فوائد منتقاة من كتاب ( الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني )
اختارها / منصور بن عبدالله العازمي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين … وبعد :
فهذه فوائد منتقاة من كتاب(( الذريعة إلى مكارم الشريعة ))
لـ / أبي القاسم الحسين بن محمد ( الراغب الأصفهاني / ت : ٥٠٢ هـ )
غفر الله له وأسكنه فسيح جناته
كلمة :
العلم طريق إلى الله يحبه الله ومدح أهله وقربهم وأثنى عليهم، واتصف الله به وسمى به نفسه العلية ( العليم)، والعلم لا تشبع منه القلوب التي تحوم حول
العرش = القلوب التي استقامت وخضعت
لمولاها = القلوب التي شغفها حب الجنة
ورياضها = إذ أنّ حِلق الذكر والعلم رياض الجنة كما جاء في الخبر .
العلم يا أهل العلم !!
ثبات وزينة ودرجات يرتقيها العبد في خضم هذه الفتن والمغريات والـمِحن،
العلم يؤنسك بمخالطة أنفاس العلماء وسماع نصائحهم وتقييد فوائدهم وشواردهم ،
ورحم الله الشاطبي – عالم علم المقاصد –
إذ يقول : ” كان العلم في صدور الرجال ثم إنتقل إلى بطون الكتب فصارت مفاتيحه بأيدي الرجال ” .
فكم نفعني الله بهذه الكلمة !!!!
فله وحده الفضل وله وحده المِنةُ والشكر
وإني لأسأل الله العليم الحكيم بمنّه وفضله وجوده وكرمه وإحسانه أن يُسبغ علينا نعمه وآلاءه وأن يفتح علينا جميعا باب العلم والعمل وأن يجعلنا هداة مهتدين مفاتيح للخير مغاليق للشر … آمين .
وقدس العلم واعرف قدر حرمتهِ
في القول والفعل والآداب فالتزمِ
وانهض بعزم قوي لا انثناء لهُ
لو يعلم المرء قدر العلم لم ينمِ
يقول العلامة أبو القاسم الراغب الأصفهاني رحمه الله وعفى عنه وأسكنه الفردوس:
١/ قال الله : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ… ) خلافة الله عز وجل لا تصح إلا بطهارة النفس كما أن أشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم.
٢/ وقال : كن أيها الأخ عالما وبعلمك عاملا تكن من أولياء الله الذين ( لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )
واحذر الشيطان أن يسبيك ويغريك بأعراض الدنيا.
٣/ وقال : الإنسان في هذه الداركما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه :
” الناس سفر والدنيا دار ممر لا دار مقر وبطن أمه مبدأ سفره والآخرة مقصده “.
٤/ وقال : لما كان الطريق إلى الدنيا مضلة مظلمة قد استولى عليها أشرار ظلمة
جعل الله لنا من العقل الذي ركبّه فينا وكتابه الذي أنزله علينا نورا هاديا .
٥/ وقال : لما كانت زهرات الدنيا رائقة الظاهر خبيثة الباطن نهى الله عن الاغترار بها ، فقال : ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ).
٦/ وقال : واعلم أن السمع والبصر كالأخوين يخدم كل واحد منهما صاحبه في إدراكه، فقد ينوب السمع عن البصر في إبلاغ القلب بما يأخذه عن اللفظ فيدرك في ساعة ما لا يدركه البصر في برهة، وينوب البصر عن السمع في إبلاغ القلب بمطالعة الكتب ما لا يدركه السمع في مدة سيما إذا كان المخاطب ناقص العبارة، أو غير متثبت في الكلام، أو دق المعنى وغمض عن الإفهام.
٧/ وقال : اعلم أن كل ما أوجد في العالم فإنما أوجد لأجل الإنسان إما لانتفاعه به كالخيل أو الأغذية له كالغنم وإما لانتفاع ما ينتفع به الإنسان كالعشب والحشرات .
٨/ وقال – ذاكرا الناس – : قد ترى واحدا كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد !!!
كما قيل : ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى عد ألف بواحد
٩/ وقال : فمن وفقه الله للهدى وأعطاه قوى لبلوغ المدى فراعى نفسه وزكاها فقد أفلح ، ومن حُرم التوفيق فأهمل نفسه ودساها فقد خاب وخسر .
