سورة الإخلاص ونهاية العام الميلادي


 

 

الخطبة الأولى :

 

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

 

أما بعد: فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ

 

 

يقول الله ﷻ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

عباد الله: حديثنا عن سورة عظيمة جمعت فضائل عظيمة وحسنات جليلة من قرأها كان كمن قرأ ثلث القرآن، جمعت هذه السورة العظيمة أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وقد وردت أحاديث عدة في فضلها، وفضل قراءتها في الصلاة وخارجها، وفي أدبار الصلوات، وفي الصباح والمساء، وعند النوم والقيام منه، وللاستشفاء بها، وهي سورة عبارة عن أربع آيات، تضمنت إثبات صفات الكمال لله، ونفي صفات النقص والعيب عنه سبحانه، مع نفي الشبيه والمثيل والمكافئ، إنها سورة التوحيد والإخلاص.

 

فيها إثبات صفات الكمال بقوله ﷻ (قل هو الله أحد * الله الصمد).

 

ونفي صفات النقص والعيب بقوله ﷻ (لم يلد ولم يولد). وذلك لكمال غناه سبحانه.

 

ونفي الشبيه والمثيل بقوله ﷻ (ولم يكن له كفواً أحد).

 

(قل هو الله أحد): هذا أمرٌ من الله ﷻ لنبيه ﷺ والأمة داخلة في هذا الأمر.

 

و (الله): اسم الله تعالى، لا يُسَمَّى به غيرُه، وهو أصل الأسماء.

 

وسبب نزول هذه السورة:

 

عن أبي بن كعب قال: «إن المشركين قالوا للنبي ﷺ: انسب لنا ربك. فأنزل الله ﷻ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.

 

وعن جابر بن عبد الله : «أن أعرابيًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: انسب لنا ربك. فأنزل الله ﷻ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إلى آخرها».

 

وفضائل هذه السورة: أنَّها صفةُ الرحمنِ، وأَنَّ حُبَّها يُوجبُ محبةَ اللَّهِ عن عائشةَ أنَّ النبيَّ ﷺ بعثَ رجُلاً على سرية فكان يقرأُ لأصحابهِ في صَلاتِهِم فيَختمُ بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فلمَّا رجَعوا ذكَّرَوا ذلك للنبيِّ ﷺ فقال: “سلُوهُ: لأيِّ شيء يصنعُ ذلك؟ “، فسألُوهُ، فقال: لأنَّها صِفَةُ الرَّحمنِ، وأنا أُحبُّ أن أَقرأَ بِهَا، فقالَ النبيُّ ﷺ: “أخبروهُ أن اللَّه يُحبُّهُ”. متفق عليه

 

وايضا: أن حُبَّها يُوجبُ دُخولَ الجنَّةِ عن أنسٍ قالَ: كانَ رجُلٌ مِنَ الأنصارِ يؤُمُّهم في مسجدِ قُباءَ، وكانَ كلَّما افتتحَ سورةً يقرأُ بِهَا لهمْ في الصلاةِ ممَّا يقرأُ به، افتتح بـ (قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حتى يفرغُ مِنْها، ثُمَّ يقرأُ سُورةً أُخرَى مَعَهَا، وكانَ يصنعُ ذلكَ في كلِّ ركعةٍ، وذكرَ الحديثَ، وفيه: فقالَ النبي ﷺ”يا فلانُ، ما حملكَ على لزوم هذهِ السورةِ في كلِّ ركعةٍ؟ ” فقال: إني أُحِبُّها، فقالَ: “حُبُّكَ إياهَا أدخلكَ الجنَّةَ”.

ومنْ فضائلها: أنَّها تعْدِلُ ثلثَ القرآنِ عن أبي سعيدٍ أنَّ رجلاً سمعَ رجُلاً يقرأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُردِّدُها، فلمَّا أصبحَ جاءَ إلى النبيِّ ﷺ فذكرَ ذلكَ لهُ – وكانّ الرجلَ يتقالُّها – فقال رسول اللَّه ﷺ: “والذي نفسِي بيده إنَّها لتعدلُ ثُلُثَ القرآنِ “. صحيح البخاري

 

ومِنْها: أنَّ قراءَتَها تكفِي مِنَ الشرِّ، وتمنعهُ عنْ عائشةَ : “أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ إذَا أوَى إلى فِراشِهِ قرأَها مع المعوذتينِ ومَسَحَ ما استطاعَ مِنَ جسدِهِ ” صحيح البخاري

 

ومن فضائلها أنه يُبنى لقارئها بيت في الجنة: عَنْ سَهْلِ بنِ مُعَاذِ بن أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ قَرَأَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بنى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ” فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: إِذنْ نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ” صححه الألباني

 

عِبَادَ اللهِ: اقْرَؤُوا هَذِهِ السُّورَةَ الحَافِظَةَ لِمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، وَاجْعَلُوهَا في كُلِّ أَوْقَاتِكُمْ، وَسَائِرِ أَحْوَالِكُمْ، كَمَا كَانَ نَبِيُّكُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ يَقْرَأُ بِهَا عِنْدَ نَومِهِ، وَفي مَسَاءِهِ وَفي صَبَاحِهِ، وَفي أَدْبَارِ صَلَوَاتِهِ، وَكَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ في يَدَيْهِ بِــ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وَالمُعَوِذَاتِ، وَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَسَائِرَ جَسَدَهِ.

