يقول السائل: أراد الدكتور محمد البرَّاك أن يقرِّر طريقة الصحوِيِّين في تعظيم سيد قطب والدفاع عنه.
فكتب عدة تغريدات، قرَّر فيها عدم هجر المبتدع حتى ولو وقعوا في أعظم البِدَع كالحلولية، ويزعم أن هذه هي طريقة ابن تيمية وابن القيم –رحمهم الله، واستدل ببعض النقول عنهم، وقد أرفقت لك التغريدات.
وسؤالي: فما قولك في ذلك؟
يقال إجابة عن هذا السؤال: قد رأيت هذه التغريدات الشنيعة من الدكتور محمد البراك – هداه الله وردَّه إلى رشده-، وهي تغريدات متضمنة لأخطاءٍ شنيعة؛ فإنه لأجل الدفاع عن سيد قطب أراد أن ينقض أصلًا من أصول أهل السنة، وهو عدم هجر المبتدع والمخطئ ولو كان قد وقع في الحلول، وقد زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- عذر أبا إسماعيل الهروي، ولم يهجره، ولم يأمر بهجره؛ مع أنه قد وقع في الحلول.
وهذا خطأ، وكلام البراك خطأ من أوجه:
الوجه الأول: أن هجر المبتدع أصلٌ من أصول أهل السنة، وقد تكاثرت الأدلة في بيان ذلك، ولا أحب أن أطيل الكلام حول هذا، لكن يكفي أنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منهم، أولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم»، وهذا الحديث أصلٌ في هجر أهل البدع، كما بيَّن ذلك الشاطبي في كتابه “الاعتصام”.
وهجر أهل البدع عقيدة أجمع عليها أهل السنة، حكى ذلك الإمام أحمد في كتابه “أصول السنة”التي رواها اللالكائي، وكذلك علي بن المديني في العقيدة التي رواها اللالكائي والرازيان، بل وقرَّر ذلك تقريرًا قويًّا أبو عثمان الصابوني في كتابه “اعتقاد السلف أهل الحديث”.
فكلام أئمة السنة كثير في ذلك، وهم مجمعون على وجوب هجر البدع، وهذا أصل من أصول أهل السنة.
وممن يقرِّر هذا شيخ الإسلام نفسه، وكلامُه في ذلك كثير، فإنه يقول في المجلد الثامن والعشرين من “مجموع الفتاوى”: “وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبقَ له ريبة، ووجب أن يُعاقَب علانية بما يردعه عن ذلك من هجرٍ وغيره، فلا يسلّم عليه ولا يردّ عليه السلام، إذا كان الفاعل لذلك متمكنًا من ذلك من غير مفسدة راجحة.
وينبغي لأهل الخير والدين – التنبه لهذا- أن يهجروه ميِّتًا كما هجروه حيًّا إلى آخر كلامه-رحمه الله تعالى-.
فأهل السنة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية يقرِّرون هذا تقريرًا بديعًا، وكلامهم في ذلك كثير.
أما الأمر الثاني: فهو أن البراك أخطأ على شيخ الإسلام ابن تيمية لما نسب إليه: أنه يرى أن أبا إسماعيل الهروي يرى الحلول، ومع ذلك لم يتخذ منه الموقف الشديد والتبديع والتضليل ، مما أشار إليه في تغريدته.
فإن ما ظنه محمد البرك خطأ، وذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن أبا إسماعيل الهروي لا يرى الحلول الذي هو حلول الخالق في المخلوقات، ويرى أن هذا ضلال، بل يرى أن أبا إسماعيل الهروي يكفِّر من يعتقد ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه” منهاج السنة”: وأبو إسماعيل لم يُرِد هذا؛ فإنه قد صرَّح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن الله بذاته في كُلِّ مكان، إلى آخر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومثله تلميذه ابن القيم؛ فإنه قد اعتذر لأبي إسماعيل الهروي، وبيَّن أن كلامه لا يدل على الحلول، ذكر هذا ابن القيم في كتابه “مدارج السالكين”.
فإذًا، ظنُّ البراك -أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن أبا إسماعيل الهروي يرى الحلول، ومع ذلك لم يشدِّد عليه- ظنٌ خطأٌ، ولا يصح أن يقال.
الأمر الثالث : أنه لما ظنَّ أن شيخ الإسلام عذر أبا إسماعيل الهروي مع قوله بالحلول، أراد من ذلك أن يقفز إلى أمرٍ، وهو أن يعذر سيد قطب، وأن لا يشدَّد عليه، ولو كان محمد البراك منصفًا لما قال مثل هذا.
بل لما رد اعتقادًا قد أجمع عليه أهل السنة في خطأٍ لشيخ الإسلام في تنزيله على الهروي -على التسليم بأنه قد نزله عملِيًّا خطأً-، وكيف والحقيقة على خلاف ذلك، فإذًا هذا لو كان الرجل منصفاً وصاحب علم.
