالها.

إذا تبين هذا، فقد تبين أن تظلمه لا محل له.

فإن قيل: قد يوجد في كلام بعض أهل السنة أنه يمكن للولي أن يحيي الموتى، لكن بإذن الله.

فيقال: أرجو أن ينتبه إلى أمرين اثنين، ولا أحب أن أطيل في هذه الإجابة، كعادتي في الإجابات أنني لا أطيل فيها، لكن قد يستدعي المقام أن أطيل قليلًا.

إن ما وجد في كلام أهل السنة وهو قليل من أنه يمكن للولي أن يحيي الموتى، إذا تأملته وجدته يفارق كلام محمد موسى الشريف من جهتين:

الجهة الأولى: أنهم يقررون أن كلامهم يرجع إلى أن الولي يدعو الله، فيحيي الميت، وفرق بين أن يدعو الله بذلك وبين أن يحيي الميت مباشرة كما فعل عيسى -عليه السلام-.

فلو أنَّ رجلًا مريضًا عالجه طبيب، فشفي بإذن الله، نقول: هذا طبيب شفاه بإذن الله، لكن لو أن رجلًا آخر عنده مريض، وليس له معرفة بالطب، وإنما دعا الله حتى شفاه، فلا يُقال عن الرجل الآخر: إنه طبيب لأنه قد شفا هذا المريض على يده، ففرقٌ بين الصورتين.

الجهة الثانية: أن لمحمد موسى الشريف تأصيلًا بدعيًّا في الكرامة، فيقول: كل معجزة لنبي تكون للولي إلا إنزال القرآن. وهذا تأصيل أشعري، وكلامه مبني على هذا التأصيل.

أما قول: “بإذن الله” فهذا حق، فكل شيء بإذن الله، لكن لا يصح للصوفية ولا المتأثرين بهم أن يسوِّغوا اعتقاداتهم الشركية بدعوى أنه بإذن الله، فمثلًا لو قال صوفي: إن الشيخ أو الولي يعلم الغيب بإذن الله. فيقال: هذا خطأ، فما اختص الله به لا ينسب لغيره ولو قيل إنه بإذن الله، إلا ما أثبتت الشريعة أنه يكون لغير الأنبياء، فمثلًا علم الغيب في المستقبل خاص بالله، ولا يعلمه أحد إلا ما يطلع الله من رسله، وليس ذلك لكلهم، لكن لمن يطلعه الله.

بل تقول: إن النبي ﷺ يعلم بعض ما يقع في المستقبل بإذن الله، وإن كان هذا العلم خاصًّا بالله، لكن قد يطلع عليه بعض رسله، كما قال سبحانه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:26-27].

ومثل ذلك القول في إحياء الموتى، فهو خاصٌّ بالله، وبه جادل وحاجَّ إبراهيم -عليه السلام- النمرود لما قال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة:258] فدل هذا على أنه خاص بالله، لكن الله قد يجعله لبعض رسله، كما حصل لعيسى -عليه السلام-.

وذكر شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في كلام مسجل صوتي، وسأنشره -إن شاء الله تعالى- في قناتي بالتلجرام، أن إحياء الموتى خاص بالله، وأنه قد يجعل ذلك لرسله، قال: ولا أعرف أنه كان إلا لعيسى -عليه السلام-، أما ما عداه من الأولياء فليس لهم ذلك، وليس كل ما يكون للنبي يكون للولي، ثم ذكر أن ما جرى على يد بعض التابعين من إحياء الموتى المراد به: أنهم دعوا الله فأحيا الموتى.

هذا خلاصة ما يهمني أن يعرف، لأنه يتعلق بمعتقد أهل السنة.

أما تبديع محمد موسى الشريف من سماهم بالمداخلة أو الجامية، فأنا لا ألومه على ذلك، لأن من سماهم بالمداخلة والجامية هم أهل السنة السلفيون، وهم على المعتقد السلفي، أما هو فقد زاغ في أمور كثيرة تتعلق بباب الاعتقاد.

فبناء على هذا، فلا بد أن يعاديهم ويخالفهم، ولو رجعنا إلى كلام علمائنا الكبار كشيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان فإنه قد قال: لا يوجد شيء اسمه جامي، وما ينسب إلى الجامية حق، بل إن من كلماته العظيمة أنه قال: يا حبذا الجامي.

وأعجب أن الحركيين كثيرًا ما يرددون بأن من سموهم بالجامية يجرحون العلماء والدعاة …إلخ وما تركوا أحدًا، ويسموهم بالمجرِّحين.

وها هو محمد موسى الشريف وقع في هذا، بل إنه وقع فيما هو أشد؛ لأنه جرح بغير حق، أما من سماهم بالجامية فإنهم لا يجرحون إلا ببينة ودليل، هذا من حيث الجملة وقد يخطئون، لكن هذا من حيث الأصل، وكل من جرحوه عندهم بينته وبرهانه، وهذا من حيث الأصل، وليس أحدٌ معصومًا من الخطأ، ومن أخطأ فيجب عليه أن يتوب إلى الله.

وأخيرًا أدعو محمد موسى الشريف أن يتقي الله، وأن يرجع إلى الله، وألا يكابر أن أكثر ضلال بني آدم ليس بالجهل، وإنما بسبب العناد.

فأدعوه أن يتقي الله ولا يعاند، وأن يتدارك ما بقي من حياته، وأن يصلح ما أخطأ مما نشر بين العباد، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ [البقرة:160].

أسأل الله أن يهديني وإياكم وإياه لما يحب ويرضى، وأسأل الله تعالى أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0