١٠/ وقال : وللإنسان مع هواه أحوال : – يغلبه الهوى فيملكه ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) .
– يغالبه فيقهره مرة ويقهر مرة .
– يغلب هواه ( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) .
١١/ وقال : فإن ما يرى العقل يتقوى إذا فزع فيه إلى الله تعالى بالاستخارة وتَساعد عليه العقول الصحيحة إذا فزع إليها بالاستشارة وينشرح له الصدر إذا استعين فيه بالعبادة .
١٢/ وقال : فالهاجس علة الخاطر والخاطر علة الإرادة والإرادة وهي الهمة علة العزم ويتجافى عنهما ما لم يصيرا إرادة وعزما ثم بعدهما … العمل .
١٣/ وقال -عن الشهوة-: متى قهرها وأماتها صار الإنسان حرا نقيا بل يصير ربانيا
فتقل حاجاته ويصير غنيا عما في يد غيره وسخيا بما في يده ومحسنا في معاملاته .
١٤/ وقال : الشهوة مثلها كمثل عدو تخشى مضرته من وجه وترجى منفعته من وجه ومع عداوته لا يستغنى عن الاستعانة به .
وما أصدق في ذلك قول المتنبي إذا تصور في وصف الشهوة وإن قصدها:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بُد
١٥/ وقال : الفرق بين الخلق والتّخلق: التخلق معه استثقال واكتئاب يحتاج إلى بعث وتنشيط من خارج الخلق معه استخفاف وارتياح لا يحتاج إلى بعث من خارج .
١٦/ وقال : قال عمر رضي الله عنه : ” من تخلق للناس بغير ما فيه فضحه الله”.
وحال التشبع كالجرح يندمل على فساد
قيل : فإن الجرح ينفر بعد حين إذا كان البناء على فساد
١٧/ وقال : قال بعض الحكماء : هل من جود يعم به الورى ؟
قال : نعم ، أن تُحسن خُلقك وتنوي لكل أحد خيرا .
١٨/ وقال : اعلم أن الفضيلة الكاملة والسعادة الحقيقية هي الخيرات الأخروية
وما عداها فتسميته بذلك إما لكونه معاونا في بلوغ ذلك أو نافعا فيه .
١٩/ وقال : والشجاعة متى تقوت تولد منها الجود في حال النعمة والصبر في حال المِحنة والصبر يزيلُ الجزع ويورث الشهامة المختصة بالرجولية .
قيل : خُلقنا رجالا للتجلد والأسى
وتلك الغواني للبكا والمآتم
٢٠/ وقال : والعفة إذا تقوت ولدت القناعة والقناعة تمنع عن الطمع في مال الغير فتولد الأمانة .
٢١/ وقال : الشجاع لا تقهره شهوته على ظلم غيره ولا يخاف الفقر فيبخل، ولهذا النظر جعل بعض الشعراء الشجاعة سماحة والسماحة شجاعة .
٢٢/ وقال : الوقاحة وهي أن يرتكب الباطل ويراه في صورة الحق ويذب عنه
فيورثه ذلك قساوة القلب كما قال الله : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ)
٢٣/ وقال : المؤمن الخير هو في الحيوانات كالنحل يأخذ أطياب الأشجار
فلا يقطف ثمرا ولا يكسر شجرا ولا يؤذي بشرا.
تعليق: حديث قال ﷺ : ( المؤمن كالنحلة ) صحيح.
٢٤/ ثم قال رحمه الله : ثم يعطي الناس ما يكثر نفعه ويحلو طعمه ويطيب ريحه
وفي الأشجار هو كالأترج يطيب حملا ونورا وعودا وورقا ورائحة وطعما.
٢٥/ وقال : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ) وثمرة حرث الآخرة
بقاء بلا فناء قدرة بلا عجز علم بلا جهل غنى بلا فقر أمن بلا خوف راحة بلا شغل
عز بلا ذل .
٢٦/ وقال : كما أن البدن متى لم يكن له نور من الجو لم يفد بصره كذلك النفس متى لم يكن لها نور من العلم مستفاد لم تجد بصيرتها قال الله: ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )
ثم قال رحمه الله : ولما كان فقدان البصيرة أشنع من فقدان البصر قال الله: ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فذمهم بفقدان البصيرة .