ثم أيضًا يقال: إن سيد قطب قد جمع ضلالات وموبقات، قرَّر الحلول وغيره، وممن نسب إليه الحلول الإمام الألباني والإمام ابن العثيمين، في تفسيره المزعوم “في ظلال القرآن” عند سورة الفاتحة، وسورة الحديد.
وبيَّن علماؤنا هؤلاء أن سيد قطب قرَّر هذه العقيدة، وأن هذا ضلال مبين.
وقالوا: إنه قرر عقيدة وحدة الوجود، ومن المعلوم أن عقيدة وحدة الوجود أشد من عقيدة الحلول، فسيد قطب قرَّر مثل هذا فيما يعزو إليه هذان العالمان الجليلان، لا البراك بحماسته وعدم علمه ومعرفته.
ثم إن عند سيد قطب موبقات كبيراتٍ، وقد رد عليه علماؤنا: الإمام الألباني وابن باز وابن العثيمين، وقد جُمِع كتابٌ في فتاوى هؤلاء العلماء جمعه الشيخ الفاضل عصام السناني، وكذلك ممن رد عليه ردودًا قوية، الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي في عدة كُتُب، ووثَّق ضلالات سيد قطب، وبيَّن ضلاله، وقد من الله عَلَيَّ أيضًا ورددت عليه في درسٍ بعنوان “موبقات سيد قطبأحرجت أنصاره”، ، وقد كتبت مقالًا في ذلك، وهو موجود في “موقع الإسلام العتيق”.
فالمقصود: أن ضلالات سيد قطب عظيمة، بل إن عنده من الضلالات ما ليست عند الهروي ولا غيره، فسيد قطب يسبُّ كليمَ الله موسى عليه السلام ، وسيد قطب يستنقص سليمان عليه السلام، وداود عليه السلام، ويصف معاوية رضي الله عنه وأرضاه خال المؤمنين بأنه منافِق، وكذلك يصف عمرو بن العاص بالنفاق، ويكفِّر الصحابي الجليل أبا سفيان، ويُنكِر خلافة عثمان ويجعلها فجوة، ويجعل الثائرين على عثمان أقرب إلى روح الإسلام من عثمان-رضي الله عنه- إلى غير ذلك من الموبقات المهلكات المفزِعات؛ التي خرجت من سيد قطب.
ثم بعد ذلك يدافع عنه محمد البراك، وأظنه متخصصًا في العقيدة، بحجة أن شيخ الإسلام لم يضلِّل الهروي، وهذا من الخطأ الكبير الذي ينبغي أن يُعلَم.
أما الأمر الرابع: فينبغي أن يُعلَم خطأ البراك لما قال: “إنه يخطئّ الإخوان المسلمين لكن ما أتى به ربيع بن هادي المدخلي أشد مما عند الإخوان المسلمين”، وهذا والله من الظلم الكبير والبهتان العظيم.
كيف يوصَف الشيخ المجاهد ربيع بن هادي المدخلي، بل كيف يقارن بجماعة الإخوان المسلمين التي لا ترى العداء والبراء حتى مع اليهود والنصارى، فإن إمامهم حسنًا البنا يرى أن الخلاف مع اليهود والنصارى خلاف دنيوي لا ديني.
بل ولا يرى العداء مع الرافضة الذين يتَّهمون أمَّنا أمَّ المؤمنين بالزنا، ويكفِّرون أبا بكر وعمر، كما قرّر ذلك شيخهم حسن البنا، وتتابع على هذا مرشدو الإخوان المسلمين، إلى غير ذلك من الأخطاء الكثيرة العظيمة عند الإخوان المسلمين.
لكن الظلم والهوى والتحزب يجعل الرجل يتلفَّظ بما هو أشد من ذلك، وإني لأدعو محمدًا البراك أن يتّقي الله، وأن يرجع إلى الله، وأن يدع مثل هذا الكلام الذي هو حجة عليه لا له، وغداً سيقف بين يدي الله وسيحاسبه.
وإني لأدعوه أن يطلب العلم وأن يجتهد فيه، وألا يتصدَّر، فإنه قد تصدَّر لمباهلة رافضيٍّ كافرٍ فاجرٍ وهو المسمى بياسر الحبيب، ومباهلته هذه لا فائدة منها، بل تضرّ أهلَ السنة أكثر ما تنفعهم.
بل إنه ناظر رجلًا إباضيًّا جاهلًا، ومن المؤسف المؤلم أن هذا الإباضي الجاهل قد كسره وفضحه، وهذه المناظرة موجودة في اليوتيوب.
فإني أنصح محمدًا البراك أن يتقي الله، وأن يرجع إلى طلب العلم، وأن يجتهد فيه، وأن يترك التحزب والحزب الحركي، وأن يفزع إلى الله، وأن يتبع أهل السنة، وأن يجعل حُبَّه وبُغضَه في الله، لا في فلان ولا فلان، وإنه بمثل هذه التغريدات وأمثالها يسلط عليه أهل السنة، فيزيدوه فضيحة وردًّا وتشنيعًا.
أسأل الله أن يهديه إلى السنة، وأن يكفيه شر التحزب؛ إنه هو الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.