الخطبة الأولى
أما بعد : أيها المسلمون لقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة يزداد بها ايماننا وتكمل بها عباداتنا وتتم بها علينا نعمة ربنا فقد شرع لنا زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد
فأما زكاة الفطر: فهي فرض عين على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى عبداً أو حراً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين : ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الذكر والأنثى و الصغير والكبير والحر و العبد من المسلمين و أمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة ).
أما الجنين في بطن أمه فلا يجب عليه زكاة ولكن يستحب لفعل عثمان رضي الله عنه.
وأما وقت إخراجها / فهو قبل صلاة العيد ولا يجوز تأخيرها إلى بعد الصلاة ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين كما فعل الصحابة وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين لأن الشهر يكون 29 أو30 يوماً.
أما الحكمة منها / فهي إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بالفطر من رمضان و إكماله . وهي أيضاً طهرةٌ للصائم من اللغو والرفث و طعمةٌ للمساكين لما ثبت عن ابن عباس قال : ( فرض سول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).أبو داوود صحيح الجامع 3570.
ويتسائل بعض الناس : هل يجوز إخراجها مالاً ؟
والجواب عن هذا : لقد بين الرسول أن زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط قال أبو سعيد الخدري كما في الصحيحين : ( كنا نعطيها في زمن النبي صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب).
وفي رواية (أو صاعاً من أقط) فهذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفطر مع وجود الدرهم والدينار في عهده ولم يذكرها في زكاة الفطر وبما أن الزكاة عبادة فلا يجوز الإحداث فيها بما لم يشرعه الله ورسوله لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
قال العلامة ابن باز رحمه الله : أن الأصل في العبادات التوقيف، ولا نعلم أن أحداً من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أخرج النقود في زكاة الفطر،وهم أعلم الناس بسنته، صلى الله عليه وسلم، وأحرص الناس على العمل بها، ولو وقع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره من أقوالهم، وأفعالهم، المتعلقة بالأمور الشرعية،(مجموع الفتاوى14/210)
قال العثيمين رحمه الله : لا يجزىء إخراج قيمة الطعام، لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». ومعنى رد : مردود، ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم(مجموع الفتاوى18/185)
وأما عن الحُكْم في إخراج الزكاة في غير بلد المُزَكي:
فقد سئل العلامة ابن باز 14/215 عن ذلك فقال رحمه الله :لا بأس بذلك , وتجزيء إن شاء الله في أصح قول العلماء ,لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل و أحوط , وإذا بعثتها لأهلك ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس.
وأعلم أخي المسلم: أنه يجوز للإنسان أن يوزع الفطرة الواحدة على عدة فقراء أو يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر .
و أعلم يا أخي انك إذا أعطيت الفقير زكاتك فإن له أن يبيعها أو يأكلها أو يتصدق بها أو يهبها لأنها أصبحت ملكه وخرجت من ملكك لأن بعض الناس يقول إن أعطيته الفطرة فإنه يبيعها على البائع الذي شريتها منه .فيقال لهذا : وما يضرك لو باعها أليست ملكاً له ؟؟ فلا تمن يا أخي بصدقتك على الفقراء فإن الله جلا ووعلا يقول : ( يا أيها الذين أمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ).
ثم إنه لو قُدَّر أن الفقير الذي أعطيته زكاتك طبخها ودعاك إلى التناول معه فإنه يجوز لك أن تأكل معه منها ولا حرج .
ثم اعلم بارك الله فيك أن مخرجها :يكون للفقراء والمساكين فقط وليست كـزكاة المال والعروض والأنعام التي تعطى للأصناف الثمانية .
عباد الله : ومن العبادات المشروعة في ختام هذا الشهر : (التكبير)
فقد أمر الله به كما في قوله تعالى : ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ) أي على ما وفقكم له من الصيام والقيام وغيرهما من الطاعات في هذا الشهر فكبروا أيها المسلمون من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد وقولوا :الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد .قولوها جهراً في المساجد والأسواق والبيوت , إلا النساء فإنهن يكبرن سراً لا جهراً .
وإياكم أيها المسلمون من التكبير الجماعي بصوت واحد فإنه أمر محدث في الدين وخاصة الذي يحصل بالمكبرات في بعض المساجد وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة حيث جاء فيها :
التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعه لما ثبت عن النبي (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ولم يفعله السلف الصالح ولا من الصحابة ولا من التابعين ولا تابعيهم , وهم القدوة والواجب الإتباع وعدم الابتداع في الدين .(8/311)أ.هـ
وليكبر ـ عباد الله ـ كل انسان بمفرده دون تقصد التكبير مع الجماعة وفقنا الله واياكم لاتباع السنة.
الخطبة الثانية
عباد الله : ومن العبادات المشروعة في ختام هذا الشهر المبارك: (صلاة العيد)
وهي فرض كفاية ، وإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام , وقد أمر بها الرسول حتى النساء .لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت قال رسول الله : ( أخرجوا العواتق وذوات الخدور فليشهدن العيد ودعوة المسلمين وليعتزل الحيض مصلى المسلمين ) و زاد في رواية لهما : قلت يا رسول الله : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها .
فأخرجوا رحمكم الله إلى الصلاة رجالاً و نساءً كباراً وصغاراً ولتخرج النساء غير متجملات ولا متطيبات أما الرجال فالسنة أن يخرجوا متطيبين لابسين أحسن الثياب .
و أعلموا أن من السنة يوم العيد :أن المسلم يأكل قبل خروجه إلى مصلى العيد تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو نحوها من الوتر لحديث أنس رضي الله في البخاري حيث قال : ( كان النبي لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) .
أما الخروج إلى المصلى بالتمر أو توزيعه في المساجد يوم العيد فهو بدعه لا أصل لها فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكل التمر قبل الذهاب إلى المصلى وليس من هديه ولا من هدي أصحابه أكل التمر في المصلى أو أخذه معهم ولو كان معمولاً به لسبقونا إليه ولنقل إلينا .
قال العلامة الفوزان : ما ورد أن السلف يوزعون التمر في المساجد وفي مصليات العيد، ونحن لا نتجاوز ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم(فتاوى الدروس العلمية)
وقال العلامة العثيمين رحمه الله : فبعض الناس ولاسيما العامة ينقلون التمر ليأكلوه في مصلى العيد، ولا يأكلونه حتى تطلع الشمس فيقيدون هذا الأكل بزمان، ومكان.
وقد قلنا: إن كل إنسان يخصص عبادة بزمان ومكان لم يرد به الشرع، فإنها بدعة غير موافقة للشرع(مجموع الفتاوى16/171)
اللهم اجعلنا ممن وفقته لصيام وقيام رمضان ايمانا واحتسابا ، واجعلنا ممن وفقته لقيام ليلة القدر ايمانا واحتسابا ، اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك والفوز بجنانك ، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ,,,,