٢٧/ وقال : قال الحسن – رحمه الله -: ” لقد أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين !! ولو رأوكم لقالوا شياطين “.
٢٨/ وقال: لا يكاد يجمع بين طريق معرفة الدنيا والآخرة معا على التحقيق والتصديق إلا من رشحهم الله لتهذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم كالأنبياء وبعض الحكماء.
٢٩/ وقال : سمى الله العلم- نورا ( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )
– روحا ( رُوحا مِنْ أمْرِنا )
– حياة ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ )
-ماء( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا )
٣٠/ وقال : ولما كان أشرف المعارف هو ما يتخصص به القلب قال الله تعالى:
( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) فخصَّه بالذِكر .
٣١/ الله أكبر !!! احفظوا هذا يا إخواني ،،،،،
قال الأصفهاني رحمه الله : كذلك العلماء إذا لم يُعاندوا انقادوا ضرورة لأكثرهم علما وأفضلهم نفسا وأوفرهم عقلا ولا يُنكر فضله إلا كل متدنس بالمعايب متطلب لرئاسة محافظ على غرض دنيوي قد جعل عقله خادما لشهوته فلمحافظته على رئاسته ينكر فضل الفاضل .
٣٢/ وقال متكلما عن النبي ﷺ : فهابوه -الكفار- فمن مُذعن له طائعا وخبيث لا ينكره بعد إلا جاحدا
قيل : لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تغنيك عن خبره
٣٣/ وقال : قيل في معنى الحكمة : هي إماتة الشهوات على ما يجب وهذا الحد بحسب اعتبارها بالعمل فيما هو غاية المراد من الإنسان .
٣٤/ وقال : الفراسة الاستدلال بهيئات الإنسان أشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله ، قال الله تعالى: ( لآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) ( تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) (وَلَتَعْرِفَنَّهُم فِي لَحْن الْقَوْل ).
٣٥/ وقال : قيل : أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع فيه قال الله تعالى :
( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
٣٦/ وقال : اعلم أن ذكر الله تعالى تارة يكون بعظمته فيتولد منه الإجلال والهيبة ، وتارة يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن ، وتارة بفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء ، وتارة بنعمته فيتولد منه الشكر ، وتارة بأفعاله الباهرة فيتولد منه العبرة ،
فحق المؤمن ألا ينفك أبدا من ذكره على أحد هذه الوجوه.
٣٧/ وقال : ومن الناس من يسرع إليه النسيان فما سمعه يكون كالخط يكتب في بسط الماء !!!!!
٣٨/ وقال : أشرف ثمرة للعقل معرفة الله تعالى وحسن طاعته والكف عن معصيته.
٣٩/ وقال : فالعقل : قائد والدين مسدد ولو لم يكن العقل لم يكن الدين باقيا
ولو لم يكن الدين لأصبح العقل حائرا واجتماعهما ( نُّورٌ عَلَى نُورٍ ) كما قال الله تعالى .
٤٠/ وقال : من كان مريض النفس كما قال الله : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) لم ينتفع بسماع القرآن الذي هو موضوع الشرعيات بل صار ذلك ضارا له مضرة الغذاء للمريض .
٤١/ وقال : القلب بمنزلة مزرعة للمعتقدات والاعتقاد فيه بمنزلة البذر إن خيرا وإن شرا وكلام الله بمنزلة الماء الذي يسقيه قال الله ( وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه).
٤٢/ وقال : الجهل بالمعقولات جار مجرى ستر مرخي على البصر وغشاء على القلب ووقر في الأذن والقرآن لا تُدرك حقائقه إلا لمن كشف غطاؤه ورفع غشاؤه وأزيل وقره .
٤٣/ وقال : قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )
ووجل القلب : هو الخشية للحق على سبيل التصديق له باليقين .