 

فَاقْرَؤُوهَا بِتَدَبُرٍ وَتَفَكُرٍ، اقْرَؤُوهَا بِتَمَعُنٍ وَتَعَبُّدٍ، اقْرَؤُوهَا فَهَا أَنْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَضْلَهَا وَعَرَفْتُمْ أَجْرَهَا.

 

أَقُولُ ما سمعتم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ انه هو الغفور الرحيم

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:

عِبَادَ اللهِ: يقول الله ﷻ في هذه السورة ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾:

  • أي: لم يكن له والد ولا يكون له ولد سبحانه وتعالى.

 

‏قد جاءت هذه الآية الكريمة لتنفي العقائد الباطلة، وتردَّ على اليهود والنصارى والمشركين، الذين نسبوا لله تعالى الصاحبة والولد؛ فمشركو العرب زعموا: أن الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا؛ قال تعالى ﷻ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

وقال تعالى ايضا: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾

وقال تعالى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾

 

  • وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال: “لا أحدَ أصبرُ على أذًى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم”، وفي رواية “ما أحد أصبر على أذًى يسمعه من الله تعالى؛ إنهم يجعلون له ندًّا، ويجعلون له ولدًا، وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم” رواه البخاري

 

عباد الله: لا يجوز مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم، ولا تهنئتهم بها، ولا مساعدتهم في إقامتها، ولا حضور إقامتها؛ لأن في ذلك تشبُّهًا بهم، ومتابعة لهم في عقيدتهم الباطلة. ومن ذلك ما يحتفلون به هذه الأيام من عيد الكريسمس او الاحتفال بنهاية العام الميلادي ومن يحتفل معهم او يهنئهم كأنه مقر لهم أن لله ولد تعلى الله عز وجل عن ذلك.

 

كيف برجل يقرأ سورة الإخلاص ثم بعد ذلك يحتفل او يهنئ ويتشبه بمن ينسب لله الولد تعالى الله عز وجل عن ذلك.. وتزيين المنازل بالبالونات في هذا الوقت مشاركة ظاهرة للكفار في الاحتفال بعيدهم.

 

والواجب على المسلم ألا يخص هذه الأيام بشيء من الاحتفال أو الزينة أو الطعام، وإلا كان مشاركا للكفار في أعيادهم أو متشبها بهم.

أخيرا: أُنبِّه أن حضور أعياد الكفار محرَّمٌ بإجماع أهل العلم، حكى الإجماع الإمام ابن القيم رحمه الله.

 

إذًا ليست المسألة مسألة اجتهادية، يصح لأحد أن يجتهد، وأن يخالفها، بل هي مسألة إجماعية، من خالف فيها فهو مخطئٌ قطعًا، ولا يصح أن يتابع في خطئه، فقد أبتلينا في هذه الأزمان بدعاة باطل وإفسادٍ للدين، وللأسف باسم الدين.

 

وهذا الذي حُذِّرنا منه في الشريعة، وحَذرنا منه سلف هذه الأمة، عن سفيان الثوري رحمه الله قال: (كان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، والعالم الفاجر، فإنهما فتنة لكل مفتون).

 

فيجب أن نَحذر علماء الضلالة الذين حذرنا منهم النبي ﷺ في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “فسئلوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلوا، وأضلوا ” متفق عليه

 

فقد خرج جمعٌ من علماء الضلالة، ولبَّسوا على الناس دينه، فأخرجوا فتوى بجواز المشاركة والتهنئة بهذه الأعياد، وهذه الفتوى كذبٌ، وفتوى ضلالةٍ، فإن المسألة محسومة، عليها إجماع أهل علم، فلا يلتفت لعلماء الضلالة هؤلاء.

كونوا حريصون على دينكم أحرص من دُنياكم، روي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن الإمام محمد بن سيرين رحمه الله إنه قال: (إن هذا العلم دينٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم).

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد امركم بذلك ربكم فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ

# اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.

# اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين

#اللهم اعز اهل السنة في كل مكان اللهم ولي عليهم خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين

# اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك.

# اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وايماننا واستقرارنا وقادتنا وجماعتنا.

# اللهم وفق ولاتنا لكل خير وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

#اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد يا رب العالمين

# اللهم من اراد بلادنا وشبابنا وبناتنا بسوء او مكروه او فساد أو تبرج أو سفور فجعل كيده في نحرره واشغله في نفسه وافضحه يا رب العالمين

# اللهم انت الله لا إله الا انت الغني ونحن الفقراء انزل علينا الغيث ……

# عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

سورة الإخلاص ونهاية العام الميلادي- أسامة الريس


شارك المحتوى:
1