في هذه الأيام يخطب كثير من الخطباء ، ويحاضر كثير من المحاضرين عن انتصارات المسلمين في شهر رمضان المبارك ، ويتحدثون عن غزوة بدر الكبرى وعن فتح مكة ، وهما بلا شك من الأحداث العظيمة في الإسلام ، فإن يوم بدر هو “يوم الفرقان” كما وصفه الله تعالى ، وحصلت بعده مهابة للإسلام في قلوب الكثيرين بعد هزيمة قريش رغم عددهم وعتادهم.
وفتح مكة هو “الفتح المبين” الذي كان من نتائجه دخول الناس في الإسلام أفواجاً كما قال الله تعالى : (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً).
وقد سُمِّي العام التاسع من الهجرة وهو العام الذي يلي فتح مكة بعام (الوفود) فقد اتجه الناس للدخول في هذا الدين العظيم أفواجاً بما لم يكن قبل ذلك الفتح العظيم.
وقد رأيت أن من المناسب التنبيه إلى دور الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار في هذه الانتصارات وغيرها من انتصارات الإسلام ، وإن من الواجب على الدعاة والوعاظ والمدرسين أن يُذَكِّروا الناس بفضائل هؤلاء الصحابة الكرام ، لما لهم من الحق علينا تجاههم وتجاه ما قدموا لهذا الدين
إنهم الذين نصروا الله ورسوله ،،
إنهم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،،
إنهم الذين جادوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى ،،
إنهم الذين رضي عنهم الله تعالى وأثنى عليهم ومدحهم وزكاهم،،
وفضائلهم كثيرة بينتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأجمعت عليها الأمة ،،
إنهم الذين فهموا الإسلام الفهم الصحيح ، وعرفوا مقاصده وتشريعاته وأحكامه ،،
إنهم الذين ساروا على المنهج الصحيح في معنى “الجهاد في سبيل الله”
وما أعظم الحاجة الآن لمعرفة ذلك المنهاج المستقيم الذي ساروا عليه ، والأمة تعيش في تخبط كبير ــ إلا من رحم الله ــ تعيش في تخبط في فهم معنى “الجهاد في الإسلام ” ومقاصده وضوابطه وشروطه … ما بين الغالي !! والجافي !! بل إن كثيراً من الغلاة صارت قدواتهم شخصيات معاصرة !! لم يؤمن عليها الانزلاق والانحراف !! فما أعظم الحوجة لوصية الصحابة الكرام : (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
إن الحاجة ماسة لتذكير المسلمين بفضائل الصحابة الكرام ، وتزداد هذه الحاجة بوجود (شواذ) في مجتمعنا أخذوا جرعة من سم الروافض وأهل التشيع ، فسكرت بذلك عقولهم وطمست قلوبهم ، فرددوا خلفهم عبارات الطعن في الصحابة الكرام ، إحياءً لمذهب اليهودي عبد الله بن سبأ !!
وهذا ما لم يكن يتوقع في يوم ما !! أن يكون لهؤلاء وجود ـ ولو ضئيل ـ في هذا المجتمع العظيم الذي توارث أهله حب الصحابة الكرام ونشر فضائلهم ومآثرهم ، و قل إن تجد بيتاً ليس فيه من أسمائهم ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ــ
إن الدعوة الرافضية الشيعية حملت على عاتقها مهمة السب والطعن والتشكيك بل والتكفير لصحابة محمد عليه الصلاة والسلام كما تنضح بذلك كتبهم المشؤومة ومقالاتهم المسمومة ، بدءاً بأبي بكر وعمر وعثمان ، وإن دعاء صنمي قريش هو من الأدعية التي لها فضل عظيم عند الشيعة ، لذلك فإنهم يرددونه في الصباح والمساء ، وصنما قريش هما أبو بكر وعمر عندهم ـ والعياذ بالله ــ والعجيب أنهم يضمنون داخل دعائهم باللعنة وهو قولهم ( اللهم العن صنمي قريش وطاغوتيهما وجبتيهما “وابنتيهما”…) والمقصود بابنتيهما :عائشة وحفصة رضي الله عنهما وهما من زوجات النبي الكريم وأمهات المؤمنين !!
وإن الحديث عن هذه المناسبات يؤكد علينا : الحديث عن هؤلاء الصحابة الكرام الذين أمرنا بمحبتهم والترضي عليهم ومعرفة حقهم والسير على منهجهم وسبيلهم .ومن المناسب استعراض أدوارهم بالتفصيل في هذه الغزوات ، وعباراتهم وتصرفاتهم وجهادهم بالتفصيل لتزداد محبتهم في القلوب.
ومن هذا الباب فإني أضع بين يدي القارئ الكريم نماذج (مختصرة) للنصوص الشرعية وكلام أهل العلم فيما ورد في فضلهم عليهم رضوان الله تعالى .
فقد قال الله ـ عز وجل ـ: ( سورة التوبة وقال الله ـ جل وعلا ـ : ( سورة التوبة، وقال الله ـ عز وجل : ( “سورة الفتح.
ومما جاء في سنة النبي r قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما سُئل:أي الناس خير؟ قال: «قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ».
وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي r كما يروي أبو بردة عن أبيه أنه قال: (صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ ـ قَالَ ـفَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَال: « مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ». قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا ِما يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَال: « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رواه مسلم في صحيحه.
ومما جاء في صحيح البخاري من الثناء عليهم قول النبي r : «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»، وعند الإمام مسلم بلفظ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة اكتفي بما ذكرت لضرورة الاختصار.
وأما كلام الصحابة وكلام التابعين وأهل العلم في شأن الصحابة ومنزلتهم وفضلهم فهو كثير، وبالإمكان أن نأخذ مما ورد في ذلك ما يلي:
جاء عن عبدالله بن مسعود أنه قال: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد r فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء»رواه الإمام أحمد في المسند والبغوي في السنة.
وقال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : «من كان مستناً فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد r، كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً قوم اختارهم الله لصحبة نبيه r ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد r وكانوا على الهدى المستقيم» حلية الأولياء.
وقال أيوب السختياني ـ رحمه الله تعالى ـ: «من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله r فقد برئ من النفاق»البداية والنهاية.
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في مقدمة رسالته المشهورة: «وأن خير القرون، الذين رأوا رسول الله r وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحد من صحابة رسول اللهr إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويُظن بهم أحسن المذاهب».
وأما عدالتهم ـ رضي الله عنهم ـ فقد أجمعت عليها الأمة كما نقل ذلك أهل العلم :
يقول الإمام أبو عمر ابن عبدالبر المالكي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (الاستيعاب في معرفة الأصحاب): «ونحن وإن كان الصحابة y قد كُفينا البحث عن أحوالهم؛ لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أن كلهم عدول فواجبنا الوقوف على أسمائهم».
ويقول أبو عمرو ابن الصلاح في مقدمته المشهورة في المصطلح: «للصحابة بأسرهم خصيصة وهو أنه لا يُسئل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بهم في الإجماع من الأمة»، وقال أيضاً: «إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة …. ، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانًا للظن بهم ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر؛ وكأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم».
وقد نقلت بعض هذه النقول القيمة من كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام للدكتور عبد الله الشيخ.
هذا شيء يسير مما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والكتب (الموثوقة) ، وأسأل الله تعالى أن نكون بذلك قد أدينا ـ ولو جزءاً يسيراً ـ من حق هؤلاء الصحابة الكرام علينا ، والله الموفق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.