٤٤/ وقال : الدين أعم من الإسلام إذ هو يستعمل في الحق والباطل والإسلام لا يستعمل إلا في الحق قال الله: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا )
٤٥/ وقال : الاهتداء للحكماء والعلماء وهو توفيق الله العبد ليطلب بسعيه وجهده الحكمة فيتحصل له منها بقدر ما يتحمل من المشقة ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )
٤٦/ وقال : الحمق : قلة التنبه لطريق الحق . وقد عُظم الحمق مالم يعظم الجنون
وقد قصد الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها .
ثم قال : ذكرت حكاية وإن لم تصح فنافع ذكرها وهي :
أن عيسى عليه السلام أُتي بأحمق ليداويه فقال: أعياني مداواة الأحمق ولم يُعييني مداواة الأكمه والأبرص .
٤٧/ وقال : قال بعض الحكماء: أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب
ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون .
قيل : ولا عوقبت نفس ببلوى وقد رأت
عظات من الأيام بعد عظات
وقيل : ومن سرّه أن لا يرى ما يسوؤه فلا يتخذ شيئا يبالي له فقدا
٤٨/ وقال : فتعاطي العشق حال كل جاهل فارغ ! سيما إذا نظر في أخبار العشاق وجالسهم وربما يؤدي بالعاشق الحال إلى الرق والذبول .
ثم قال : بل إلى الموت !!!
قال الشاعر :
لو فكر العاشق في منتهى
حسن الذي يسبيه لم يسبه
٤٩/ وقال : فضيلة العلم تُعرف بشيئين :
١/ بشرف ثمرته
٢/ بوثاقة دلالته
كشرف علم الدين على علم الطب
فإن ثمرة علم الدين الوصول إلى الحياة الأبدية .
وثمرة علم الطب الوصول إلى الحياة الدنيوية المنقطعة
وعلم الدين أصوله مأخوذة عن الوحي، وأصول الطب أكثرها مأخوذ من التجارب .
٥٠ / وقال : فمن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
ومن جهل شيئا عاداه فالناس أعداء ما جهلوا قال الله : ( وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ )
٥١/ وقال : – لا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم بل يجب أن يجعل لكل واحد حظه الذي يستحقه ومنزلتها التي يستوجبها ويشكر من هداه لفهمه وصار سببا لعلمه .
٥٢/ وقال :
العلم طريق إلى الله تعالى ذو منازل وقد وكلّ الله بكل منزل فيها حفظة….
قال الله تعالى : ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله ) . ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ).
٥٣/ وقال: تقصِي الإنسان نوعا واحدا من العلوم على الاستقصار يستفرغ عمرا بل أعمارا ثم لا يدرك قعره ولا يسبر غوره ، قال الله تعالى : ( ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ).
وقال علي رضي الله عنه : العلم كثير فخذوا من كل شيء أحسنه .
قال الشاعر : قالوا خذ العين من كل فقلت لهم
في العين فضل ولكن ناظر العين
٥٤/ وقال: يجب أن لا يتعرى علمه عن مراعاة العمل فيه بنفع ألا ترى أنه ما أُخلي ذكر الإيمان في عامة القرآن من ذكر العمل الصالح قال الله : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ).
وقيل : كثرة العلم من غير العمل مادة الذنوب !!!
وقيل : العلم أس والعمل بناء والأس بلا بناء باطل !!!!
٥٥/ وقال : حق المترشح للعلم أن يطهر نفسه من رديء الأخلاق تطهير الأرض للبذر من خبائث النبات والطاهر لا يسكن إلا بيتا طاهرا والملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب .
٥٦/ وقال : لا تتكبر على معلمك ولا على العلم ! فالعلم حرب للمتعالي كالسيل حرب للمكان العالي
ولهذا قيل : العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك .
٥٧/ وقال : كُره للعامة أن يجالسوا أهل الأهواء والبدع لئلا يغووهم ، فالعامي إذا خلا بذوي البدع كالشاة إذا خلا بها السبع .
صدق ورب الكعبة .
٥٨/ وقال : قال الإسكندر وقد سئل : أمعلمك أكرم عليك أم أبوك فقال : بل معلمي؛ لأنه سبب حياتي الباقية ووالدي سبب حياتي الفانية .
قال ﷺ : أنا لكم مثل الوالد .
٥٩/ وقال : وأي عالم لم يكن له من يفيده العلم صار كعاقر لا نسل له فيموت ذكره بموته ، ومتى استفيد علمه كان في الدنيا موجودا ، وإن فُقد شخصه .
