قصة إسلام الطفيل
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, وأتباعه, ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد : ( ياأيها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولاتموتن الا وأنتم مسلمون )
عباد الله : لعلنا نقف اليوم مع حدث من أحداث سيرة ابي القاسم صلى الله عليه وسلم ، ومع سيد من سادات العرب ، وأدبائها النابغين ، إنه الطفيل بن عمرو سيد قبيلة دوس في الجاهلية والاسلام .
يروي لنا خبر اسلامه لنأخذ منه الدروس والعبر فيحدثنا رضي الله عنه : ” أنه قدم مكة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، فمشى إليه رجال قريش، وكان الطفيل رجلا شريفاً شاعراً لبيبا، فقالوا له: إنك قدمتَ بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوْت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا (قطنا) فرَقَاً (خوفا) من أن يبلغني شيء من قوله .
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه فأبَىَ الله إلا أن يُسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً، فقلتُ في نفسي: وَاثُكْلَ أُمَّاه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني مِنْ أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبِلْتُ، وإن كان قبيحا تركت، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبَى الله ـ عز وجل ـ إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض عليَّ أمرك،
قال: فعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليَّ الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم اجعل له آية ، فكان نور في رأس سوطي كالقنديل المعلق ،
فدعا أباه ثم أمه ، ثم زوجته ، فأسلموا جميعا .
ففي هذه الحادثة من الفوائد والدروس :
معرفة ما استمرأ عليه أعداء الحق من استعمال أساليبِ التَّشويهِ والتَّمْويِهِ، وصَرْفِ النَّاس عن أصلِ المراد، وحقيقةِ المطلوبِ! ، فإذا قرَّر المصلحون الناصحون أمراً يخالف أهواءهم، شاغبوا عليهم: بما اختلَقوه لهم من أسماءٍ؛ كما شغّب من قبلهم على أهل السنة الأوائل بأنَّهم: حشويةٌ ونواصبٌ ومجسمةٌ ثم من بعدهم بالنبز بالوهابيةٌ والى يومنا هذا بمسميات جديدة.
وربما شاغبوا عليهم بأكاذيب هم منها براء؛ كدعوى أنهم يطعنون في العلماء، ويشتمون الصُّلحاء، ومرجئة وغلاة طاعة.
قال الإمام السجزي رحمه الله تعالى – قبل أزيد من ألف سنة – في ذكر أمثال هؤلاء في مقابلة الحق:«أن كل من يخالفهم نسبوه إلى سب العلماء، لينفروا قلوب العوام عنه »
وكما فعلت العامة زمن ابن تيمية لما بين بطلان اقوال علمائهم ، جاؤا الى السلطان يشكون ابن تيمية : بأنه يسب مشايخهم ويضع من قدرهم عند الناس )
فليس شأنهم مقارعة الحجة بالحجة بل وليسوا لها اهلا ، مما يبين لك شدة ضلالهم عن اسلافهم فهم ما بين زراعي وطيار وطبيب عجول وابقار ، رمزهم إعلامهم الفاجر فامتطو المنابر وسجلت لهم الشرائط وفتحت لهم الفضائيات بما يسمى قنوات اسلامية الى أن صرفوا بل سرقوا أنظار العامة اليهم .
فأصبح من يجلي غشاوة ظلمتهم ويفضح باطلهم : منافق ونفق للعلمانيين ومركوب ظهر للبراليين ، بل ، وهم الاسلام بباطلهم ومنكرهم فلا يخالفهم الا عدو الاسلام ، فالمضادة لهم حرب بين اسلام وكفر .
ولهذا إذا صدر المنكر الصريح الذي لا يختلف اثنان في كونه منكراً من تقرير بدعة أو مجاهرة بمعصية قولية أو فعليه نظروا فإن كان هذا المنكر ممن بينه وبينهم توافق في منهج أو مصلحة تواطؤوا على تزيين عمله والبحث له عن التأويلات ، وتواطؤوا على تسفيه من ينكر ذلك المنكر . فأجهزوا على قاعدة إنكار المنكر والنصح لله و لرسوله ، حتى لا يتفرق جمع الحزب ، ولهذا تجد في الحزب الواحد خليط من العقائد والمناهج مع مضادة بعضها لبعض .
وإن صدر ذلك المنكر ممن ليس لهم بشريك في منهج أو في مصلحة ، أو ممن يختلفون معه أو كانت مصلحتهم تقتضي استغلال ذلك المنكر في التحريض والتهييج والإثارة أنكروا بكل ما أوتوا من قوة وسخّروا كل وسيلة إعلامية ممكنة بل قد يتجاوزون ذلك إلى التجمهر وحشد الحشود .
ألم ترهم هذه الأيام لما ظهر ما حصل من بعض رموزهم في اختلاط وعري وموسيقى وخلاعة وتقبيلات عاهرة مما لا يختلف في تحريمه صار عندهم كالمباح ، لا أنه يسكت عليها وهذا بمفرده سبب اللعنة التي حلت ببني اسرائيل ، لا ، ولا أنه في حيز المحظور فيلتمس له المعاذير فقط ، لا ، بل وطفح الكيل أن كان ذلك قربة كمطعمة الأيتام من كد فرجها فويلك لا تزن ولا تتصدق
فلم يَعُد العامي البسيط ممن لم تتلوث فطرته يصدِّق مقالات هؤلاء الحزبيين في شيء! فما يحرمونه على الناس يحلونه لهم، وما يحذرون عنه من الطوائف يوالونهم.
