صد عدوان المفسدين على محكمات الدين
لأهل الأهواء ومتبعي الشبهات طرائق وحيل يتخذونها سلما لتعطيل أحكام الدين والنيل من شريعة رب العالمين، يتخذون هذه الأسباب لإيقاف العمل بنصوص الشريعة وتجاوزها وإلغائها، ويستعيضون عنها بما تمليه عليهم أهواؤهم الفاسدة وعقولهم القاصرة.
من هؤلاء من هو عدو حاقد على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قد أظهر ساق العداوة للدين وأهله، يتخذ من دعوى النظر في النصوص الدينية مدخلا لتحريف الشريعة، والعمل على طمس معالمها، وإظهار أنها من عند غير الله !!
وإذا كان لكل قوم وارث، ولكل سالف خالف، فإن وراث ابن الراوندي وأبي العلاء المعري وأبي عيسى الوراق هم هؤلاء الخلوف الذين يظنون أنهم قادرون بعبثهم وتشغيبهم على دمغ كلام الله وتفنيده وإظهار تناقضه، وهم في كل ذلك أدعياء كفرة وزنادقة فجرة.
والصنف الثاني من أهل الأهواء، أناس يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم ممن يؤلف بين النص والواقع، ويزاوج بين التراث والمعاصرة، ينظرون في نصوص الشريعة، ويدعون الناس إلى الاحتكام إليها، لكنهم يزيفون معانيها ويغيرون حقائقها، ويتجاوزون محكماتها، خضعانا لبريق المصالح المتوهمة، واستسلاما لأهواء نفوسهم المحكمة.
ومآلات الفريقين في الإضرار بالشريعة والتوهين لمادتها عظيمة، وإن كانت مشاربهم التي يغترفون منها، ومنطلقاتهم الفكرية التي يتعاملون مع النصوص في ضوئها، مختلفة متغايرة.
واعلم أخي رعاك الله أن أفضل طريقة تعرفهم بها، وتتقي إفسادهم وتحذر غائلتهم تتمثل في الاستهداء بهدي الشريعة، والسير على مقتضاها في العناية بباطن العبد وظاهره، فإن في هذه الشريعة الكاملة من كل وجه والسالمة من كل نقص وخلل، كل ما هو أهدى للتزكية والاتباع، وأصلح في العاقبة والمآل.
والمقصود أن التحصين ضد شبهات الملبسين يسير في طريقين اثنين لا غناء لأحدهما دون الآخر، وكل منهما يمد صاحبه بماء الحياة وأسباب البقاء، أحدهما: متوجه إلى قلب العبد عناية بإصلاحه وتهذيبه، وإمدادا له بأسباب عافيته وبقائه.
والثاني: متعلق بمواجهة المفسدين في معاقلهم، والإغارة عليهم في ثكناتهم، ردا لمقولاتهم وتسفيها لأباطيلهم.
فالسبيل إلى تحصيل السلامة من الآفات والتوقي من الشبهات هو أن يعتني العبد بتزكية باطنة من كل شائبة، وأن لا يجعل من قلبه مسرحا ترتع فيه الضلالات وتقبل وتدبر فيه كلابها، بل يعمل على ملاحقتها وتتبع فلولها وتطهير القلب منها، فإن هذه الشبهات من أعظم ما يرين على القلب فيطفئ نوره ويضعف مشيه.
وماذا ينفع أهل القلوب الخربة، والخشب المسندة قوة أجسامهم، وحسن كلامهم، إذا كانت قلوبهم مملوءة بألوان من الانحرافات التي أوهنتها، وتسببت في عطبها، والتعجيل بهلاكها ؟!
فعلى العبد الذي يرجو السلامة في دينه أن يلوذ بالله تعالى ويعتصم بجنابه، ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو ربه ويلظ منطرحا بين يديه سبحانه بقوله: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه.
فالثبات على الحق عزيز، وليس فوقه في هذه الحياة مطمع، فمن أجله شرعت مجاهدة النفس وأطرها على الحق، وبناء الجدران العازلة على القلب حتى لا تعبث به العوادي الضالة فتسترقه لمشروعها، وتلحقه بركبها، ومن أجله شرع الرد على المتعدين على الشريعة والمتخوضين في أرجائها، حتى تبقى بيضاء نقية مطهرة من دنسهم ورجسهم.
كتبه محمد بن علي الجوني