٦٠/ وقال : صريح النهي داع إلى الإغراء
وقيل : فإن اللوم إغراء .
قال الشاعر:
دع اللوم إن اللوم يغري وإنما
أراد صلاحا من يلوم فأفسدا
٦١/ وقال : – المال خادم غير مخدوم فمن جعل العلم ذريعة إلى اكتساب المال فقد جعل ما هو مخدوم غير خادم خادما لما هو خادم غير مخدوم .
٦٢/ وقال: العلم يتوصل به إلى الحياة الأبدية والمال يتوصل به إلى الحياة الدنيوية
وباذل العلم لمن لا يستحقه يستوجب عقوبة ومانعه عن أهله يستوجب عقوبات .
٦٣/ وقال: لا شيء أوجب على السلطان من مراعاة المتصدين للرياسة بالعلم فمن الإخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر .
٦٤/ وقال : إذا ابتليت بمجادل مهاوش ومساجل مناوش قصده اللجاج لا الحجاج ومراده مباهاة العلماء ومماراة السفهاء وقد قيل في مثله :
تراه معدا للخلاف كأنه
يرد على أهل الصواب موكل !
فحقك أن تفر منه فرارك
من الأسود والأساود ( يعني الحيات )
فإن لم تجد من مزاولته بدا فقابل إنكاره الحق بإنكارك الباطل ودفاعه الصدق بدفاعك الكذب ، معتبرا في قول الله ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )
٦٥/ وقال : منزلة الواعظ من الموعوظ كمنزلة المداوي من المداوى فكما أن الطبيب إذا قال للناس لا تأكلوا هذا فإنه سم قاتل ثم رأوه آكلا له عُد سخرية وهزوا.
٦٦/ وقال : اعلم أن الداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب الترأس…
وفضيحة كذبة واحدة لا توازي مسرات دهره فالكذب عار دائم وذل دائم .
٦٧/ وقال : محبة الذكر الحسن أشرف مقاصد أبناء الدنيا وهي في جبلة الناس من خصائصهم ولا توجد في غيره من الحيوان
قال الشاعر :
( حب الثناء طبيعة الإنسان )
٦٨/ وقال : الذي يُنفر عن القبيح ويحث على الجميل أربعة أشياء :
العقل ثم الحياء ثم المدح والهجاء ثم الترغيب والترهيب .
٦٩/ وقال : وأما ثناء الإنسان على نفسه فشناعة وفظاعة !!
فقد قيل لحكيم : ما الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا
فقال : مدح الرجل نفسه .
٧٠/ وقال : غاية شكر الله : الإعتراف بالعجز عنه
وقد قيل :
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
وإن طالت الأيام واتصل العمر
٧١/ وقال : قال الله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور ) فجعل الصبر مبدأ
والشكر ومنتهى ولأن الصبر محمول عليه قهرا والشكر مُؤدىً تطوعا .
كلام عظيم !!!
٧٢/ وقال : الحياء من خصائص الإنسان وأول ما يظهر من قوة الفهم جعله الله في الإنسان ليرتدع به عما تنزعه إليه الشهوة من القبائح فلا يكون كالبهيمة .
ويجمع الشعراء بالمدح بين (الشجاعة والحياء)
كقولهم :
يجري الحياء الغض من قسماتهم
في حين يجري من أكفهم الدم
!!!!
كريم يغض الطرف فضل حيائه
ويدنو وأطراف الرماح دواني
٧٣/ وقال : الوقاحة مذمومة بكل لسان إذ هي انسلاخ من الإنسانية وحقيقتها لجاجة النفس في تعاطي القبيح
قيل :
صلابة الوجه لم تغلب على أحد
إلا تكمل فيه الشر واجتمعا
٧٤/ وقال : الذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة :
البشر وهم أكثر من يستحي منه ثم نفسه ثم الله تعالى ومن استحيا من الناس ولم يستح من نفسه ! فنفسه عنده أخسُّ من غيره ومن استحيا منهما ولم يستح من الله فلعدم معرفته بالله فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلم أنه يراه… ومن لا يعرف الله كيف يستعظمه !!!