وما يعرفونه اليوم ينكرونه غداً، وما ينكرونه اليوم يعرفونه غداً.
فكانوا كمن قال الله عنهم (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
ومن خبر اسلام الطفيل نستفيد : أن المرء العاقل ينبغي أن يستعمل عقله في معرفة الصواب من الخطأ، وأن لا يحكم على أحد بمجرد السماع عنه وأن لا يعتمد على أحكام الناس على الآخرين، بل هو الذي يسمع منه ، وينظر ويحكم، إن كان ممن آتاه الله عقلا وبصيرة في التمييز بين الحق والباطل ، والا فليلزم غرز العلماء الثقات الذين شابت لحاهم في العلم والتعليم ، وليعلم الحريص على دينه أن ليس ثمة مسألة حياد في أمر الحق والباطل ، فوجود حق وباطل في أمر لا يعني أن هناك وسطا بينهما ، (ُ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُون )
فكم في زماننا من وضع الكرسف في أذنيه ،بمجرد سماع اقاويل لا مستند لها وتهم لا أساس لها ، بل والتحف ليغطي ناظريه ( جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ) تغطوا بها بعدا عن الحق ، ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ” أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ” أي:
فلذلك صدر منهم ما صدر.
وفي قوله 🙁 وتلا عليَّ من القرآن، فوالله ما سمعتُ قولاً قطُّ أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت ) أن القلب اذا سلم من الهوى وكان طالبا للحق صدقا من قلبه فإن الله تعالى يهديه لاتباعه فور ما يتبين له الحق !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والقلب خلق يحب الحق ويريده ويطلبه ). واعتقاد كثير من هؤلاء أنهم لم يعد يعلموا من الحق معه ، فصاروا يعتقدون الباطل و يدينون الله به ، مع علمهم بوجود المخالف له فيما يعتقدونه ، بل ربما ضللوا المخالف لما يعتقدون .
ومدار قبول الحق على صدق العزيمة وصفاء السريرة والتربية على منهاج النبوة !
وأما صاحب الهوى فيفتش فى كل دليل ويبحث فى كل كتاب على ما يوافق هواه أو يبرر له مذهبه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله 🙁 من لم يقبل الحق أبتلاه الله بقبول الباطل ) ومما ينقل عن الشيخ المحدث الألباني رحمه الله قوله 🙁 طالب الحق يكفيه دليل , وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل , الجاهل يعلم , وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل ) قال العلامة صديق حسن خان 🙁 وانما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف أعظمها : الإخلاص ، و الفهم ، و الإنصاف ، و رابعها – وهو أقلها وجودا و أكثرها فقدانا – الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة الى ذلك ).
فأصل الزيغ فى تلك المسألة منبنى على عدم التربية على منهاج السنة وتقديم السلف منهجا وفهما . والضراعة إلى الله تعالى أن يقودك إلى الحق ، فلعل رد سنة واحدة تفسد عليك دنياك وآخرتك ! فما أشد الصبر على السنة ، والسير على خطى السلف الصالح .
الخطبة الثانية :
رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم بالكافرين ، فلم يقف عند الإعراض عنهم، والصبر على أذاهم ، بل تعدى ذلك الى حرصه على دعوتهم وهدايتهم، وإنقاذهم من النار .
الدعوة إلى الله عبادة من أشرف العبادات، وعمل من أجَّلِّ الأعمال، والدعاة إلى الله الذين يرشدون الناس إلى الخير، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبيناً أجرهم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) رواه مسلم، وقال: ( لَأَنْ يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمُرِ النَّعَمِ ) رواه البخاري
ولو لم يكن للطفيل بعد اسلامه فضلاً وشرفاً الا اسلام اعظم راوية للإسلام ابي هريرة على يديه لكفاه فخرا .
وفيه وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الطفيل ـ رضي الله عنه ـ بالرفق في دعوته لقومه، فقال له: ( ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم )
الرِفق : هو لين الجانب بالقول والفعل، والتلطف في اختيار الأسلوب والكلمات، وترك التعنيف والغلظة مع الناس وإن كانوا مخطئين، وقد وصف الله ـ عز وجل نبيه بقوله: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }، وعن عائشة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم،
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الرفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه (عابه) رواه مسلم .
الا أن ذلك لا يكون للمعاند او المكابر ، ألم تر كيف عوقب من رد قول النبى صلى الله عليه وسلم ( كل بيمينك ) بالدعاء عليه ( لا استطعت ) فما رفعها الى فيه ، وآخر رأى خاتما من ذهب في يده فنزعه فطرحه وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده )
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ،اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم كن لهم عونا ونصيرا، اللهم انصرهم على القوم الظالمين.
اللهم نصرك المؤزر لجندك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين ، اللهم اكبت عدوهم واجعله في سفال .
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين، ،ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أحمد آل عبدالله