٧٥/ وقال : (( كبير الهمة وصغير الهمة )) !!!!!
قال رحمه الله : والكبير الهمة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة
فيصير من خلفاء الله وأوليائه في الدنيا ومن مجاوريه في الآخرة والصغير الهمة من كان على الضد من ذلك .
٧٦/ احفظها واكتبها عندك بماء العينين !!!!
قال رحمه الله : والكبير الهمة على الإطلاق من يتحرى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذة ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البرية بل يتحرى مصالح العباد شاكرا بذلك نعمة الله ومتوخيا به مرضاته غير مكترث بقلة مصاحبيه !!!
فإنه إذا عظم المطلوب قل المساعد وطريق العلاء قليلة الأناس !!!
٧٧/ وقال : من نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله علم أن أعراض الدنيا عارية مستردة لا يؤمن في كل ساعة أن تسترجع إنما الدنيا كرؤيا فرّحت من رآها ساعة ثم انقضت !
٧٨/ وقال : إذا أعجبك من الدنيا شيء فاذكر فناءك وبقاءه أو بقاءك وزواله أو فناءكما جميعا فإذا راقك ما هو لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك وتعذر رجوعه إليك .
٧٩/ وقال : حق الإنسان أن يعلم أن الدنيا جمة المصائب رائقة المشارب تثمر للبرية كل بلية
قيل :
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
٨٠/ وقال : اعلم أن الذي يغرّ الناس حسن ظنهم بانحسار الآفات واغترارهم حالة بعد حالة بصفاء الأوقات
قيل :
إن الليالي لم تحسن إلى أحد
إلا أساءت إليه بعد إحسان
٨١/ وقال: قيل : من قال لغيره صانك الله من نوب الأيام وصروف الزمان !
فإنه يدعو له بالموت! فالإنسان لا ينفك من ذلك إلا بخروجه من دار الكون والفساد.
٨٢/ وقال : قيل : تجاوز عن مذنب لم يسلك بالإقرار طريقا حتى أخذ من رجائك رفيقا وإن قال : فعلت ولا أعود فهذا هو التوبة وحق الإنسان أن يقتدي بالله تعالى في قبولها .
٨٣/ وقال : اعلم أن لذة العفو أطيب من لذة التشفي لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة
ولذة العقوبة يلحقها ذم الندم والعقوبة ألأمُ حالات ذوي القدرة .
٨٤/ وقال : أسرع الناس غضبا الصبيان والنساء وأكثرهم ضجرا الشيوخ
وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ قال الله تعالى :
( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
٨٥ / والنفس إذا اشتعلت غضبا عُمّيت عن الرشد وصُمّت عن الموعظة فتصير مواعظه مادة لغضبه !!!
حكي عن إبليس أنه يقول : متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب !!!
٨٦ / وقال : من حبَّبَهُ الله إلى الناس فقد أنعم عليه نعمة وسيعة كما أن من بغّضه إليهم فقد جعل له نقمة فظيعة
قال الله لموسى ﷺ ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي )
٨٧ / وقال : للإنسان في المعاشرة ثلاثة أحوال :
إما أن يكون شكسا أي : قاسي الطبع
أو مَلِقـًا أي : سلس الطبع
أو مُساعدا أي : تاركا للخلاف على مقتضى العقل وهو المحمود .
٨٨ / وقال: قيل : إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على الحق
٨٩ / قال الشاعر :
إن التواني أنكحَ العجزَ بنتهُ
وساق إليها حين أنكَحها مَهرا
فِراشا وطِيئا ثم قال لها اتكي
فقصرا كما لاشك أن تلدا الفقرا
٩٠ / وقال : قال حكيم : سوأة لمن أُعطي العلم فجزع لفقد الذهب والفضة ولمن أُعطي السلامة والدعة فجزع لفقد التعب والألم فثمرة العلم السلامة والدعة وثمرة المال التعب والألم .
__________
والحمد لله أولا وآخرا
اختارها وألف بينها /
منصور بن عبدالله العازمي
(غفر الله له وعفى عنه وستر بين العالمين ذنبه)
١١ / ذي الحجة / ١٤٣٤ هـ